“ابنة عمه” سرد واقعي يحاكي مشكلة إجتماعية… راسم الحديثي يغوص في أدق التفاصيل اليومية

النشرة الدولية –

هكذا قال “غادرها الزمان”، وهو يغوص في أدق التفاصيل اليومية، وكأنه طبيب نفسي يغوص في ثنايا أفكارها التي رسمها عبر خريطة شعرية، لما لا، فهو روائي وقاص وله تجارب عديدة في هذا المضمار و”الحديثي” يشتغل على أدوات مختلفة من خلال مشغله الأدبي “السردي” كي يحفز القارئ .

وكل قصصه التي كتبها في فترات سابقة تعالج فيها الدواخل النفس البشرية التي أجّجت  بداخله هذا الرصد اليومي والواقعي، وكأنه يحمل كاميرته الشخصية ويرسم بها لقطاته المتنوعة، ومنها “اللعبة السحرية”، “الصخرة السوداء”، “حظي العاثر”، “مزار فاطمة”، “دليل عذريتي”، منيرة والجن”، كلها  باقية في ذهنية الآخر المتابع له .

“هدد والدها بالتهجير أو القتل”، وهو يرسم بحروف كلماته كل ما يجده معيبا في مجتمعه من عادات وتقاليد معيبة في واقعه المؤلم، حيث نسج قصصه عبر لغة سهلة واضحة للقارئ المتابع لهذا الكاتب الذي كتب الرواية والقصة القصيرة .

” هناك تحلم بغلامها الموعود كما تخيلته “. فهو متخصص في المشاهد الداخلية من الحياة  العامة للفرد العربي عموما والعراقي خصوصا، فهذا القاص يعطي المساحة التأملية لكل من يقرأ منجزه القصصي أو الروائي. وكما هو معروف أن علاقة الأدب بالمجتمع هي بالذات تشمل علاقة الأديب بمجتمعه ووعيه بما يجري حوله، وكشفه ما يخص المجتمع وما يخفى على الآخرين، ومن المعروف أن الأدب الحي الذي ينبع من المجتمع ويصب فيه صورة  حية له، وهناك قول يقول “النفس بحاجة إلى رخاء في غذائها الفكري والعاطفي كحاجة الجسم إلى شيء من النعيم في حياته المادية، وحتى أن أغلب المشتغلين في حقول المعرفة يقولون إن الأدباء والفنانين يجلبون هذه الحقيقة، ويقدمون هذه الوجبة الغنية للمجتمع .

قصة “ابنة عمه” حركت فينا مشكلة الأعراف والتقاليد القديمة والبالية، ومن المفترض ونحن في القرن الواحد والعشرين أن نتجاوز مثل هذه الحالات السيئة في المجتمع الذي يتراجع إلى الوراء بفضل القبلية والتعصب المذهبي

 

“وأسهبت بتصفح كتابها المقدس”. وحتى لا يغيب عن بالنا أن هذه القصص التي كتبها الحديثي، لها دلالات واضحة من خلال مسها للواقع وتشخيص سلبياته لخلق الوعي لدى الناس التقاليد البالية، عبر رسم صورة مستقبلية لأمور واقعية غائبة عن الأفراد أو لا يمتلكها هؤلاء الأفراد، حتى أنه عرف اللعبة القصصية عبر قراءة مستمرة ووضعها نصب عينيه والتي هي تحدد مسار أي مختص بهذا المجال واشتغل عليها مثل صياد ماهر بحكمة ودراية الأمر الذي ساعده على إنتقاء الأحداث، الشخوص، الزمان، والمكان، والسرد، وهذا الطرح الفكري والمعرفي في عالم السرد الذي انطلق منه من خلال نسيجه الواقعي الممزوج بالخيال الواسع وهو يصور ما يدور حوله من أحداث واقعية معلومة زمانيا ومكانيا ويمثلها أشخاص واقعيون، وقصصه القصيرة والمعبرة، كما في “ابنة عمه” وغيرها من القصص ومن المؤمل نشرها في مطبوع جديد سيكون بمتناول يدي القارئ قريبا، هي بمثابة دروس معرفية هدفها أو الغاية من كتابتها لتحقيق الفائدة من خلال طرح المشكلات التي تواجه المجتمعات العربية، وهو  بالتالي يطرح علينا العديد من التساؤلات لإيجاد واقتراح الحلول لها، كما تكشف أحداث قصصه عن أمور دقيقة ومؤثرة في واقعنا لذلك يهتم بها القارئ .

” حتى قيدها بحبال وسلاسل ليفض بكارتها”. يقول عنه د جمال السامرائي “يحاكي القاص والروائي راسم الحديثي معاناة الإنسان في زنازين القهر، وأي إنسان من المفكرين، والمناضلين والكتاب والعسكريين، كانوا كبارا في ميدان الحقيقة الصامتة، ولهم صولات في الصراع من أجل تقويم المسالك الخاطئة، يحقق للقارئ فضاءات كثيرة في قصصه ومنها “المتعة” من خلال طريقة بنائها وتسلسل أحداثها، وهو كذلك يصور لنا مجريات قصصه عبر سرد أحداثها ورسم شخصياتها، بالاضافة إلى شد انتباه القارئ، وحتى نقول ومن خلال هذه المقالة إن القصة في اللغة هي عبارة عن حكاية مكتوبة مستمدة من الواقع أو الخيال أو من الاثنين معا، وتكون مبنية على أسس معينة من الفن الأدبي. يمكن القول إن الحديثي تبنى أسلوبا حاول من خلاله نسج مستوى لغوي يجمع البساطة والبلاغة كي لا يسقط في فخ اللغة التقريرية المملة، واعتمد على عنصر المفاجأة في وضع نهايات تلك القصص واستخدم أسلوب تكثيف الأحداث بعيدا عن الترهل والاستطراد الحواري الذي تارة بلسان الراوي، وتارة أخرى على لسان الشخصيات. القصص التي تحدثت عنها في سياق هذا العرض تمثل رسائل حاسمة وبليغة لأفراد المجتمع للتخلي عن قيود التخلف .

“اختارت الموت بديلا عنه، فكلما ازداد إصراره، عظم عنادها “. وقصصه لها وقع خاص على النفس البشرية حيث يكتبها – وأعني قصصه القصيرة – بسرديات مستلهمة من الواقع، وهذا ما نجده واضحا في قصته المعنونة “ابنة عمه” التي حركت فينا مشكلة الأعراف والتقاليد القديمة والبالية، ومن المفترض ونحن في القرن الواحد والعشرين أن نتجاوز مثل هذه الحالات السيئة في المجتمع الذي يتراجع إلى الوراء بفضل القبلية والتعصب المذهبي، أو ما شابه ذلك. وهي بالحقيقة مثل هذه القصص المؤلمة هو الظلم بعينه .

” تحلم بغلامها الموعود كما تخيلته “.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى