الدولار الى الهبوط او الجنون؟ راقبوا مصير المواجهة الكبرى في بيروت* نوال الأشقر

النشرة الدولية –

منذ نشوب الأزمة المالية النقدية في لبنان، لم يعكس تفلّت الدولار في السوق السوداء سعرًا اقتصاديًا بحثًا، بل على العكس من ذلك، التقلّبات السياسية وعدم الإستقرار والتجاذبات الداخلية عوامل فرضت إيقاعها المضطرب على سعر الصرف، الذي واصل مساره التصاعدي حتّى بلغ رقمًا قياسيًّا ناهز الـ 10 الآف ليرة للدولار الواحد. في الأيام القليلة الماضية انخفض سعر الصرف بشكل ملحوظ، على رغم المعطيات السلبية التي أعقبت تفجير مرفأ بيروت واستقالة حكومة حسان دياب. فما هي الأسباب التي أدّت إلى خفض سعر الصرف؟ وهل سيواصل المنحى الإنحداري أم سيعاود جنونه السابق؟

عوامل ظرفيّة تقف وراء هبوط سعر صرف الدولار في السوق السوداء وفق اقتصاديين، لعلّ أبرزها دخول الدولار الطازج، من خلال إعادة الدفع بالدولار عبر السماح  لشركات تحويل الأموال بدفع التحويلات النقدية من الخارج بالدولار، ترجمةً للتعميم رقم 566 الذي أصدره مصرف لبنان في 6 آب، بعد يومين على التفجير، والذي قضى بالعودة إلى دفع التحويلات بالدولار. هذا العامل ساهم في انخفاض السعر، خصوصًا أنّه  تزامن مع تزخيم عمليات تحويل المغتربين لدولارات إلى ذويهم من أجل شراء مستلزمات ترميم ما تدمّر جراء تفجير المرفأ، لاسيّما الزجاج والأليمنيوم والخشب والأدوات الصحية. تضاف إلى دولار المغتربين أموال المساعدات التي حُوّلت لجمعيات دولية وأخرى من المجتمع المدني من أجل القيام بجهود الإغاثة بعد إنفجار 4 آب، وهي مساعدات بالدولار بطبيعة الحال، الأمر الذي زاد من حجم الكتلة النقدية بالعملة الصعبة في السوق.

يلجأ التجار إلى السوق السوداء لتأمين الدولار في عمليات الإستيراد، وهؤلاء خفّ طلبهم على الدولار في الأيام التي أعقبت الإنفجار نظرًا لتعطّل مرفأ بيروت، وتراجع حجم الإستيراد. تضاف إلى ذلك المساعدات الدولية الغذائية التي عكست تراجعًا في الطلب على المواد الغذائية في أجزاء من السوق البيروتي، وتلك الطبيّة التي أمّنت بعض حاجات المستشفيات والمستوصفات والصليب الأحمر  من مستلزمات طبيّة، فتراجعت الحاجة لشراء هذه المستلزمات على الأقل في المدى القصير، وشكّلت بالتالي تراجعًا محدودًا في طلب العملة الخضراء من السوق السوداء. بالمقابل لا يخفي خبير مصرفي لجوء صرّافي السوق السوداء لخفض سعر صرف الدولار بعد الرابع من آب، بقصد جمع ما أمكن من الدولارات لطرحها لاحقًا  في السوق بأسعار مرتفعة لجني الأرباح.

ولكن هذه العوامل التي أنتجت تراجعًا في سعر الدولار إلى حدود 6700 ليرة، لا يمكن الركون إليها طويلًا، وقد تنتفي جميعا ويعود الدولار إلى التحليق مجدّدًا وفق مصادر اقتصادية، نظرًا لمعطيات ومؤشّرات عدّة لا زالت تتحّكم بسعر الصرف، أبرزها عدم قدرة المصرف المركزي على التدخّل في سوق القطع للجم ارتفاع سعر الصرف، بسبب استنزاف الإحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان في عمليات تمويل استيراد ثلاثية السلع الأساسية من محروقات وقمح وأدوية، من دون أيّ بديل يُدخل العملة الصعبة إلى خزائن المركزي ويعوّض كلفة عمليات الإستيراد. وبالتالي هذا الإحتياط سيشهد مزيدًا من التراجع، بظل فشل التوصّل إلى إتفاق على برنامج تمويل خارجي، سواء عبر صندوق النقد الدولي أو من خلال أموال مؤتمر سيدر، خصوصًا أنّ الجهات الدولية المانحة كرّرت على مسامع المسؤولين في لبنان أنّ أيّ دولار لن يدخل إلى المؤسسات الحكومية قبل تنفيذ الإصلاحات، وحوّلت مساعداتها الإغاثية العاجلة إلى مؤسسات غير حكومية، لفقدان الثقة بتلك الحكومية وخوفًا من أن تصل المساعدات إلى خزائن السياسيين بدلًا من إيصالها إلى المنكوبين. فضلًا عن أنّ العملة الصعبة التي تدخل البلد لتلبية الحاجات الضرورية التي خلّفها الإنفجار ستخرج منه حتّما في عمليات استيراد مستلزمات الترميم والإعمار.

في الشق السياسي لا يمكن إغفال كلفة الفراغ الحكومي فيما لو طال أمد التأليف، وانعكاس ذلك على سعر صرف الدولار، لاسيّما بعد تراجع التوقّعات بقرب تأليف الحكومة، على وقع التجاذب الحاصل حول هوية الحكومة المقبلة ودورها وهامش حزب الله داخل السلطة التنفيذية، وهو ما عكسه بالأمس الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في خطابه والذي شهر خلاله سلاح المواجهة، ونسف طرح قيام حكومة حيادية حقيقية تشرف على مرحلة إنتقالية، بما يؤشّر إلى فصول معقّدة من التجاذب وتسعير الصراع الدولي على أرض لبنان. ولعلّ أبرز مؤشراته الحشود الدولية المزدحمة في بيروت، والتي أوجدت في التوقيت نفسه المتصارعَين ايران والولايات المتحدة، من خلال التزامن بين زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل ووزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، ورسائلهما المشفّرة وتلك المباشرة. كلّ ذلك يحصل قبالة البوارج الأجنبية الراسية في مرفأ بيروت، والتي اعتبرها ظريف تشكّل “تهديداً للمقاومة”.

فهل الحراك الدولي باتجاه بيروت سينتج تسوية أو مواجهة؟ الجواب على هذا السؤال ينعكس على تفاصيل معيشة اللبنانيين، ومن ضمنها سعر صرف الدولار. من هنا يمكن اعتبار العوامل التي ذكرناها كمساهمة في هبوط سعر صرف الدولار هي عوامل موقتة، لا تنفي فرضية أنّ الدولار سيعاود التحليق من جديد ومن دون سقف، في حال ذهبت الأمور نحو فترة من شدّ الحبال واحتدام المواجهة الأميركية الإيرانية في بيروت، بالتزامن مع قرب موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية.

نقلاً عن موقع “لبنان 24” الإخباري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى