أسماء عزايزة: معظم الكاتبات العربيات لا يكتبن بحرية
النشرة الدولية –
تعتبر الشاعرة الفلسطينية أسماء عزايزة من أبرز الشاعرات الفلسطينيات في العقد الأخير، الشاعرة الثلاثينية، تضمنت مجموعتاها الشعريتان ”ليوا“ و“لا تصدقوني إن حدثتكم عن الحرب“ تجارب غنية في إثبات الذات وتبني حقوق النساء، في المجتمع الشرقي.
وتحدثت عزايزة في حوار خاص ب”إرم نيوز” عن الفارق بين تجربتي مجموعتيها الشعريتين: ”لا يمكن لتجربة كتابيّة أن تشابه غيرها. ذلك أنّنا لا نشبه أنفسنا الماضية أو القادمة. الزّمن آلة لَيّ وعجن وتشكيل جبّارة، ونحن مسيّرون بين طواحينها.. ”لا تصدّقوني إن حدّثتكم عن الحرب“ تكبر ”ليوا“ بأكثر من عشر سنوات. كنت عند كتابتها، كانت لهفتي للأفكار مختلفة، تأثّري بالشّعر الذي قرأته كان مغايرا، تجاربي الحسيّة والمعرفيّة كذلك. كنت أنا، لكن لست أنا بالضّبط“.
وتابعت: ”في ”لا تصدّقوني إن حدّثتكم عن الحرب“ اختبرت تجارب قاسية لم أختبرها في سابقتها. كموت أحبّة واحتضارهم. وهجران حبّ عنيف، وتجارب أخرى صغيرة“.
أمّا عن أدوات صناعة الشعر فقالت:“أدواتي تُصنع من التجربة وبعضها عصيّ علي معرفته بنفسي. أحاول أن أخترع مناجلي وأزاميلي، وأوجّه طرقاتي، لكنّي أجدني مجرورةً للّغة والإيقاع المتكوّنين أصلاً. أنا أؤمن بأنّ الكاتب قادرٌ على ترويضهما، وذلك يحتاج إلى وقت وتمارين، وإخفاقات، ولكي يجد شيئا جديدا في لغته عليه أن يتأنّى ويناطح.
وأضافت: ”الشيء الذي أستطيع تحديده هو أنّ الكتابة تصبح أشدّ صعوبةً، فهي مُحاطة بسكاكين النقد الذاتيّ والذائقة المتعفّفة ورغائبي الباحثة عن الصورة، والصّوت الجديد“.
وحول غاية المرأة الشاعرة، اعتبرت عزايزة أن القضية تتشكل في استرداد الحقوق الاجتماعيّة للمرأة. وقالت:“النساء تُريد حقّها في العيش. فكيانهن الفيزيائيّ مهدّد وكذلك، الوجوديّ والثقافيّ والاجتماعي، في ظلّ العنف والجريمة والاغتصاب والقمع الذي تعيشه النساء في المجتمعات الأبويّة، توجب أن تتحدّث النساء عن أنفسهنّ كأنّهن مخلوقات أخرى.
وأضافت: ”لا يمكن احتمال هذا المشهد إلا بنزع الرّجال عن النساء بيولوجيًّا، عن أرحام وأثداء أمّهاتهنّ مثلاً، واعتبار قتل النساء جريمة عاديّة مثلها مثل جريمة ذبح حيوان لمناسبة دينية.
وبينت عزايزة سبب اختلاف توجه المرأة في كتابة الشعر :“إنّ الهوّة بين المرأة والمجتمع تتّسع يومًا بعد يوم لا يمكن معها إلا أن نتحدّث عن كتابة مختلفة“.
وقالت: ”ربّما لم ينحرني أحدٌ بعد، لم يرمني أبي في بئر ولم يلحقني أخي بحجر يهشّم رأسي به، لكنّي تعرّضت لتحرّشات جمّة. وهذا يكفي كي يصنع منّي مخلوقًا آخر يختلف عن الرجل. أظنّ بأنّ معظم الكاتبات، العربيّات على وجه الخصوص، لا يكتبن بحريّة. من بينهنّ أنا. منهنّ من يعشن في مجتمعات أكثر تحرّرا، لكن شبح العيب والتابوهات يلاحقهنّ دوما.
وتابعت: ”اعتدنا حدودنا ولم نعد نُسائِل، في الكتابة، أشياء خارجها. في صغري كنت أُدافع عن الكتابة كفعل غير جندريّ وأحاجج من يتكلّمون عن الكتابة النسائيّة. الآن أفهم أنّ ذلك كان مقاومةً وليس قراءةً للواقع الكارثيّ الذي نعيشه“.
