سلمى لاغرلوف* د. أفراح ملا علي

النشرة الدولية –

في سنة 1858 وتحديدا في مزرعة عائلية بمنطقة «مارباكا» السويدية، يشهد العالم ولادة طفلة غيرت مجرى تاريخ السويد.

إن بطلة هذا المقال سلمى لاغرلوف، كانت تعاني من إصابة بالحوض منذ الولادة منعتها من المشاركة بجميع الألعاب مع من هم بسنها، مما زرع فيها عشق القراءة والتعمق في كتب الفلكلور والقصص لروائيين مثل هانز كريستيان أندرسن، الاخوة غريم، والتر سكوت وغيرهم عن عمر السبع سنوات، وقررت حينها أنها سوف تصبح كاتبة عندما تكبر لانبهارها الشديد بالأسلوب السردي.

كان لجدتها أيضا دور مهم في نحت شخصيتها، حيث كانت تسرد لها قصصا وأساطير مختلطة بعناصر مسيحية ووثنية فلكلورية وشعبية، حتى أصبحت عادة سرد القصص أمرا يوميا. وفي عمر الثانية عشرة كتبت شعرا عن منطقة «مارباكا» كبداية انطلاقة في عالم الأدب والكتابة.

كانت عائلة سلمى تعاني من الفقر وقلة وفرة الطعام، فمرض والدها ساهم في توزيع العمل والمسؤوليات بين الأشقاء، فاختارت سلمى التعليم، وبالرغم من المشقات إلا أن شقيق سلمى جوهان، يقترض المال لكي تستطيع الالتحاق بالمدرسة، وتصبح ذات شعبية كبيرة بين زميلاتها بسبب إلقائها وكتابتها للشعر.

في سن السادسة والعشرين، تحصل سلمى على وظيفة معلمة في منطقة «لاندزكرونا» بعد طول انتظار، تاركة ذكرى مشاهدة والدها يحتضر ويموت في نفس السنة.

وتبدأ بالعمل كمعلمة وكاتبة مقالات وأيضا كتابة خطابات للكنائس بالمدينة، وتقوم بعمل صداقات متعددة وتشارك بندوات نسوية مدافعة عن حقوق المرأة، وتثير أهم مشاكل المجتمع مثل الإدمان وتطالب بحق التعليم للنساء، حتى تصل شعبيتها الى السيدة «صوفي الدرسباري»، احدى أهم أيقونات الحركة النسوية السويدية، لتساندها وتصبح فيما بعد صديقة مقربة لها.

في 1888 يتم بيع مزرعة العائلة بسبب التدهور المادي والديون فتتشرد عائلتها وتقسم أنها ستسترجع إرث العائلة وتجمع الشمل في يوم ما. في تلك الأثناء تعلن جريدة ايدون عن مسابقة أفضل رواية والتي يحصل فيها الفائز على 500 كورونة سويدية.

فترسل إلى الجريدة خمسة أجزاء من رواياتها «مغامرات غوستا بيرلينق» وتفوز بالجائزة.

وتصبح صديقتها صوفي همزة وصل التقائها بالبارونة المعجبة جدا بكتاباتها مطالبة إياها إنهاء الرواية مهدية إياها بعثة مدفوعة الأجر ويتم نشر الرواية في سنة 1891.

بعد مرور سنتين تتم ترجمة الرواية إلى الدنماركية عن طريق نسويات في الجمعية النسائية للقراء، فتقرر سلمى ترك وظيفة التعليم لتتفرغ كليا إلى عالم الكتابة.

تسافر إلى بقاع العالم لتبدأ رحلة الإلهام والعطاء، ففي إيطاليا كتبت رواية «معجزات الدجال» لتلاقي نجاحا مبهرا.

وفي مصر والقدس نشرت أكثر من ثلاثة كتب قصصية، فتصبح بذلك الكاتبة ذات الروايات الأكثر مبيعا والأكثر احتراما وتقديرا بين الكتاب.

في 1904 تعود لشراء منزل العائلة والمزرعة، وفي 1906 يتم تكليفها بعمل مادة الجغرافيا للمدارس العامة من قبل الرابطة الوطنية للمعلمين، فتقوم بعمل واحد من أهم القصص الأدبية للأطفال باسم «مغامرات نيلز» والتي ساهمت بدروها في تسهيل المادة العلمية على الطلبة. في 1909 تحصل على جائزة نوبل للأدب، فتصبح بذلك أول امرأه تحصل على هذه الجائزة.

لكن في الحرب العالمية كان الاضطهاد النازي على المثقفين فظيعا وتصفيتهم كان أمرا روتينيا، فقررت سلمى قضاء السنوات الأخيرة من حياتها بمساعدة الكتاب والمفكرين بالاختباء ومغادرة البلاد، محاربة بذلك الديكتاتورية الألمانية التي كانت تضطهد أوروبا.

وفي مواجهة منها لمقاومة العدوان السوفييتي في حرب الشتاء، تبيع ميداليتها الذهبية لجائزة نوبل بالمزاد العلني لجمع أموال للمقاومة الفنلندية.

في خضم عملها وجهدها في مساعدة اللاجئين الفنلنديين والمثقلين جميعا بحصار عسكري سوفييتي طويل تتعرض لأزمة قلبية شديدة أدت إلى وفاتها في 16 مارس بسنة 1940 عن عمر يناهز 81 عاما، تاركة لنا أجمل الأدبيات والمثال الحقيقي للإنسانية والعطاء والقوة والحياة وحب العائلة، باختصار هكذا هن النساء.

دمتم بعطاء وحب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى