“متحف آرمات عمان” حيث التاريخ والذكريات ..!!* صالح الراشد

النشرة الدولية –

وسط البلد حيث الزحام وأصوات البائعين تصدح في المكان، حيث سوق الذهب وجماله ومحلات الملابس وتنوعها، وكنافة حبيبة وتاريخها ومطعم هاشم ومطعم فؤاد وذكرياتهما، في وسط البلد نستعيد الذكريات ونسير في أروقة الماضي حيث تتاسبق ذاكرتنا كشلال بهي، فهنا سرنا وميشنا، وفي هذه الزاوية كانت محلات فلان، واليوم إزدادت عمان مدنية فتغيرت الألوان وأصبح قاع المدينة أنظف وأبهى وتزايدت المقاهي المُطلة على الشارع، وبين جميع هذه التحف يقف البنك العربي شامخاً يكتب تاريخ المال.

ساقتني قدماي وذاتي حيث قهوة السنترال لأستعيد جزء من ذكرياتي التي بدأت تهرب مني، نظرت للأعلى فوجدت آرمة جديدة كُتب عليها بخط جميل مريح للبصر والروح ” متحف آرمات عمان”، “شيء جديد”.. قلت لذاتي التي ترافقني في زيارة التاريخ, نعم فقد إعتدت على زيارة المتاحف في شتى الدول التي وطئتها قدماي بحكم العمل أو المتعة، ففي جميع الدول زرت معارض ومتاحف متنوعة ومتعددة تتحدث دوماً عن تاريخ  الدولة ونهضتها وتاريخها، لكني لم أزر  متحفاً للآرمات في حياتي.

صعدت درجات السلم الواقف على الطريقة القديمة بحثاُ عن مغامرة جديدة في حياتي، وأنا أنظر ذات اليمين وذات الشمال فالفكرة لا زالت تحيريني وأتحدث مع ذاتي .. “متحف للآرمات”.. غريبة، ما هذا المتحف وماذا يضم؟, عبرت إلى حيث تسكن آرمات عمان القديمة وبدأت أتجول بينها فوجدت أنني أطوف عبر رحلات تاريخية فظننت أنني “جلفر” وربما “سندباد”، لكني في الحقيقة أنا ذلك الرجل المولع بتاريخ الوطن وأقدر كل من يجمع تاريخه ويحفظه لأجل الأجيال.

طفت بالمكان وكأني أطوف بعمان القديمة، فهذه الآرمات من العقد الخامس في القرن الماضي، وأخرى من العقد السادس والسابع، وهي آرمات لأماكن حجزت منذ زمن موقعها في ذاكرة الوجدان، لم أكن وحدي من يسير عبر التاريخ، فهذا الرجل الذي تبدوا عليه علامات العز ويقف بين ثلاث صبايا ويهمس لهن بصوت هاديء وكأنه لا يريد للحظة أن تهرب من بين يديه: ” هذه آرمة محل جدكم رحمه الله”, ويكمل ” كأنني استعيد ذاتي وأراه على باب المحل وقد إصطحبتكم لتعرفوا تاريخ اسرتكم”، وتغرق عيني الرجل في الدموع وهو يشاهد والده بين حروف الآرمة ويستعيد التاريخ والايام التي ذهبت ولن تعود، ولم يبقى منها إلا عبق التاريخ وضيائه.

شدني المعرض الذي يزوره الكبار والصغار، فالدخول مجاني والتصوير ممنوع في شتى زوايا المكان, وكأن غازي خطاب صاحب الفكرة والموقع يخشى أن تهرب اللحظات وجماليتها خارج المكان، وكأنه يريد للتاريخ أن يبقى محفوظاً للأجيال القادمة، تحدثت إلى الرجل صاحب الفكرة والعمل الدؤوب فأخبرني كيف جميع الآرمات، وكيف إضطر أن يذهب بصحبة جاهة للحصول على آرمة لمحل أو مدرسة، فأهل عمان يعشقون التاريخ ويحبون الذكريات، ويُجيدون بناء المدنية على اروقة التاريخ ليكون لعمان صورة خاصة وثوب جميل ترتديه في جل المناسبات.

قضيت ساعتين من الزمن أرتشف التاريخ وأتعلم جمال الخط العربي وروعته، ومن حُسن طالعي أن زيارتي ترافقت بوجود الخطاط الشهير رياض طبال الذي كتب “الملكية الاردنية” التي ترافقنا في جميع رحلاتنا، فتحدث بإندفاع عن روعة الخط العربي وجماله وبهائه وأنا كالمسحور أستمع لشيء قديم في حياتي لكن بصورة حديثة ، غادرت المتحف وأنا أخاطب ذاتي وأقول لها: ” ما أروعك يا غازي، رعاك الله ايها المُبدع، ماذا فعلت بنا وكيف أخذتنا في جولة آليس في بلاد العجائب ..!!”، غادرت المتحف بجسدي وتركت روحي تتجول بين حقبات التاريخ لعاصمة المحبة التي شارفت على المئوية الأولى مصمماً على العودة من جديد لأشاهد روعة التاريخ مرة أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى