مطار دبي يستقبل بالورود البيضاء اللبنانيين بعد الفاجعة التي ألمت بالعاصمة اللبنانية
النشرة الدولية –
بعد ثلاثة أيام من الانفجار الضخم الذي دمّر أجزاء كبيرة من بيروت، استقلّ علي حمّود الطائرة متجها إلى دبي. وعندما ارتفعت قليلا، نظر بأسى من نافذتها إلى الركام المنتشر في كل مكان متحسّرا على بلد ترك فيه عائلة وأصدقاء وحياة مليئة بسلسلة طويلة من خيبات الأمل.
حمّود مثله مثل اللبنانيين الذين غادروا بوجعهم بيروت إلى دبي تم استقبالهم من قبل موظفي جمارك المطار بالورود البيضاء في حركة مساندة إلى الشعب اللبناني الذي يعاني من أزمة اقتصادية زادها الانفجار حدّة.
وحصل 163 راكبا على متن إحدى رحلات طيران الإمارات الذين وصلوا إلى مطار دبي، على الورود مع رسالة مساندة. وقال الرئيسي التنفيذي لمطار دبي بول غريفث “أنا متأكد أنها تضيف بعض الراحة والسعادة للركاب اللبنانيين خلال هذه الأوقات الصعبة للغاية”.
وتملّك بعض النساء اللبنانيات البكاء بينما هن يتلقين الورود، في حين التقط بعض المسافرين صور سيلفي معهم وأعرب آخرون عن تقديرهم وشكرهم على هذه الخطوة.
وقرّر حمّود المهندس التقني (30 عاما) مغادرة المدينة التي ولد وتربّى فيها للعيش والعمل في إمارة دبي الغنية بعد الانفجار الذي قضى على آخر آماله في حياة مزدهرة وآمنة.
وقال بُعيد وصوله إلى الإمارات هذا الأسبوع، “الأمر ليس سهلا أبدا، لكن كان عليّ أن أغادر. أشعر أنني خنت المدينة التي أحب حتى الموت، لكن لم يبق لي شيء هناك إلا الكآبة”.
وأضاف الشاب الذي خسر عمله قبل عام بسبب الأوضاع الاقتصادية في لبنان، “الآن أستطيع أن أبدأ سيرة مهنية، وأن أعيش بسلام وأُعين عائلتي عبر إرسال الأموال”.
وعلى غرار الكثيرين من أبناء وطنه الباحثين عن الأمن والاستقرار، تقدّم حمّود بطلب عمل في دبي لينضم إلى الآلاف من اللبنانيين الذين ساهموا في بناء إمارة تحوّلت على مر السنين إلى وطن جديد يذكّرهم بتاريخ مزدهر في بيروت لم يعرفوه إلا من خلال روايات آبائهم وأمهاتهم.
وتسبّب عصف الانفجار في مرفأ بيروت الأسبوع الماضي بتدمير أحياء برمُتها في المدينة الغنية بالتاريخ والمعروفة بمطاعمها وحياتها الليلية الصاخبة.
وألقى الانفجار الضوء على الفساد المستشري والاستهتار وقلة المسؤولية بين الطبقة الحاكمة في لبنان، بعدما تبيّن أنّ المسؤولين اللبنانيين كانوا على علم بوجود “قنبلة موقوتة” في قلب بيروت وبين سكانها لأكثر من ست سنوات.
وقال حمّود إن هدفه الأول بعد وصوله إلى دبي هو “التغلب على الشعور بالندم الناجم عن مغادرتي”.
لكن حتى قبل الانفجار، كان لبنان في حالة من الانهيار غير المسبوق، دفع العديد من الشباب إلى الهجرة دون عودة.
وعلى معرّفات البحث في غوغل، بلغ معدل البحث عن كلمة “هجرة” في لبنان بين شهري ونوفمبر وديسمبر حدّه الأقسى خلال خمس سنوات.
