الصراع بين التيار المدني والإسلامي أعاق إقرار قانون العنف الأسري في العراق
النشرة الدولية –
أعادت قضية ملاك الزبيدي، الجدل حول أهمية تشريع قانونٍ للحد من العنف الأسري في العراق. وتُوفِّيت الزبيدي في أبريل (نيسان) الماضي، متأثرةً بحروقها الشديدة بعدما أقدمت على حرق نفسها، بسبب عنفٍ أسريٍّ متواصلٍ من زوجها وعائلته.
دفعت هذه الحادثة عديداً من النشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمطالبة بضرورة الإسراع بتشريع قانون للحد من العنف الأسري، إذ إن قضية الزبيدي لم تكن القضية الأخيرة بل تبعتها حالات لم تختلف قسوتها وعنفها عن حالة ملاك.
في المقابل، يرى مختصون أن اتساع حالات العنف الأسري، سببه الحظر الذي فرضته جائحة كورونا، وما خلَّفته من مشاكل اقتصادية ألقت بتأثيراتها على العلاقات الأسرية وخلقت أجواءً من التوتر داخل الأسر.
أمام المطالبات المستمرة بتشريع قانون العنف الأسري، صوّت مجلس الوزراء في الرابع من أغسطس (آب) الجاري، على مسوَّدة مشروع قانون الحماية من العنف الأسري، ومن المقرر رفعه إلى رئاسة مجلس النواب، وإدراجه في جدول أعمال الجلسات، والتصويت لتشريعه وإقراره.
في المقابل، توضح عضو مجلس النواب انتصار الجبوري، أنها ليست المرة الأولى التي يُناقَش فيها القانون، بل شهدت الدورات البرلمانية السابقة مناقشته، ووصل لمرحلة التصويت، لكن لم يُصوَّت عليه بسبب الكتل البرلمانية الرافضة له.
وترى الجبوري في حديث لـ”اندبندنت عربية”، أن هذا القانون في حال إقراره سيحد من نسبة العنف، لأنه يعمل على معاقبة مرتكبيه وحماية الضحـية.
أما الناشطة النسوية حفصة عامر، فلا تستبعد عدم إقرار هذا القانون على الرغم من تنامي ظاهرة العنف الأسري.
وتوضح في حديث لـ”اندبندنت عربية”، أن هذا القانون يواجه عديداً من العراقيل حتى قبل تشريعه “بسبب بيئة العراق العشائرية المحافظة التي تُعَدّ المسبّب الأول للعنف ضد النساء والأطفال”.
وتضيف حفصة عامر، أن القانون بالرغم من أهميته لمواجهة العنف، “لكن هناك بعض المواد لا تلبي الطموح، وأن تقاليد المجتمع ستعيق إقراره”.
وتوضح أن الموروث الثقافي هو الذي يعطي الرجل السلطة المطلقة للتحكم بمقدّرات الأسرة وحياة أفرادها، بل قد نجد هناك من يبرر العنف، وغالباً ما يكون العنف محميّاً بحجة الخصوصية.
في سياق متصل، ترى الباحثة الاجتماعية المهتمة بقضايا المرأة والطفل بان ليلى، أن مسودة قانون العنف الأسري التي ستناقش في البرلمان، لم تتطرق لجرائم الشرف التي تعتقد أن إنهاءها يُعَدّ من الأولويات لإنهاء العنف ضد النساء بشكل عام.
وتقول لـ”اندبندنت عربية”، إن القانون العراقي يعطي الحق لارتكاب العنف تحت ذريعة “حق التأديب”، إذ ينص قانون العقوبات العراقي في المادة 41 أن “لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحقٍ مقرَّر بمقتضى القانون، ويعتبر استعمالاً للحق، ومنها تأديب الزوج لزوجته، وتأديب الآباء، والمعلمين، ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرَّر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً”.
تعتقد ليلى أن وجود هكذا نصوص تسهم في تصاعد العنف، أو عدم الإبلاغ عنه لغياب القانون الصريح الذي يردع المتسبب بالعنف.
وتوضح “أن كثيرات لديهن الرغبة في الإبلاغ عن العنف، لكن يمتنعن بسبب ضعف القانون، الذي يقف عاجزاً عن الحماية بذريعة أنها خلافات عائلية”.
في المقابل، يشير القانوني علي التميمي إلى أن القانون بشكله الحالي يفتح الباب أمام مشاكل أخرى.
ويوضح أن المادة الثامنة من مشروع هذا القانون” أجازت تحريك الشكوى لكل من علم بوقوعها”.
ويرى التميمي في حديث لـ”اندبندنت عربية”، أن هذا النص سيفتح باب البلاغات على مصراعيه لأسباب قد تكون غير حقيقية، ومرتبطة بخلافات، لا سيما أن القانون أجاز الإبلاغ مع الحفاظ على سرية المُبلِّغ، معتبراً أن نصاً كهذا قد يكون وسيلة لتصفية الحسابات.
ويضيف التميمي أن القانون لم يراعِ عادات وتقاليد المجتمع، إذ تفيد المادة 11 “منع من يُخشى منه ارتكاب العنف الأسري من دخول الدار لمدة ٤٨ ساعة قابلة للتجديد لحماية طالب الحماية”.
ويرى التميمي صعوبةً في تطبيق هكذا قانون، لأن البلد تحكمه التقاليد كما “أن منع الدخول على النوايا والظنون لاوجودَ قانونيٌ له، لأن القانون يحكم على الركن المعنوي والمادي، وليس على النوايا”.
من جهة ثانية، يقول التميمي، إن القانون المرتقب لم ينص على الجرائم التي نص عليها قانون العقوبات العراقي، منها الإيذاء والعاهة، ولم يوضح نوع العقوبات بحق هذه الجرائم حال حدوثها، كما أن مشروع القانون لم يركز على الجوانب النفسية والاجتماعية لأسباب ارتكاب جرائم العنف الأسري. ولم ينص على إنشاء مراكز تختص لعلاج الحالات النفسية، التي كانت سبباً للعنف.
في سياق متصل، يوضح المحامي سرمد المعاضيدي، أن هناك أصواتاً رافضةً للقانون حتى قبل طرح بنوده للعلن، وهم يرون أن إقرار القانون لا يتماشى مع ثوابت الدين الإسلامي بحسب وجهة نظرهم.
ويقول في حديث لـ”اندبندنت عربية”، “يجب علينا أولاً معرفة ما جاء من نصوص في مشروع هذا القانون، ومن ثم عمل دراسة مقارنه بين القانون المدني والشريعة الإسلامية للخروج بنتائج وتوصيات تذلل العقبات أمام إقراره”.
غالباً ما تجابه قوانين الأحوال المدنية والقوانين، التي تتعلق بالأسرة بالرفض من قبل التيارات الإسلامية، التي ترى أن إقرار هكذا قوانين سيفكك الأسرة العراقية، وأنها تتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي.
وجابت شوارع بغداد في 16 أغسطس (آب) الجاري، مسيرات عارضت مشروع القانون بغالبية بنوده، ورعت المسيرات أحزاب إسلامية رفعت شعارات ضد القانون.
ويعتقد الرافضون لمشروع القانون أن المادة 14 تفاقم المشاكل الأسرية، وقد ترفع معدلات الطلاق، كونها تعطي الحق لمدير دار الإيواء الاستعانة بالشيوخ والأقارب والوجهاء ومختصين بعلم النفس والاجتماع لحل المشكل الأسرية، ويرون أن هذه المادة ستعقد المشاكل بدلاً من حلها.
أما الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك قائلاً في تصرحيات صحافية له، إن “مشروع القانون يهدف إلى ضرب الأسرة العراقية وتفكيك قيم المجتمع”، موجهاً اتهاماته للسفارة الأميركية، التي تسعى لضرب الهوية العراقية عبر هذه القوانين.
ويرى أن “مراكز الإيواء ليست بالضرورة ستكون تحت إشراف الحكومة، بل من الممكن أن ترعاها منظمات المجتمع المدني، وأن قسماً كبيراً منها تحت رعاية مؤسسات أميركية وسفارة الولايات المتحدة في بغداد.
عالجت القوانين العراقية موضوع حماية الأسرة في قوانين متفرقة منها قانون العقوبات، ورعاية القاصرين، ورعاية الأحداث، والأحوال الشخصية، ويرى حقوقيون أن هذه القوانين المبعثرة، هي من أفضل القوانين، لكن تحتاج إلى صياغة جديدة ليظهر لنا قانون يحمي الأسرة بشكل أفضل من مسودة القانون المطروحة حالياً.
يبدو أن الطريق طويل أمام إقرار هذا القانون والجدل قائم والعنف المنزلي مستمر. وقد نشهد مجدداً ظاهرة الأب الذي أحرق أبناءه بعد مشاكل عائلية، والأم التي أغرقت أبناءها في خزان للمياه.