الهلال الأحمر الكويتي… ونقطتان على السطر* حمزة عليان
النشرة الدولية –
صورة الهلال الأحمر في لبنان تشبه صورة الكويت الإنسانية، تلك اللوحة الجميلة التي رسمت منذ عقود ولم تفرق بين طائفة وأخرى أو حزب وآخر، بل كانت تحتضن الجميع وتمد يدها إليهم.
انتفض الشعب الكويتي عن بكرة أبيه ومعه الجالية اللبنانية مرة واحدة وبالتضامن العفوي، ضد إعطاء أي فلس أو مبلغ مالي “كاش” إلى شيء اسمه سلطة أو مؤسسة حكومية، فالكلام الدائر هنا ليس فيه التباس، إذ لم تعد هناك ثقة بالحكومة والمؤسسات، ومن اللحظة الأولى التي حطت فيها الطائرة العسكرية الكويتية أرض مطار بيروت، كانت أخبار السوشيال ميديا تلاحقها قبل أن تفتح أبوابها لتفريغ المعونات.
وطوال الأيام التي تلت كانت الاتصالات والأسئلة التي توجه إلى القائمين على جمعية الهلال الأحمر الكويتي: لن نقبل منكم إرسال معونات إلى الجهات الرسمية بل إلى الشعب اللبناني! انظروا كيف تباع أقنعة الوجه في إحدى الصيدليات اللبنانية!
وعند التحقق من الخبر والصورة تظهر أنها مفبركة وموجهة، إذ كيف يستقيم الادعاء بأن الأقنعة تباع، ولم تصل الصناديق بعد إلى أماكنها والطائرة ما زالت محركاتها لم تنطفئ، إضافة إلى أن نوع “الماسك” متوافر وموجود في السوق اللبناني والكويتي باعتباره سلعة تجارية تباع وتشترى في الأسواق وذلك قبل شحنه إلى مطار بيروت!
توالت رسائل وصور أخرى، وكانت تصب في الخانة نفسها والصوت الملازم لها، فكيف تسمحون أن تذهب مساعداتكم إلى المنطقة الفلانية؟ لتكتشف بعدها أن الشاحنة لا علاقة لها بمساعدات الهلال الأحمر الكويتي وليس لديهم علم بذلك، ولا يعرفون أصلاً ما إذا كانت الشاحنة متوجهة إلى الجنوب أم إلى الشمال؟
غاية الكلام، أن هاجس الخوف عند الجميع، هو أن يتم “السطو” على بضعة صناديق من المساعدات الكويتية، لأن التجارب السابقة أظهرت أن من يتلقى المساعدات “ذمته مضروبة” وبالتالي لم يعد لديه مصداقية.
قد لا تتوقف “أخبار وصور” السوشيال ميديا عن تتبع مسار المساعدات وما إذا كانت “انحرفت” عن الخط المرسوم لها أم التزمت بالتعليمات!
إن انعدام الثقة بمؤسسات الدولة اللبنانية بات محل إجماع العالم إلى حد كبير، أولهم الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي جاهر بهذا الأمر علناً عندما صرح بأن المساعدات لن تذهب لمن فقد ثقة الشعب به، ثم كرت السبحة فيما يشبه الصرخة المدوية.
بلدكم يئن من الفساد فإذا لم تصلحوا حالكم فلن تجدوا أي دولة أو جهة في العالم لديها استعداد لإنقاذكم أو إعطائكم “شيكا على بياض” نظفوا مؤسساتكم من الفاسدين، وأظهروا جدية في الإصلاح، سيهب العالم ويقف إلى جانبكم وبدون شروط أو محاسبة.
ولطالما كان الحديث عن الهلال الأحمر الكويتي فالأمانة تقتضي بالقول، أن أول طائرة تنزل في مطار بيروت الدولي وفي اليوم الثاني من وقوع الكارثة 4 أغسطس 2020 بالمرفأ كانت قادمة من الكويت ليتبعها جسر جوي متواصل، لم يتوقف بعد أكثر من أسبوع من الحدث وبشكل يومي لتوصيل معونات غذائية وأجهزة طبية ومولدات كهربائية وغيرها.
ومن اللحظة الأولى كانت جمعية الهلال الأحمر الكويتي في حالة استنفار وتواصل مع الصليب الأحمر اللبناني للوقوف على الاحتياجات الضرورية والملحة في المرحلة الأولى على الأقل، ويا لها من فزعة إنسانية، بطلها الرائع والمتواضع الدكتور هلال الساير الذي لم يتوان لحظة عن تلبية النداء إلى جانب فريقه الدائم، وفي طليعتهم الفاضلة مها البرجس وأنور الحساوي إلى عبدالرحمن العون ومساعد العنزي وخالد الزيد وكل القياديين والعاملين بالجمعية.
لم تكن المهمة جديدة عليهم بل هي سرعة الاستجابة ومرافقة أول دفعة من المساعدات من أجل ضمان وتأمين إيصالها لمستحقيها وبشفافية كاملة، وما بقاء فريق ميداني يعمل على مدار الساعة في بيروت بقيادة مساعد العنزي وخالد الزيد إلا لإيصال رسالة للعالم أن الهلال الأحمر الكويتي يتمتع بمصداقية، ويحرص على أن يراقب ويتابع عمليات التوزيع بنفسه، وهو ما منحه الثقة التي اكتسبها وعلى مدار سنوات من عطاءاته الإنسانية.
وقفة الهلال الأحمر الأخيرة في بيروت لم تكن جديدة، وليست الأولى من نوعها، فتاريخ العلاقة والمساهمات والأدوار مع لبنان وبكل فئاته ونكباته، كان دائماً حاضراً وبقوة، مثلما كان حاضراً مع النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين هناك.
صورة الهلال الأحمر في لبنان تشبه صورة الكويت الإنسانية، تلك اللوحة الجميلة التي رسمت منذ عقود ولم تفرق بين طائفة وأخرى أو حزب وآخر، بل كانت تحتضن الجميع وتمد يدها إليهم، فهي ذاك الوجه المكمّل للصندوق الكويتي للتنمية بكل تجلياته والشفافية التي أنجز بها مشاريعه وعمت كل المحافظات اللبنانية.
باختصار تاريخ العلاقة بين الكويت ولبنان يشهد على تلك اللحمة التي نسجت خيوطها قيادة هذا البلد وعلى مختلف المستويات لتؤسس لصداقة امتدت عقودا وبقيت متجذرة في قلوب وعقول الشعبين.