ويقول أحد المحامين، مفضلا عدم الكشف عن اسمه، إن “الطلب على الهجرة ارتفع بنسبة 75 بالمئة”، مشيرا إلى أنه يعمل حاليا على 25 طلبا، غالبية أصحابها ينوون الهجرة إلى كندا.
وغالبية زبائن المحامي هم من الشبان المتعلمين وأصحاب الاختصاص، منهم من يعمل في الصيدلة أو في تكنولوجيا المعلومات أو الشؤون المالية.
ويضيف المحامي “جميعهم يغادرون بسبب الوضعين الاقتصادي والسياسي”.
ويتّهم لبنانيون كثر الطبقة الحاكمة بالفساد والعجز والسرقة وتفضيل مصالحها الشخصية على مصلحة البلد الذي يسكنه نحو ستة ملايين شخص.
لبنان كان قبل الانفجار في حالة من الانهيار غير المسبوق دفع العديد من الشباب إلى الهجرة رغم حرقتهم على وطنهم لبنان كان قبل الانفجار في حالة من الانهيار غير المسبوق دفع العديد من الشباب إلى الهجرة رغم حرقتهم على وطنهم
وقال فراس رشيد (31 عاما) المقيم في دبي منذ 2016 والذي يعمل في مجال المبيعات “لا يمكن أن تتخيل كمية الغضب التي تعتريني. سرقونا والآن يقتلوننا؟”.
ومنذ انتهاء الحرب الأهلية، خسرت بيروت التي لطالما عرفت بجامعاتها ومستشفياتها شيئا فشيئا هويتها التي طبعتها قبل العام 1975 وجعلتها عاصمة الحريات السياسية والاجتماعية والترفيه.
وغادر على مرّ السنوات مئات الآلاف من اللبنانيين من أطباء ومهندسين ومدرّسين وغيرهم بحثا عن حياة أكثر استقرارا في دول الخليج وأوروبا وغيرها.
ويقول مسؤولون لبنانيون إنّ نحو 350 ألف لبناني يعيشون ويعملون في الخليج، بينهم نحو مئة ألف في الإمارات وحدها غالبيتهم في دبي.
وقال شديد “لماذا دبي؟ نقود سياراتنا في مسارات محددة هنا، ولا نخشى أن يرفع عنصر في ميليشيا ما السلاح بوجهنا، ونتمتع بالخدمات، ونحصّل رواتب عالية”.
وتابع الشاب “لطالما تحدثّ أهلي عن كيف أنّ بيروت كانت محطة استقطاب في الستينات والسبعينات، وهذه دبي اليوم”.
وفي كتابه “قصتي”، روى حاكم دبي ورئيس حكومة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم زيارته الأولى إلى بيروت قبل أن تحيل الحرب الأهلية “باريس الشرق” خرابا.
وكتب “كانت شوارعها النظيفة، وحاراتها الجميلة، وأسواقها الحديثة في بداية الستينات مصدر إلهام لي، وحلماً تردّد في ذهني أن تكون دبي كبيروت يوما ما”. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت دبي مقصدا للعديد من العرب الذين مزّقت بلدانهم الحروب والنزاعات، وقضى الملايين من الأردنيين والفلسطينيين والمغاربة وغيرهم سنوات طويلة وهم يبنون مستقبلهم في الإمارة الصحراوية.
ويحنّ اللبنانيون بالتأكيد إلى التاريخ الذي تتنفّسه بيروت في كل شارع وحي، إلى النموذج الإنساني الفريد والمنوّع، إلى تراث ثقافي وانفتاح
جعلها مقصدا للسياح من العالم أجمع خلال مراحل الازدهار، لكن اليوم، تجد غالبيتهم في الإمارة الخليجية استقرارا ماليا وسلاما ضروريا للاستمرار.
وقال حمّود “دبي ستكون بيروتي الجديدة”.