أخيراً أدركت لماذا الحق ضعيف والظلم منتشر!* صالح الراشد
النشرة الدولية –
ينتظرون رحمة الله، فقد أدرك هؤلاء بأن العباد قلوبهم غُلف قد أغلقت بعد أن رُبيت على ظُلم العباد وقهر الرجال، نعم .. قهر الرجال مصطلح يهز أصحاب الضمائر الحية فتهتز وترتج دكة غسيل الموتي، أما صُناع القهر فلا يهتز لهم جفن، فالظلم طريق حياتهم الوحيد ليعيثون فساداً على الأرض، فيما يعتبر قهر الرجال هو العدو الأول للإنسانية والفكر والعائق الأكبر أمام الحريات وبناء الحضارات، بل يتسبب في وضع الظَلَمَة في مكان عَلِي فوق القانون والإنسانية والشعوب، وعندها يزداد الظلم فيعم الخراب ويصمت صوت الحق وترتفع عقيرة الظَلَمَة بالباطل، فينتصر الصخب على السكينة في ظل وجود أعوان للظلمة وصفهم سعيد بن جبير بكلمات تقشعر لها الأبدان لكنها من أجمل ما قيل في وصفهم حين قال عنهم :”هم كلاب جهنم يعوون فيها كما تعوي الكلاب”.
وللحق والإنصاف وللتاريح فإن الظَلَمة يتزايدون ويكاثرون، وأصبحنا نجدهم في شتى مناحي الحياة وجميع مرافق الدولة وحتى في منظمات المجتمع المدني، وأصبحوا يتوالدون في المناصب السياسية والإقتصادية والرياضية والإعلام، وهذا الأخير هو الراعي الرسمي للظُلم والقهر بعد أن تخلى بعض الإعلاميين عن رسالتهم وأصبحوا يدافعون عن الظلم والقهر، ولم يكتفي بعضهم بلعب هذا الدور الشائن، بل قاموا بدور الوسيط لجعل زملاء المهنة يدافعون عن الظالمين ويبتعدون عن المظلومين الذين لا سند لهم إلا الله، فعم الخراب ونكصعت الهمم وتراجع الأداء وعم البلاء.
نعم، هذا هو الحال الذي يصطدم به الشباب الذين لا ظهر ولا سند ولا واسطة يتكؤون عليها، ليغلق باب الإبداع أمام هؤلاء المبدعين، وحين يخرج أي منهم عن خط البطالة ويبدأ بالظهور بثوب الإبداع يبدأ صُناع القهر والظلام في الضغط عليه لإطفاء بريقه، فيصفونه بما ليس فيه ثم يسوقون له التهم جزافاً حتى يكره اليوم الذي وضع فيه قدمه على الطريق الصحيح، كون هذا الطريق في إتجاه واحد ويمنع المرور عليه إلا بعد دفع ضريبة العبور، والتي هي مصالح مشتركة أو تمرير فساد، وإن فشل في الدفع يسقطونه أرضاً حيث يهلل ويطبل المستفيدون من إبعاد المبدع عن طريقهم ويصفوا قرار الظلمة بأنه قمة العدل والإنصاف.
علينا أن نعتذر للمبدعين الشباب في وطني فقد خذلناهم في البحث عما يستحقون ولم نوفر لهم العدل، تخيلوا هؤلاء شباب الغد وحُلم الأوطان لا يبحثون عن “عنب الشام ولا بلح اليمن” ولا أن يتولوا مناصب أو يصبحوا في مواقع هامة، فهم يبحثون عن العدل في التوظيف والمقابلات حيث خاب ظنهم فنحن في زمن أعوان الظلمة الذين يتاجرون بقضايا المظلومين على جلسة أرجيلة، وينتصرون على الحق ويُناصرون الظلم، والمصيبة الكبرى أن أعوان الظلمة يدعون بأنهم من أنصار الوطن والغيورين عليه وأنهم في الصف الأول للإنتصار للحق، وهنا أدركت لماذا الحق ضعيف والظلم منتشر والقهر متزايد فلكل ظالم العشرات من أعوان الظلمة أصحاب الوجوه المتعددة الذين يُغذون الظلم بظلم أكبر، وهنا أيضاً تذكرت كلمات معلمي إبن خلدون الذي قال “الظلم مؤذن بخراب العمران” فأغمضت عيني وقلت حمى الله وطني من الظالمين وأعوانهم حتى يكون حصناً حصين في مواجهة أعدائه.