الكرامة الضائعة في عصور الإنحطاط!* صالح الراشد

النشرة الدولية –

تراجعت وربما قُتلت الكرامة العربية في ظل الإنحطاط الذي تعيشه الأمة، حيث تُنتهك حريات الشعوب من المحيط إلى الخليج، فالفكر ممنوع ولا يحق لنا أن نتطور أو نعمل كما قال أحدهم “ليس لهذا خُلقنا”، فيما الرأي تلقين جاهز من قنوات الرذيلة السياسية والتي توزعت بين الأخوة المتحاربين، ولا يجوز لأبناء هذه القنوات الخروج عن رأيها وإلا أصبحوا مرتدين، وتكون الكارثة إذا ما قرر أي منهم البحث عن كرامته في أروقة الدول “البوليسية”، فعندها ستُراق كرامته على جميع المعابر وفي جميع “المخافر”، وسيجد نفسه ذليلاً خانعاً أمام القضاء بتهم لا يستطيع معرفتها أو إحصائها كون المطلوب إخصاء كل من يملك الكرامة.

 

وهنا قد يضعف البعض وينهار ليصبح هؤلاء عبيداً أذلاء يسابقون الوقت من أجل إرضاء سيدهم الذي لا يشبع من تملق العبيد، بل لقد أصبحت العبودية في العصر الحديث أكثر شموليةً من عصور الجاهلية وحتى من عصر “الجذور” في الولايات المتحدة التي حررت العبيد بثورة مارتن لوثر كينغ، واستعبدت العالم الذي لم يجد نسخة عن لوثر كينج ينهض بهم ويحررهم من العبودية المطلقة، ليبقوا مطأطيء الرؤوس لا يرفعونها في حضرة السيد المطلق أو من ينوب عنه، والكارثة حين يريد العبد أن يصبح سيداً حيث يتضارب الأمرين كون الجمع بينهما مستحيل إلا إذا كانت العبودية لله وليس للبشر.

 

الكرامة يا سادة هي الصفة التي إذا ذهبت فلن تعود أبداً، فمن يخسرها يخسر نفسه ولن يكون قادراً على بناء شخصية إيجابية جديدة مهما فعل من جهود جبارة ومهما كثر وفاض المال لديه، فالكرامة كالروح إن خرجت من الجسد لا تعود إليه، ويصبح المكان الوحيد لفاقدها القبور فقط كون إكرام الميت دفنه،  وصدق جبران خليل جبران حين قال “حافظ على كرامتك حتى لو كلف الأمر أن تُصبح صديق جدران غرفتك”، فالعزلة أفضل من تملق الآخرين والإرتماء تحت اقدامهم والسير خلف فكرهم، لذا فالإنسان العاقل لا يتنازل عن مبادئه وكرامته مهما كلف الأمر .

 

فالكرامة تجعل الإنسان يسمو فوق تجار المواقف والمباديء والقيم، ولا تمنح هؤلاء التجار الفرصة ليتحكموا بمسيرة حياة الأنقياء، ويدرك الكثيرون ان كل أرض أكرمتك هي وطن، وكل أرض أهانتك هي غربة، فكم غريب في بلاد الأمة العربية التي إنتقلت من أمة وجادلهم باللتي هي أفضل إلى أمة القتل والدمار والديكتاتوريات المطلقة، بعد أن زرع الجهلاء في الأمة القيم السلبية في المجتمعات من الأنا المرضية والشهوانية  والحقد على المبدعين في شتى المجالات، ليقود هؤلاء مجتمعاتنا العربية صوب الهلاك على عكس المجتمعات التي نمت وتطورت حين نشرت ثقافة الأنا الإيجابية التي تصون المجتمع وتنشر قيم الإعتذار عند الخطأ والمحبة للجميع.

 

وعلى الأمة أن تسترد كرامتها المسلوبة قبل أن تضيع للأبد بتوحيد الصفوف وبناء المجتمعات بطريق إيجابية تقوم على العدالية الإجتماعية الشمولية، وعليها أن تعلو سوياً بفضل التكامل الإقتصادي والعسكري، وهما أمران إن تحققا فسنسود ونصبح قادة أصحاب رأي وفكر ومشورة وسنصبح متبوعين وليس تابعين، لكن هل تملك الأمة العربية الرغبة والقدرة على السير بهذا الإتجاه؟, أشك في ذلك بعد أن أصبحنا شيعاً وقبائل تُمزقنا الطائفية البغيضة والحدود المصطنعة والمصالح الدونية، لذا فقد إنضمت الكرامة إلى الغول والعنقاء والخل الوفي لتصبح من المستحيلات في عصور الإنحطاط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى