الغربة موجعة حين تكون قسرية… المخيمات في العراق سجن مسيّج بالفقر والحرمان… يشمون رائحة البلاد قبل عودتهم إليها

النشرة الدولية –

يزداد ألمها وتخلف حزنا عميقا في نفوس النازحين، هذا ما عاشه العراقيون حين فروا من بطش تنظيم داعش وقوانينه المنافية للحياة، لكن اليوم عاد إليهم الأمل مع استعداداتهم للعودة إلى ديارهم التي تركوها لسنوات.

لا يوجد أجمل من العودة إلى الديار، خاصة عندما تضطر إلى الهروب منها تحت وطأة سلاح أعمى بيد إرهابيين لا يبالون بقتل الأبرياء، كما يقول أبوعمر الجبوري، الذي يستعد للعودة إلى داره التي هجرها بسبب سيطرة تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش) على قريته عام 2014.

ولأول مرة منذ ست سنوات يستمع الجبوري لأغنية “عشك أخضر” للمطرب سعد الحلي، وهو مطرب عراقي معروف، وترتسم الابتسامة على وجهه للتعبير عن فرحته بعودته إلى قريته وبستانه الذي سيقوم بإعادة زراعته ليخضر من جديد.

فيما تقوم زوجته وبناته الثلاث بتنظيم أغراضهم الموجودة في الكرفان الأبيض الذي تبلغ مساحته 20 مترا والذي سكنوا فيه منذ نزوحهم عام 2014 هربا من بطش التنظيم المتطرف الذي اجتاح قريتهم الواقعة قرب المقدادية (40 كلم) شمال شرق بعقوبة، مركز محافظة ديالى شرقي العراق.

وكان التنظيم المتطرف يفرض أجندته الخاصة ويمنع كل مظاهر الفرح، ويمنع الاستماع للأغاني ويسلط على من يسمعها عقوبات شديدة، وهذا ما يفسر استماع الجبوري للأغاني، لأنه اطمأن بأن التنظيم ولّى ولن يعود. ويصف النازحون الحياة التي عاشوها في مخيمات النزوح بأنها قاسية جدا، وكأنهم عاشوا في سجن كبير.

وقال أبوعمر الجبوري، وهو أب لأربعة أولاد وثلاث بنات، لوكالة أنباء شينخوا “إن داعش اجتاح صيف 2014 قريتنا وبدأ بقتل كل من لا يبايعه”.

وأوضح أنه رفض أفكار التنظيم المتطرف وهرب مع أسرته تحت جنح الظلام خارج ريف المقدادية باتجاه خانقين (100 كم) شمال شرق بعقوبة لتبدأ رحلته مع النزوح التي استمرت أكثر من 6 سنوات. وأكد بحسرة وألم أن قراره كان باهظ الثمن فقد أحرق التنظيم منزله وبستانه وقتل أحد أشقائه.

وأشار الجبوري إلى أنه عاش البؤس والفقر المدقع خلال فترة وجوده في مخيمات الوند للنازحين قرب خانقين التي كانت بالنسبة إليه “بمثابة مقبرة للأحياء” رغم اهتمام إدارتها ولكنها تبقى سجنا كبيرا خاصة في البداية بسبب التشديد الأمني.

وأضاف أن الأفراح بدأت تدب في مخيمات الوند بعد فترة مؤلمة بانتظار الفرج، خصوصا مع تنظيم وجبات العودة إلى الديار، ثم تسقط دموعه ويسكت للحظات ويقول “ليس هناك أجمل من الوطن”، في إشارة إلى منزله.

أما عبير العزاوي، وهي ربة بيت قتل زوجها على أيدي التنظيم المتطرف وتسكن مخيم الوند مع أطفالها الأربعة الذين تركوا الدراسة بسبب النزوح، فقالت “لم أصدق أن أمل العودة جاء بعد ست سنوات” وتردد عبارة “استجاب الله لدعائنا أخيرا”، ثم تبكي بحرقة.

ووصفت العزاوي العيش في المخيمات بأنه صعب وقاس جدا قائلة “عمري الآن 40 سنة ولكن أحس بأني في الستين من العمر بسبب القهر والتعب والحزن”.

وقال علي غازي آغا مدير دائرة الهجرة في خانقين “إن عدد العائلات في مخيمات الوند (الوند1 – الوند2) يبلغ أكثر من 900 عائلة نازحة عاد منها خلال شهر أغسطس الجاري ما يقارب الـ20 في المئة ونأمل في عودة المزيد في الوجبات القادمة وصولا إلى مرحلة إغلاق هذا الملف الذي يمثل بعدا إنسانيا”.

وأضاف غازي أن” السبب الرئيسي في تأخر عودة الأغلبية من النازحين يتعلق بالتعويضات المالية كون منازل أغلبهم دمرت أو احترقت خلال فترة اجتياح داعش لقراهم ومناطقهم، بالإضافة إلى وجود أسر لا يمكنها العودة بسبب إشكالات عشائرية خلقتها فترة الاضطرابات الأمنية”.

ويؤكد المسؤولون في محافظة ديالى أنهم عازمون على إنهاء ملف النازحين وتسهيل عودتهم إلى مناطقهم بعد أن استقر الوضع الأمني في المحافظة.

كما خرجنا عدنا بصرّة ثياب كما خرجنا عدنا بصرّة ثياب

وأكد الناطق باسم محور ديالى للحشد الشعبي صادق الحسيني أن أكثر من 1800 أسرة عادت إلى منازلها في مناطق متفرقة من المحافظة خلال أغسطس الجاري، بينها أسر كانت تعيش في مخيمات الوند للنازحين قرب خانقين.

وأضاف الحسيني أن “الحشد الشعبي دعَم بقوة إنهاء ملف النازحين وساهم في توفير الدعم الخدمي للكثير من المناطق بالإضافة إلى الإجراءات الوقائية والأمنية لتسريع وتيرة العودة وإنهاء ملفهم الإنساني”. وقال عضو البرلمان العراقي عن محافظة ديالى عبد الخالق العزاوي “هناك جهود حكومية داعمة لحسم ملف النزوح القسري في ديالى خلال الأشهر القادمة وإنهاء ملفهم (ملف النازحين) المستمر منذ ست سنوات رغم أن ديالى أول محافظة أعلنت انتصارها على تنظيم داعش في بداية 2015”.

وتابع “إن عودة النازحين ستبقى مستمرة ضمن وجبات متتالية بعد إكمال التدقيق الأمني لملفات كل الأسر قبل إعطاء الضوء الأخضر”، مؤكدا أن عودة النازحين ضرورة أمنية لمسك قراهم ومنع تحولها إلى بؤر للجماعات المتطرفة. ويبرّر المراقبون تأخر إنهاء ملف النازحين مدة طويلة وعدم عودتهم إلى منازلهم بالصراعات والأجندات السياسية.

وقال المحلل السياسي إحسان علي الشمري “إن ملف النازحين في ديالى تحول للأسف إلى دائرة الصراعات والأجندة السياسية وهذا ما سبب تأخر حسمه رغم أن ديالى تم تحرير كل مناطقها منذ مطلع عام 2015”.

وأضاف الشمري أن “قرب الانتخابات ساهم في تقريب وجهات النظر بين القوى المتنفذة ودفع إلى إعطاء الضوء الأخضر لعودة الأسر النازحة”. وتابع “إن النازحين كانوا لسنوات ورقة بيد بعض القوى السياسية وكل ما يقال عن الأسباب الأخرى ومنها الأمنية غير حقيقية، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان للأسف”.

وتسبب اجتياح التنظيم المتطرف لمدن وقرى كثيرة في ديالى صيف 2014 في نزوح قرابة 80 ألف أسرة أغلبيتها توجهت إلى مخيمات أنشئت على وجه السرعة في خانقين، وقد عاد الجزء الأكبر منها بعد عام 2016، إلا أن الآلاف من النازحين ما زالوا يعيشون حالة النزوح القسري لأسباب متعددة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى