العين الدولية على أداء “مشبوه” للمصارف اللبنانية.. وخشية من إخضاعها لعقوبات* نوال الأشقر
النشرة الدولية –
من المفارقات العجائبيّة في لبنان أنّ المنكوبين جرّاء تفجير مرفأ بيروت مشرّدون خارج منازلهم، عاجزون عن ترميم بيوتهم المتضررة، بمن فيهم الفئة الميسورة، بفعل استمرار احتجاز أموالها في المصارف، والأخيرة لم تر في زلزال بيروت ما يستدعي الإفراج عن أموال المودعين المتضررين، فيما الدولة غائبة، وكذلك هيئتها العليا للإغاثة التي تطلق وعودًا كلامية فقط. من هنا التغيير الحتمي في لبنان لا يقتصر فقط على إصلاح فساد الطبقة السياسية، بل ينسحب على القطاع المصرفي الذي تناغم مع فساد السلطة، فاستمر بحجز أموال المودعين ليضاعف من عذابات اللبنانيين.
لافتًا كان حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أوضاع القطاع المصرفي اللبناني ووجوب إجراء تدقيق محاسبي في المصرف المركزي والنظام المصرفي ككل. فهل سيطال الإصلاح المنشود القطاع المصرفي؟
بنظر الباحثة في الشؤون القانونية والمصرفية الأستاذة الجامعية سابين الكيك، لا تكتمل الرؤية الإصلاحيّة البنيويّة للنظام اللبناني من دون إصلاح القطاع المصرفي، علمًا أنّ إخضاع المصارف لعمليّة تجميليّة فقط، لا يفي بالغرض. الكيك وفي حديث لـ ” لبنان 24″ تقرأ في تشديد الرئيس الفرنسي على الإصلاح المصرفي بأنّه رسالة واضحة لكلٍّ من جمعية المصارف وحاكمية مصرف لبنان بأنّ أوضاع القطاع واقعة تحت الإصلاح لا محال، وأنّ وجه لبنان الإقتصادي الحر، لا يستقيم بحماية المصرفيين عبر تغطية أفعالهم المريبة، إنّما من خلال الدفع قدمًا نحو شركات مصرفيّة تتمتّع بالثقة والإئتمان.
تفجير المرفأ فاقم من تداعيات الأزمة المالية في لبنان، في ظلّ فراغ حكومي، وتجاذب سياسي استنسخ نفسه بعد نكبة بيروت بالنمطيّة المدمّرة ذاتها، وكأن شيئًا لم يحصل. هذه الممارسات تعمّق انعدام الثقة بلبنان، وليس تراجع تصنيف لبنان الإئتماني إلى مستويات غير مسبوقة سوى مؤشّر على المسار الإنحداري. وفق قراءة الكيك اتساع نطاق الأزمة المصرفية، وانخفاض مستويات التصنيف الإئتماني الدولي، واضمحلال قدرات البنوك المالية في المصارف المراسلة، كلّها مؤشّرات تنفي دقّة حجّة المصارف التي تروّج بأنّ سبب الأزمة هو فقط انكشاف البنوك على الديون السياديّة للدولة.
تضيف الكيك “التعثّر المالي للمصارف كان نتيجة تراكمات طويلة وتمادي فاضح وأداء مشبوه احيانًا ومتهوّر أحيانًا أخرى، وأخطاء في قواعد الحوكمة الإداريّة والشفافيّة. والأسوأ أن كلّ ذلك، تمّ بتعطيل دور المصرف المركزي التنظيمي والرقابي، وبتشويه مسؤوليته الحمائيّة لحقوق المودعين، وبتغاضيه عن تحصين هذا القطاع، ناهيك عن المشاركة المباشرة وتورط مصرف لبنان بلعبة الهندسات الماليّة والسياسات التسليفيّة غير القانونيّة. وبالتالي أزمة القطاع المصرفي هي أزمة سوء أداء وغياب الضمير، في ظلّ نظام سياسي فاسد، وسلطة قضائيّة متخاذلة وجهات رقابيّة غائبة، واعتقاد سائد لدى المصرفيّين بأنّهم خارج دائرة المحاسبة، حتّى لو وصلت الأخطاء حدّ الفداحة إن لم نقل حدّ الأفعال الجرمية أحيانًا”.
