الأمثال الشعبية في الأغاني

زياد عساف

النشرة الدولية –

المثل الشعبي فن قائم بذاته لما يتضمنه من جوانب إبداعية كثيرة، فالصورة وما يكتنزها من خيال حاضرة دوماً في هذا المجال عدا عن القيمة الفكرية والإنسانية التي يتضمنها المثل في أغلب الأحوال، أما أكثر ما يربط مابين الفن والأمثال الشعبية ورود المثل بعبارة موزونة موسيقياً ما أوجد حالة من التأثير المتبادل مابين الغناء والمثل جعل الأخير حاضراً بقوة في العديد من الأغنيات ما ساهم بكل تأكيد بالحفاظ على خصوصية الهوية الثقافية والتراثية للأغنية العربية بالإتكاء على الموروث الشعبي من الأمثال تماشياً مع رأي المثل: ( من دقنه? قلِّيله) وبصورة أخرى (زيتنا في دقيقنا).

إبعد عن الشر وغنيله..

كل ما يتعلق في حياة الإنسان وعلى مر العصور كان ولا يزال حاضراً في الأمثال والحكم التي يتداولها الناس لغاية أيامنا هذه، ومن الطبيعي أن يكون الغناء مرجعاً لتأكيد مقولة أو حكمة ما عبر رأي أو وصف لموقف معين، وهذا ما تؤكده مجموعة من الأمثال ومن بينها: كلٌ يغني على ليلاه، لا تقول للمغني غني لايغني لحاله، عاشر المغني تغني، إبعد عن الشر وغنيله، بزمان الخيرما غنينا يا ليل، راحت غنَّتْ.. أجت غنَّتْ، إن شبعوا غنُّوا.. إن جاعوا غنُّوا، ووين كنت أيام الحصايد؟.. كنت اغني قصايد !.

الاّلات الموسيقية المصاحبة للغناء تم الإستشهاد بها في أمثالنا الشعبية أيضاً ومنها: طلع من بيت الطبال مزمر، ما يطلع من دار المطبلين غير المزمرين، طبِّلي تا زمِّرلك، إبن الطبال زمارة، زمَّار الحي لا يُطرب وزمَّرْ بنيَّكْ.

الرقص كأحد عناصر الفنون جاء في مجموعة أمثال وهذه بعضها: أول الرقص حنجلة، بلا دف عم نرقص، زي اللي رقصت ع السلم..لا اللي فوق شافوها ولا اللي تحت سمعوها.

الغاوي ينقَّطْ بطاقيته..

هذا فيما يتعلق بتوظيف المثل الشعبي للغناء ودلالاته لأيصال الحكمة أو العبرة للمتلقي، إلا أنه وعلى الجانب المقابل جاء حضور الأمثال الشعبية في الأغاني بصورة أكبر وفي الوقت نفسه عكس الواقع الإجتماعي والنفسي والثقافي للمجتمعات العربية، ومنها ما جاء المثل كعنوان مباشر للأغنية نذكر منها ومن مصر :، (أبوها راضي وانا راضي.. ومالك انت ومالنا يا قاضي) صالح عبد الحي، (من القلب للقلب رسول) ليلى مراد، (صدق وحبك مين يقول.. من القلب للقلب رسول) أم كلثوم، (والله يا طير وبقالك ريش) شادية، (دامت لمين) محمد رشدي، (ادي ا?عيش لخبَّازه) ثريا حلمي، (مايجيش من الغرب موضة تسر القلب) سيد الملاح، (داري على شمعتك) محمد عبد المطلب، (الغايب حجته معاه) عماد عبد الحليم، (الغاوي ينقَّطْ بطاقيته) مثل قديم تغنت به المطربة صباح في أغنية تحمل العنوان ذاته بفيلم (جوز مراتي) 1961 مع الفنان فريد شوقي، وهذا المثل يؤكد حالة الترابط ما بين المثل الشعبي والأغنية، ويشير ل (الغاوي) والعاشق لسماع الأغاني في الأفراح والأعراس، ولايملك النقوط الذي يجب أن يقدمه للمغني كما هو متبع بهذه الحالات، ولا يجد أمامه سوى تقديم الطاقية التي يغطي بها رأسه ولايملك غيرها.

على هامان يا فرعون..

تميزت لبنان بمجموعة من كتاب الأغنية الشعبية ممن جعلوا المثل الشعبي حاضراً بقوة في أعمال غنائية عديدة والغاية من ذلك جعل هوية خاصة للأغنية اللبنانية بعد أن لاحظوا تقليد العديد من المغنيين للأغنية المصرية في أوائل الخمسينيات ومن هنا تصدرت الأمثال الشعبية عناوين مجموعة من الأغنيات مثل:(وعدتني بالحلق.. وعدت انا وداني) دلال الشمالي، (يا بيتي يا بويتاتي.. يا مستِّر لي عويباتي) صباح، (قال المثل يابو فارس.. أقعد أعوج واحكي جالس) فريال كريم، (زعلت حليمة راضينا حليمة.. رجعت حليمه لعادتها القديمة) نصري شمس الدين، (?ل نزلة قبالها طلعة.. كل فرحةقبالها دمعة) وديع الصافي، (ضربني وبكى سبقني واشتكى) سميرة توفيق، (خلي العسل بجراره.. لتغلى أسعاره) سمورة، (جبل مع جبل مابيلتقوا) مروان محفوظ، (دق المي وهي مي) أمل حجازي، (لا تلعب بالنار.. بتحرق اصابيعك) راغب علامة، (ياما تحت السواهي دواهي.. وياما خلف المراعي في ذياب) نجوى كرم، وغنت المطربة طروب (على هامان يا فرعون) وهو المثل الشهير المرتبط في حكاية تتعلق بفرعون مصر في عهد النبي موسى ووزيره هامان الذي يعرف كل خباياه وألاعيبه، ومنها عندما ادعى فرعون الألوهية وقرر في أحد الأي?م بأن يتفرغ لخلق الإبل ومنع من مقابلته أي كان لانشغاله بهذا الإدعاء، وعندما أراد هامان الدخول عليه قال له حاجبه: إنه مشغول بخلق الإبل، وهنا قال هامان عبارته الشهيرة: (على هامان يا فرعون)، وأصبحت مثلاً يتردد على لسان العامة لغاية الاّن.

حارة السقايين..

لا يخفى على المتتبع للأمثال الشعبية إلى أي مدى ساهمت الأغنية بالحفاظ على هذه الأمثال من الإندثار، خاصة عندما تكون بصوت مطرب أو مطربة لهم محبة وتقدير في وجدان الناس على امتداد الوطن العربي، ولم يقتصر حضور المثل الشعبي كعنوان للأغنية كما سبق، وإنما جاء المثل ضمن سياق الأغنية أيضاً ولعل في مقدمة هذه الأمثال (جاي تبيع الميَّة في حارة السقايين) وغنتها شريفة فاضل في أجمل أغنية لها معاودة التأكيد على الترابط مابين المثل والغناء (ان كنت جاي تغني روح اسأل قبل انا مين.. ما تروحش تبيع الميَّة في حارة السقايين).

أهل السماح ملاح..

ضمن هذا السياق ومن أغنية دقوا المزاهر استعاد فريد الأطرش المثل المعروف (عين الحسود فيها عود يا حلاوة.. عريس قمر وعروسته نقاوة)، أهل السماح ملاح مثل يستعيده محمد قنديل ضمن أغنيته الشهيرة سماح (أصل السماح طبع الملاح.. يا بخت مين سامح)، الدنيا وفا ودين حكمة يوجهها فهد بلان للسائق عندما لم يكن في جيبة نقود (يا شفير المثل قال الدنيا وفا ودين.. لاتزعل لو دينك طال بندفعلك بعدين)، (اللي تلسع م الشوربه بينفخ في الزبادي) مثل شعبي مصري عريق يعبر عن حال محمد العزبي وهو يحذر من الوقوع في الحب: (سيبك م الحب يا صاحبي ?اترك الناحية دي.. واسألني عليه أنا يا ما بوست أيادي.. ده ياما ح يشغلك ع المليان وع الفاضي.. صدق المثل اللي قالوه أجدادك وأجدادي.. إللي اتلسع م الشوربه بينفخ في الزبادي)، وفي هذا الموال توظف صباح المثل الشامي العتيق كرمال عين تكرم مرج عيون :

«كل العيون بحبها بالمختصر

زُرق.. سود..لافرق عندي ولا نَظَرْ

لا تغضبي ان حبيت غير عينك عيون

كرمال عينك تكرم عيون البشر».

اللي ما يطول العنب..

وهذا ما ينطبق على أغنيات كثيرة ومنها على سبيل المثال (اللي ما يطول العنب.. حامض عنه يقول) للمطربة الإماراتية أحلام، (مدام بتجري ورا الحلوين.. ما فيش حلاوة من غير نار) صباح، (قال المثل كلمة يا مين يسمعها.. النار ما تحرق يا عيني إلا بموضعها) هيام يونس، (مولد وصاحبه غايب) احمد عدوية، (صدق المثل القايل ان العود المايل.. عمره في يوم ماهو شايل على اغصانه ثمار) عمرو دياب، ومن الكويت عبدالله رويشد: صدق راعي المثل اللي قال: دروب الحب ذله في مذله..سهر وهموم وضيقة بال..وشوف الخل اللي محبوبه وخله).

