“قطبة مخفية” في تفجير بيروت* حازم الأمين
النشرة الدولية –
ثمة قطبية مخفية في تولي حزب الله حملة الدفاع عن الرئيس اللبناني ميشال عون وعن فريقه في قضية الانفجار الكبير الذي هز بيروت في الرابع من أغسطس الجاري، ذاك أن الحزب الذي حمله لبنانيون المسؤولية عن فساد الدولة الذي من المفترض أن يكون قد أفضى إلى إهمال خزن هذه الكميات الهائلة من نيترات الأمونيون في أحد عنابر المرفأ، كان بإمكانه أن يأخذ مسافة صمت على الأقل حيال دور حليفه ومتبوعه السياسي، أي ميشال عون وفريقه، في انتظار نتائج التحقيق.
لكن تولي أمين عام حزب الله حسن نصرالله بنفسه حملة صد اتهامات الشارع لعون بالمسؤولية عن التفجير، مع ما يترتب على هذا الدفاع من تعزيز لحقيقة أن حزب الله هو السلطة وهو الآمر الناهي في كل قراراتها، يعيدنا إلى مربع الاتهام الأول، وهو أن الحزب كان يستخدم المرفأ لنقل الأسلحة عبره، وأن عون كان يتولى تغطية هذه المهمة عبر نفوذ موظفين تابعين له هناك، وأن ما قاله نصرالله هو ما ينتظره منه حليفه في ظل عمليه تبادل الخدمات هذه!
من دون أن يكون لدى المرء معلومات حول هذه الفرضية، سيفضي به سؤاله عن سر مبادرة نصرالله والأكلاف التي ترتبها إلى هذا الاستنتاج. فالتحالف بين الجماعتين كان بإمكانه أن ينتظر بعض الوقت، ونصرالله يعرف جيداً صعوبة تسويق خطاب صد الهجوم على عون في ظل الكارثة التي خلفها انفجار بيروت. ولطالما لم يبادر العونيون لنجدة حزب الله خلال تعرضه لضائقة مشابهة.
فهم سبق أن تذمروا من سلاح الحزب، ومننوه بالضغوط التي يتعرضون لها بسبب وقوفهم إلى جانبه. المسألة لم تكن تحتاج إلى أكثر من بعض الانتظار. المسارعة لاحتضان عون في لحظة كهذه تدفع فعلاً إلى الشك. ثمة نواب عونيون مارسوا صمتاً حيال الهجوم على زعيمهم، وثمة ناشطون أعلنوا انشقاقهم. الدفاع عن عون في هذا الوقت عبئ كبير فعلاً، ذاك أن مسؤوليته عما جرى جلية في معظم مراحلها، وعلى رغم ذلك خرج نصرالله على اللبنانيين ملوحاً بإصبعه، ومتوعداً الطامحين للإطاحة برئيس الجمهورية.
الكارثة هائلة، وأكبر من أن تحيط بها فكرة أو صورة أو جولة أفق. مضى نحو أسبوعين على وقوعها، وما زلنا نستيقظ في الصباح على حقائق جديدة أحدثتها. حجم الدمار لا تتسع له مداركنا، ومن شطب التفجير وجوههم ومنازلهم يتزايدون يوماً بعد يوم. نصرالله يريد لهذه الفاجعة أن تكون شأناً عادياً يجب التعايش معه.
دعوته هذه، وان أدرجها في سياق العصبيات الأهلية، لا تبدو ممكنة لدى أقرب الناس من موقع الحزب، ممن هم في صلب عصبيته. فهؤلاء قبلوا دعوته عبر استدخالها إلى منطقة الاحتقان العصبي، ومن دون تمريرها عبر عقول تفصل الممكن عن غير الممكن. أما من هم أبعد قليلة عن دائرة العصبية المذهبية التي يحتمي خلفها نصرالله وحزبه، فقد أفضت دعوته بهم إلى مزيد من الغضب على عون وعلى سلطته وعلى صهره.
وهنا لا بد من العودة إلى السؤال الأول، لماذا أقحم نصرالله نفسه في هذه الضائقة؟ الشك في أن وراء ذلك قطبة مخفية تعززه الكثير من التساؤلات الموازية. لحزب الله نفوذ في كل مفاصل السلطة، والمرفأ نافذة رئيسية على الخارج، وإدارة المرفأ يتولاها حليف أساسي للحزب، فما الذي يمنع من استعماله في نقل السلاح. إسرائيل بدورها سبق أن نفذت عمليات كثيرة في لبنان وفي المنطقة من دون أن تكشف عن دورها فيها. في الأشهر الأخيرة فعلت ذلك في طهران نفسها، وتبادلت صمتاً رهيباً حول هذه العمليات مع السلطة هناك.
دفع نصرالله أثماناً كبيرة جراء مسارعته صد الهجوم على عون. خسر مزيداً من المصداقية في ظل مشهد واضح وجلي يكشف مسؤولية ميشال عون وعهده عن انفجار بيروت. ثبتت مقولة أنه مرشد الجمهورية، وأي جمهورية؟ جمهورية الفساد الذي تسبب بالكارثة. الاثمان التي دفعها الحزب تصبح منطقية في ضوء شكوكنا بأن ثمة ما كان يجري في مرفأ بيروت هو ما دفع نصرالله لأن يضع نفسه وحزبه في هذا المكان الضيق. أما المسارعة إلى رفض تحقيق دولي حول ما تسببت به هذه الكارثة فهو ما يعزز الشكوك، لا بل يجعلها احتمالاً وحيداً لتفسير ما جرى في مرفأ بيروت في الرابع من شهر أغسطس.