أداء المصارف أسوة بأداء السلطة مكشوف من قبل المجتمع الدولي، من هنا أتى تشديد ماكرون على تدقيق محاسبي في القطاع المصرفي ككل، إنطلاقًا من هنا تقرأ الكيك في استياء ورفض الدول الصديقة الراعية لبرنامج إنقاذ لبنان إرسال المساعدات الماليّة النقديّة واستعادة المفاوضات مع صندوق النقد، بأنّه تأكيد على وجوب الإسراع بإصلاح مصرفي “نوعي” في أداء المصارف، عبر الإلتزام بالقواعد المصرفية والمالية الدولية، وبالقوانين اللبنانية، خاصّة قانون النقد والتسليف، مع ما يتطلبه من تعديلات وتحديث.
كيف يمكن للقطاع المصرفي أن يبدأ ورشة إصلاح نفسه بإرادة ذاتيّة؟
تعتبر الكيك أنّ الخطوة الأولى في طريق الإصلاح المصرفي، تبدأ باستعمال جمعية المصارف لغة واقعية، بعيداً عن حالة الإنكار المرضي التي باتت متغلغلة في خطابها، من خلال اعترافها الصريح والشفّاف بحالتها الماليّة الحقيقية، والبدء بورشة إصلاح داخلي، وتحمّل المسؤوليّة عن الخسائر الواقعة، كأشخاص معنويين وكمسؤولين شخصيين عند إثبات العجز المالي نتيجة أخطائهم الإدارية المفترضة قانونًا.
هناك دور منوط بالسلطتين التشريعية والقضائية في عملية الإصلاح المصرفي “فمجلس النواب عليه أن يسحب تغطيته السياسيّة تحت عنوان الحفاظ على قطاعٍ بات بالياً لا بل مهترئًا. أمّا السلطة القضائيّة، فلا يمكن أن تبقى بموقع اللّامبالي، بعد أن تقاعست عن دورها كملجأ أخير للمودعين. بحيث لم يعد يكفي إصدار بيانات إعلامية لإثبات أداء قضائي سليم وعادل، والعبرة بالأحكام وفق القوانين المرعية الإجراء، وليس وفق الموجة الشعبوية تارةً وتلك السياسية تارةً أخرى”.
المصارف تواجه دعادى خارجية
بناءً على هذه المقاربة الإصلاحية “يُنتظر أن تقوم المصارف بدورها وفق النشاط المصرفي المعتاد، على صعيد الإعمار وترميم ما تهدّم، وتحريك العجلة الإقتصاديّة ومساعدة المؤسسات للعودة الى الحياة الطبيعية. ومن خلال الإلتزام بورشة إصلاحية، شكلًا ومضمونًا، نهجًا واداءً، مفهومًا واهدافًا”. وتشير الكيك هنا إلى ملامح مواجهة المصارف بمصير يشبه بنك اللبناني الكندي أو جمال ترست بنك، نتيجة بعض الدعاوى القضائيّة أمام محاكم نيويورك، خاصّة تلك المقامة بوجه 11 مصرفًا لبنانيًا، وهي تعتبر من أكبر الدعاوى في تاريخ الصناعة المصرفيّة، والبنوك اللبنانية تحديدًا، بسبب هوية المصارف المدعى عليها، وحجم بعضها في السوق اللبنانية، المكلّفة كما الجهات الأخرى المدّعى عليها أيضا إثبات عدم تورطها بتسهيل وتمويل عمليات إرهابيّة عالميّة، أسفرت عن ضحايا ومتضررين”.
وتساءلت الكيك عن مصير هذه الدعوى وتأثيراتها على القطاع ككل في هذه المرحلة الدقيقة “وربطاً قد يكون التحقيق الجنائي من قبل شركات دوليّة متخصّصة أو المصرف المركزي الفرنسي، كما سمعنا، هو الباب الرئيسي لمسارات قضائيّة مختلفة. فهل سيثبت القضاء اللبناني استقلاليته الحقيقيّة في رحلة المحاسبة والمساءلة لكسب ثقة المجتمع الدولي؟”.
خلُصت الكيك متمنيّة أن “تُظهر هيئة التحقيق الخاصة تعاونًا إيجابيًّا ما زال معطّلًا حتّى هذه اللحظة، كما لجنة الرقابة على المصارف المعيّنة حديثًا. فالشاطر هو من يتلقّف التغيير الآتي لا محال”.
لا نهوض للبنان من دون دور فعّال للقطاع المصرفي في إعادة هيكلة الإقتصاد الوطني وفي تحويله من ريعي إلى إنتاجي، من هنا العين الدولية على أداء هذا القطاع، فهل ستبدأ المصارف ورشة إصلاح داخلية؟ أم ستُفرض عليها من الخارج عبر إخضاع مصارف لبنانية لعقوبات، وربّما هذه المرّة من بوابة الدعاوى القضائية المقامة ضدّها خارج لبنان؟
نقلاً عن موقع “لبنان 24” الإخباري