وتصف عزايزة علاقتها بمدينة حيفا: ”نُصف حياتي عشتها في حيفا ونصفها الآخر في مسقط رأسي؛ قرية على سفح جبل طابور في مرج بن عامر. المدينة كوّنت ملامح شخصيّتي كشاعرة وكيساريّة وكعلمانيّة وكنسويّة. لكنّ عائلتي الصغيرة، وضعت بذور هذه الملامح فيّ كفتاة نشأت في بيئة بسيطة ومُحافظة“.
وتضيف: ”حيفا احتوتني وصادقتني وتقبّلتني. لكن لا أعرف إن كان يُمكن تقصّي أثرها بشكل جدير بالذكر في قصائدي. كتبت عن أحيائها المهجّرة وعن المكان الذي سقط منها في الوقت. لكنّي أظنّ بأنّ انجذابي الشعريّ يتولّد ويزداد نحو قريتي، نحو المرج الأخّاذ الذي قد لا يعود مرجًا بعد أن تفرش إسرائيل مشاريعها الكبرى فيه، نحو أبي المدفون في ترابه، نحو جدّي الوسيم الذي لم أعرفه وأملك صورة واحدة له فقط، نحو الحياة الماضية البسيطة التي لم أعشها وتبدو لي محافظة جدًا لكنّي مفتونة بها، ونحو أمّي التي لا تزال تشدّني بخيطها الغليظ إلى هناك“.
وعن شعر المأساة، تفيد عزايزة: ”ينبغي أن نسأل أنفسنا أوّلا ما الذي يجعلنا نسمّي الكتابة، شعرًا حقيقيًّا، أعتقد أنّنا نتعاطف مع المآسي، وربما ننجذب إليها، فنتعاطف مع الشعر الذي يتحدّث عنها“.
وحول صناعة المأساة لشاعر ما، تقول: ”أنا أختلف مع هذه النظريّة. ثمّة كتّاب عاشوا حياةً على قدر كبير من الرفاهية، أو حياةً عاديّةً ذات مآس إنسانيّة طبيعيّة كالموت والمرض وكتبوا أدبًا عظيمًا. أحيانًا تزن هذه المآسي ”الصغيرة“ بالنسبة لنا وزن حروب مهيبة. لا أستصغر تجارب الحروب والنفي والدّمار، كأن تفقد بيتك وعائلتك وأمانك الأوّل. لكنّي لا أرى بأنّ هذه التجارب تؤثّر على الموهبة الشعريّة؛ ربّما تنعكس في المزاج الشعريّ وعالم الأفكار والحساسيّة لكن ليس على الجوهر الغامض، دافعنا للكتابة“.
وعارضت عزايزة أن يصاحب المشروع الشعريّ آخر ثقافيًّا جماهيريا، وأكدت على كون المشروع الشعريّ، بحد ذاته، مشروعًا ثقافيًّا.
وأضافت: ”إن وجود الشاعر العربيّ في هذا الزّمان والمكان يحتّم عليه أن يكون جزءًا من صياغة عالم الأفكار. وإن فَعَل هذا الصوغ خارج القصيدة، سيظلّ محسوبًا على مشروعه الشعريّ. نحن نعيش في زمن يُصعِّب نزع المبادئ الأخلاقيّة والإنسانيّة عن إبداعنا. حالة الطوارئ التي تعيشها الشعوب والمرأة والمضطّهدون، تجعل من الحياد حالةً بليدة لا يتوافق معها الشعر. وهذا لا يعني شد الشعر إلى محكمة الأخلاق.
وعن دَور الناشر في التسويق والتوزيع تفيد عزايزة بأن غالبية دور النشر تعمل كمطابع فقط.
وتكمل: ”وهذا بات أمرا واقعا يُشبه الواقع السياسيّ والثقافيّ الذي نعيشه. السّوق ممزّقة والقرصنة أصبحت سيّدة الموقف“.
وأعربت عن أن الناشرين يفتقرون لرؤية إستراتيجيّة لإيجاد حلول تجذب القارئ باتجاه الجودة من حيث المضمون والشّكل وخلق سوق نابضة ذات مشروع شموليّ يتجاوز مجرّد الطباعة.
وتقول عزايزة مستهجنة: ”الكاتب يجد نفسه وحيدا أمام إنتاجه، وعليه أن يسوّقه بنفسه. والشعراء يعانون أكثر من غيرهم.
وحول حركة نشر الشعر أفادت عزايزة: ”جزء من دور النشر لم يعد ينشر الشّعر أصلا. والسّبب برأيي ليس هجران قراءة الشّعر، بل لأنّ الدور تعتبر الشّعر في آخر أولويّاتها. وتحدثت الشاعرة الفلسطينية بإيجابية عن تجربة منشورات المتوسط مع الشعر. وتابعت بأن ما ينقص علاقة الناشر بالشاعر إشكالية الحوار والثقة حول المنتج“.