إيران_عُمان..وبينهما إسرائيل* حسن فحص
النشرة الدولية –
قرار سلطان عُمان هيثم بن طارق آل سعيد باعفاء يوسف بن علوي من المنصب الذي شغله لاكثر من 23 سنة على رأس وزارة الدولة للشؤون الخارجية وتكليف سعید بدر بن حمد البوسعیدی بديلاً عنه، قد يكون قرارا طبيعيا في سياق اي تغيير يحدث في رأس السلطة ويتطلب من السلطان الجديد ان يأتي بفريق عمله الخاص الذي ينسجم مع رؤيته في تحديث الادارة وتشبيبها(من شباب). الا ان هذا القرار جاء في مرحلة حساسة وكثيرة التعقيد في المنطقة عموما، وفي المحيط الحيوي لسلطنة عمان تحديدا والدور الوسطي الذي تضطلع به وساعدها في العقود الاخيرة على نزع الكثير من الالغام التي كادت ان تشكل تهديداً مباشراً لامن واستقرار منطقة الخليج والشرق الاوسط.
ولعل الجار الايراني على الجانب الاخر لمياه الخليج، هو الطرف الاكثر قلقا وترقبا للنتائج والتداعيات التي قد تترافق مع هذا التغيير، على الرغم من حالة الارتياح التي تولدت لدى القيادة الايرانية مما جاء في الخطاب الذي القاه السلطان بعد توليه العرش واكد فيه على “استمرار تعاون بلاده مع الامم المتحدة لاقامة السلام والحفاظ على الامن الدولي، واستمرار علاقات الصداقة مع جميع الدول، وان السياسة الخارجية لعمان ستكون استمرارا لسياسة عهد السلطان قابوس وتقوم على اساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورعاية حسن الجوار”. الا ان هذا التغيير قد يحمل نوعا من المواقف العمانية الجديدة التي قد تؤثر بالرهانات الايرانية على الدور الوسطي لعمان في ملفات اقليمية ودولية سبق لها ان لعبت دورا فاعلا وبارزا فيها، وساعدت ايران والمنطقة والدبلوماسية الدولية على تجاوز الكثير من المطبات والالغام والتوترات.
وقد لعبت عمان دورا بارزا ومحوريا في الازمات التي واجهتها ايران بعد انتصار الثورة، خصوصا في العقدين الاخيرين. وتحولت العلاقات الدبلوماسية التي أقيمت بين الطرفين في ايلول سبتمبر 1971 وتبادل السفراء في السنة التالية، من حاجة عمانية بعد أحداث ظفار، الى حاجة ايرانية بسبب تداعيات حرب الخليج والاشتباك العسكري والسياسي والاقتصادي مع الولايات المتحدة الامريكية، الامر الذي سمح لها بلعب دور الوسيط بين طهران وبغداد في الحرب التي قامت بينهما واستضافت الطرفين على طاولة حوار وتفاوض لانهائها. ثم لعبت دورا في اعادة الجنود الايرانيين الذين اسرتهم القوات الامريكية في المعركة التي دارت في مياه الخليج بين البحرية الامريكية والزوارق الايرانية، ثم كانت الوسيط الذي نقل رسالة الرئيس الامريكي بيل كلينتون الى الرئيس الايراني محمد خاتمي بعد فوزه في الانتخابات عام 1997، وساهمت بشكل فعال وأساسي في ترتيب قناة الحوار الايراني الامريكي حول الملف النووي عام 2009، ثم الحوار الجدي الذي جرى بين الطرفين عام 2012، ولعبت دور الوسيط في ازمة الرياضيين الامريكيين الذين دخلوا الاراضي الايرانية عبر كردستان العراق واطلاق سراحهم. وغيرها من الجهود التي فضل الطرفان الابقاء عليها سرية خصوصا ما يتعلق بمفاعيل الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الاسرائيلي بينامين نتنياهو الى السلطنة قبل عامين والتي تركزت المباحثات فيها حول القضية الفلسطينية والتوتر مع طهران على خلفية الدور الايراني في الاقليم.
ما ساهم في رفع منسوب الترقب الايراني، ان الخطوة العمانية جاءت بالتزامن مع الخطوة الاماراتية وقرار عقد اتفاقية سلام مع اسرائيل، والكلام الذي قاله نتنياهو عن اتفاقيات اخرى ستجري مع دول عربية وخليجية في الاشهر المقبلة، ما يعني من وجهة النظر الايرانية ان اتساع دائرة قوننة العلاقات بين اسرائيل والدول المرشحة لعقد اتفاقية سلام معها مثل البحرين والسعودية وعمان تصب في اطار استراتيجية امريكية تهدف الى خلق بؤر أمنية معادية لايران على حدودها وفي منطقة الخليج، وتحويل إيران الى عدو مشترك لمحور عبري – عربي في الاقليم، اي تحويل النزاع العربي الإسرائيلي الى نزاع عربي ايراني وتلعب اسرائيل فيه دوراً محورياً، الامر الذي يستوجب من طهران التعامل بحساسية مفرطة مع هذه التطورات وتداعياتها على محيطها الحيوي وان تبادر الى اتخاذ خطوات وقرارات ذكية لمواجهة تزايد مصادر التهديد الأمني حولها.
وانطلاقا من خطاب العرش الذي أعلنه السلطان هيثم بن طارق وأكد فيه أنه سيستمر باتباع النهج السياسي لسلفه السلطان قابوس في ” استمرار التعاون والتضامن مع الاخوة في دول المنطقة، والسعي مع الدول العربية لابعاد المنطقة عن التوترات”، تحاول طهران قراءة المتحول الذي قد يحدثه قرار الاستغناء عن بن علوي على المستويين الداخلي والخارجي.
وفي المستوى الداخلي، ترى طهران ان قرار الاستغناء عن بن علوي قبل ان يكون مؤشراً على تغيير في السياسة الخارجية، يدخل في اطار مساعي السلطان لتعزيز شرعيته الداخلية، وان التغييرات الحاصلة في وزارتي الخارجية والمالية هدفها المجيء بوجوه جديدة تتناسب مع التغيير الحاصل في رأس السلطة، ويصب في سياق تعزيز الاصلاحات الاقتصادية التي ينوي السلطان القيام بها في إطار رؤية 2040 التي سبق ان تبنتها القيادة العمانية، وفي الوقت نفسه يقدم تطمينات للداخل بان البلاد مستمرة في اعتماد مبدأ السلام في السياسات الداخلية والخارجية كما كان الحال في عهد السلطان قابوس.
وفي المستوى الخارجي، وحسب ما تراه طهران، فان حكومة السلطان الجديدة عليها العمل للحفاظ على التوازن في علاقاتها الخارجية بين اقطاب المنطقة، من خلال الاصرار على لعب دور الوسيط بين اللاعبين الاقليميين والدوليين، وهذا الدور قد يساعدها في الابتعاد عن حالات عدم الاستقرار التي يشهدها الشرق الاوسط. من هنا فان الاستغناء عن بن علوي قد يصب في سياق مساعي السلطان الجديد لبناء ادواته الخاصة على صعيد السياسة الخارجية، بالتزامن مع تمسكه بالنهج القائم في الوسطية والاعتدال والابتعاد عن الدخول في سياسة المحاور، وان أي تطور على صعيد العلاقات الخارجية للسلطنة لا بد ان يتم من خلال قنوات جديدة تحت اشرافه، بما فيها تطوير العلاقة مع اسرائيل والانتقال بها الى مرحلة متقدمة، لان طهران كانت مواكبة لكل الاتصالات والعلاقات القائمة بين مسقط وتل ابيب بحكم العلاقة التي تربطها بالسلطان قابوس ووزير خارجيته بن علوي، في حين أنها بحاجة الى وقت لمعرفة آليات تفكير الوزير الجديد وما الذي يريده السلطان من وراء مثل هذه الخطوة اذا حصلت وهل ستؤثر على العلاقة التاريخية بين البلدين والدور الذي لعبته وتلعبه مسقط في السعي لنزع ألغام التوتر والتصعيد بين طهران والمجتمع الدولي خصوصا واشنطن. وهل من الممكن ان يكون بن علوي قد دفع ثمن مبادرته إعلان الدعم الكامل للاتفاق الإماراتي الاسرائيلي بالاضافة الى الاتصال الذي اجراه مع نظيره الاسرائيلي غابي اشكنازي في 18 آب أغسطس 2020 واكد فيه دعم مسقط للاتفاق بين أبوظبي وتل أبيب. في حين أن السلطان كان يفضل التمهل اكثر بانتظار اتضاح الصورة وعدم وضع عُمان في موقع المسارع للتطبيع على الرغم من العلاقات القائمة بين الطرفين تاريخيا، وبالتالي فإنه لا يريد ان يكون في موقع تُفرض الالتزامات عليه. هذه الاسئلة مازالت طهران تبحث لها عن إجابات خاصة وانها تتزامن مع النقلة النوعية التي أحدثتها الامارات والتي تعتبرها طهران تهديداً استراتيجياً لها لجهة انتقال التهديد الاسرائيلي الى المحيط الجيوسياسي والاستراتيجي والجغرافي الأقرب لحدود أمنها القومي.