اللي باعنا خسر دلعنا..

بعض الأغنيات هي في حد ذاتها بمثابة تعبير غير مباشر عن أمثلة شعبية شهيرة، فمثلاً ومن وحي المثل الشعبي اللي بيحب الورد يتحمل شوكه غنى محمد عبد الوهاب (علشان الشوك اللي في الورد بحب الورد)، المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين، يغنيه فريد الأطرش (على جبين هواك مكتوب.. ومين يهرب من المكتوب)، تيجي تصيده يصيدك مثل شعبي من عالم الصيد يستعيده محمد رشدي بأغنية عدوية (صياد ورحت اصطاد صادوني)، يا مأمنه للرجال يا مأمنه للمي بالغربال وجاء بصورة أخرى بصوت صباح (الله يقصف عمر الحب.. وعُمر اللي بتصدق رجِّالْ)، ضاع ال?سك في سوق البصل يتماهى هذا المثل مع محرم فؤاد في أغنية كله ماشي (رخَّصتي يا دنيا الغالي.. غلَّيتي اللي ما يسواشي)، (ما بتعرف خيري.. لاتجرب غيري) يتوافق مع أحدث أغنيات راغب علامة (اللي با عنا خسر دلعنا).

وسط حالة التأثير والتأثر بين الغناء والأمثال الشعبية برزت ظاهرة جميلة إن بعض مقاطع الأغنيات الشهيرة أصبحت مدرجة ضمن الأمثال التي يرددها الناس في جلساتهم لتدعيم وجهة نظر أو موقف أو نفي لفكرة ما ومنها: (وعايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يا زمان) و(القلب يعشق كل جميل) و(للصبر حدود) لأم كلثوم، (اتقل ع اللي بيتقل) فريد الأطرش، (ايام اللولو) صباح ومن تراث الغناء الشامي (نارك ولا جنة هلي).

جبنا الأقرع تا يشجعنا..

يندرج ما سبق ضمن الصورة الإيجابية للأمثال الشعبية المغناة، وفي الوقت نفسه توجد صور سلبية كثيرة بهذا المجال كالتهكم على الشكل الخارجي للناس وبصوت مطربين ومطربات يمتازون بشعبية كبيرة في البلاد العربية وكأنهم بذلك يروجون ويشجعون على هذا السلوك الغير مستحب، و(الأقرع) لم يسلم من هذا التجني كأغنية سلوى قطريب (يا أستاذ الأبجدية) من مسرحية بنت الجبل وهي تستعيد المثل الخاص ب (القرعان): جبنا الأقرع تايشجعنا.. كشَّف ع القرعة وفزَّعنا.

ومن الصور السلبية الأخرى بهذا الجانب الإمتهان الواضح للمرأة وتمييز الأولاد عن البنات مثل أغنية المطرب الأردني مالك ماضي (لو عندي ولد.. لاعمِّرْ بلد)، وكثيرة هي الأمثال الشعبية التي تنتقص من المرأة وكانت فاتحة للشهية ليتغنى بها مجموعة من المطربين، ومن هذه الأعمال: (من مرا لمرا.. عم نرجع لورا) لجوزيف صقر، (خطبوها تعززت.. وفاتوها تندمت) اسماعيل ياسين، (الجرة قلبتها على فمها.. ما طلعتش ليا طلعت لامها) أداء سمير غانم بفيلم (حسن بيه الغلبان) إنتاج 1982.

ضرب الحبيب زبيب..

» ضرب الحبيب زبيب » مثل شعبي شهير في ظاهره غزل بالمرأة إلا أن مضمونه يشجع على ضرب المرأة وكما هو واضح فالمعتدي هو الرجل، والمرأة معتدى عليها بطبيعة الحال، والإدانة الأكبر أن تروِّج المرأة لضرب بنات جيلها وتتغنى بهذا المثل عبر فيديو كليب مكلف مادياً ورخيصاً بمضمونه وبصوت مغنية اسمها ريتا حلبي وبهذه الكلمات التي لا تحتاج لتعليق:

«بيقرصني بيضربني بخجل

هيدا إسمه هبوب الغزل

على قلبي زي العسل

ضرب الحبيب زبيب !».