رحيل سمير الإسكندراني “الثعلب” الذي أطرب الجميع
النشرة الدولية –
في هدوء شديد، رحل عن عالمنا الفنان المصري سمير الإسكندراني، المعروف بـ”ثعلب المخابرات”، بعد أن أكمل عامه الثاني والثمانين وقضى معظم حياته في خدمة الفن وعشق الموسيقى وتراب مصر وأهلها، وتغنى بأروع الأغنيات الوطنية، وقدم دروساً من البطولات الملحمية.
ووصل جثمان الراحل إلى مسجد السيدة نفيسة، وفقاً لوصيته، بصحبة ابنتيه نجوى ونيفين، وأدى المصلون عليه صلاة الجنازة، بحضور نقيب الموسيقيين هاني شاكر، ولم تشهد الجنازة حضور أحد من الفنانين، وتم نقل الجثمان ودفنه بمدافن الأسرة في حي المقطم.
من جانبها، نعت نقابة الموسيقيين المصرية الراحل، وأصدر رئيسها هاني شاكر بياناً رسمياً، جاء فيه، “تتقدم النقابة بأحرّ التعازي لأسرة الراحل ولجموع المصريين، داعية الله أن يتغمده بوافر الرحمة والمغفرة، وأن يكون ما قدمه لمصر من إرث فني عظيم، ودعمه للمبادئ والقيم طوال السنوات الماضية، شفيعاً له في جنات النعيم”.
وأضاف هاني شاكر، إن الفنان سمير الإسكندراني، أحد الرموز الفنية التي قدمت تراثاً فنياً حفظته الأجيال، وبطولة وطنية خلدتها سجلات المخابرات المصرية، وقدم طوال مشواره الفني عشرات الأغاني المميزة، مثل “مين اللي قال” و”ابن مصر”، و”في حب مصر”.
كما نعت وزير الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم، الراحل في بيان رسمي، جاء فيه، “فقدت مصر أحد أبطالها الذين تفخر بهم، وتبقى إنجازاتهم علامات مضيئة في السجلات الوطنية، بالإضافة إلى بصمته المتفردة والمميزة بعالم الغناء وأعماله التي ستبقى خالدة في تاريخ الإبداع”.
وتوالت التعازي وكتابة منشورات المواساة من كافة النجوم، بينهم الفنان محمد صبحي، الذي كتب في نعي الراحل، “بكل الحزن والأسي تلقيت نبأ وفاة الصديق والفنان سمير الإسكندراني هذا الرجل الوطني العظيم. ثعلب المخابرات المصرية ضد الصهيونية، المطرب المثقف الراقي والحنجرة الرائعة التي عزف عليها أجمل الألحان. وداعاً الفنان والإنسان”.
الفنان سمير الإسكندراني مواليد حي الغورية 1938 بالقاهرة، وكان والده يعمل تاجراً للأثاث ومحباً للفن وصديقاً لمجموعة من كبار الشعراء والملحنين مثل زكريا أحمد، وبيرم التونسي، وأحمد رامي، مما أثر في نشأة الإسكندراني وجعله يحب الطرب الأصيل.
وأحب الفنون بشكل كبير في بداية حياته لذلك درس في كلية الفنون الجميلة، وبدأ تعلم اللغة الإيطالية بها، واستمر في تعلمها بعدما ألغيت اللغة الإيطالية من الكلية في مدرسة لتعليم الأجانب والمصريين، ويقال إنه وقع في حب فتاة إيطالية كانت جارته تدعى يولندا ومن أجلها أحب دراسة اللغة الإيطالية وأصر على إتقانها.
وحدثت مفارقة غيّرت مجرى حياة سمير الإسكندراني حيث دعاه المستشار الإيطالي في مصر لبعثة دراسية إلى إيطاليا، وهناك ذهب لاستكمال دراسته بمدينة بيروجيا الإيطالية عام 1958 وكان عمره عشرين عاماً، وتعرض لموقف شديد الخطورة حيث تعرف بالمصادفة على شاب من أصل يهودي حاول تجنيده لصالح المخابرات الإسرائيلية، وعرض عليه التعاون مع الموساد وجمع المعلومات من داخل مصر مقابل راتب كبير.
وبذكاء شديد تعامل الإسكندراني رغم صغر سنه وإحساسه بالغربة والخوف مع الموقف ووافق مبدئياً، وتدرب على وسائل التجسس والتراسل عن طريق الحبر السرّي واللاسلكي، واحتفظ بكل المعلومات وعند عودته إلى مصر أبلغ المخابرات المصرية وقابل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حيث تم الاتفاق على أن يستمر في لعب دور جاسوس إسرائيل داخل مصر.
وبهذا تحول الشاب المصري عاشق الفن البسيط في ليلة وضحاها إلى عميل للمخابرات المصرية، ينفذ تعليمات حرفية جعلت منه جاسوساً مزدوجاً يخدع الإسرائيليين ويمدهم بمعلومات بتوصيات من المخابرات المصرية، ويمد الأخيرة بمعلومات حقيقية عن الموساد ومخططاته، وبتعاونه الوطني المخلص تمكن من كشف عدد من خطط التجسس والمخابرات داخل مصر، منها محاولة اغتيال المشير عبد الحكيم عامر، ودس سمّ طويل الأمد للرئيس جمال عبد الناصر، وبعد فترة تزيد على العام ونصف العام تمكنت المخابرات المصرية عن طريقه من رصد مكان اتصال الجاسوس الهولندي مويس جود سوارد به، وتم القبض عليه وكشف أعضاء شبكة تجسس كاملة داخل مصر.
وبسبب ما تكبدته المخابرات الإسرائيلية من خسائر بفعل خداع الإسكندراني، قدم رئيس الموساد آنذاك استقالته وأطلق الجميع على الإسكندراني اسم “ثعلب الموساد”، وبعد رحلته هذه، عكف على فنه ليقدم العديد من الأعمال الغنائية التي تعتبر بصمات واضحة في تاريخ الفن المصري، وتميزت كلماته وموسيقاه بالطرب والمحافظة على التراث الشرقي فغنى: يا نخلتين في العلالي، وقدك المياس، ويا جميل ياللي ناسيني، ودوسة، وطالعة من بيت أبوها، ويا صلاة الزين، ومين اللي قال، كما تغنى بالعديد من الأغاني الوطنية مثل؛ يا رب بلدي وحبايبي، وإحنا بنعاهدك يا غالية، وابن مصر، وفي حب مصر، وأوبريت الغالية بلدي، وأوبريت تسلم الأيادي. كما غنى في عدة مسلسلات مثل مسلسل لحمة الحب والرحيل عام 1986، ومسلسل الطاحونة بجزءيه عام 1984 و1986، ومسلسل الوليمة عام 1979.