هذه شبكات الهواتف الملونة وعلاقتها بجريمة اغتيال الحريري
بقلم: سوسن مهنا

منذ بداية التحقيق في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، تركّز اهتمام المحققين على سجلات الهاتف المحمول، استناداً إلى عمل النقيب وسام عيد، الذي كان مفتاح فكّ اللغز ودفع أيضاً حياته ثمناً لكشفه المستور. بعد الاغتيال بدأ تحقيقان على الفور، فريق أولي من الأمم المتحدة، أصبح في نهاية المطاف المحكمة من جهة، وفريق داخلي كان وسام عيد، النقيب في قوى الأمن الداخلي الذي درس هندسة الكمبيوتر قبل الالتحاق بقوى الأمن الداخلي، رأس الحربة فيه. صرفت الأمم المتحدة ملايين من الدولارات للتحقيق في الجريمة، وترقّب العالم كله عواقب لا يمكن تصورها للمنطقة. لكن عيد هو الذي طرح السؤال الذي فتح القضية في النهاية: لماذا لا ننظر إلى سجلات الهاتف المحمول؟ أمضى عيد سنة في استخراج النماذج من البيانات. ثم بدأ بتقديم سلسلة من التقارير السرية لرؤسائه وفي النهاية، إلى فريق الأمم المتحدة. كان متأكداً من أن فريقاً كبيراً من الناشطين المدربين تدريباً جيداً استخدم شبكة من الهواتف المحمولة لتنفيذ عملية الاغتيال. كما خلص عيد إلى استنتاج أولي وخطير. كانت لديه أدلة تربط شبكة الهاتف بمسؤولين كبار في “حزب الله”. وتعزّزت هذه الشكوك عندما تلقى مكالمة هاتفية من مسؤولين في “حزب الله”، علموا بطريقة أو بأخرى عن تحقيقاته. ووفقاً لتقرير بثته “سي بي سي” نيوز بعد سنوات، أكد ناشطون أن بعض الهواتف تعود إلى عناصر في الحزب، لكنهم ادّعوا أنهم كانوا يستخدمونها للتحقيق في مؤامرة إسرائيلية.

وجزم المحقّقون بأن القتلة كانوا يعملون وفق مجموعات، لكل مجموعة قائد، وتتقيّد بإجراءات محدّدة. الجميع في المجموعة يتصلون بالقائد، وهو يتصل بكل عنصر في المجموعة، لكن العناصر لا يتصلون أبداً ببعضهم بعضاً.

مجموعات وألوان

حدّد المحققون كل مجموعة بلون:

تألفت المجموعة الخضراء من 18 هاتفاً على شبكة من الشبكتين العاملتين في لبنان وهي Alfa، تم شراؤها بهويات مزوّرة من متجرين في جنوب بيروت في يوليو (تموز) وأغسطس (آب) 2004. لم يكن هدف الهويات المزورة التهرّب من دفع بطاقات إعادة التعبئة Alfa، ففي كل شهر منذ سبتمبر (أيلول) 2004 حتى مايو (أيار) 2005، كان يذهب شخص إلى أحد مكاتب “ألفا” ويدفع فواتير الـ18 هاتفاً كلها نقداً، من دون أن يقدم أي دليل يثبت هويته. بلغ مجموع فاتورة هواتف المجموعة الخضراء، بما فيها رسوم التشغيل 7.375 دولاراً أميركياً، باعتبار أن 15 هاتفاً من هواتف المجموعة الـ18 لم تُستخدم تقريباً.

الشبكة الخضراء

الغرض المزعوم، الاضطلاع بأنشطة رصد وتنسيق أعمال، التحضير للاعتداء، بما في ذلك تحضير إعلان المسؤولية زوراً. العناصر المزعومون، السيد عياش والسيد مرعي والمتهم الذي قيل إنه قُتل في الحرب السورية السيد بدر الدين.

ظهرت الإشارة الأولى لنشاط الاتصالات في سبتمبر 2004، فور إعلان الحريري استقالته. يؤكد المحققون أن المجموعة الخضراء منخرطة في المؤامرة. ويعود رقم الهاتف 03140023 إلى القائد الأعلى، والرقمان 03159300 و03150071 إلى نائبيه. (يتصل بهما ويتصلان به، لكن بواسطة هذين الرقمين لا يتصلان ببعضهما أبداً). يحمل المساعدان هواتف تعود إلى مجموعات أخرى، يمرّران من خلالها تعليماتهما إلى المشاركين الآخرين في العملية. عندما يرغب أحد العناصر في الاتصال بقائد مجموعة، ويتابع قائد المجموعة الاتصال عن طريق التحويل إلى هاتف أخضر، ويتصل بالقائد الأعلى، الذي يوجد في غالبية الأحيان في جنوب بيروت، حيث مقرات “حزب الله”.

الشبكة الزرقاء

العناصر المزعومون، السيد عياش والعناصر المجهولو الهوية الآخرون الذين استخدموا الهواتف “الستة الرئيسة” والهواتف “التسعة المتبقية”.

في 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2004، عندما استقال الحريري من منصبه وخُفّض عدد حراسه بشكل ملحوظ، انخرطت المجموعة الزرقاء في العملية. كانت هذه المجموعة تعمل أصلاً وفق القواعد ذاتها التي تعمل بموجبها المجموعة الخضراء، لكن عضويتها المنتجة ارتفعت من ثلاثة إلى 15 هاتفاً، بينها 7 هواتف متصلة بشركة Alfa و8 هواتف متصلة بشركة MTC Touch (الشركة الثانية في لبنان). تسدّد فاتورة جميع الهواتف الزرقاء وفق نظام الدفع المسبق، علماً أنه تم شراء بعضها في وقت مبكر من عام 2003، وشهدت استخداماً ضئيلاً أو معدوماً. قدّم الأشخاص الذين اشتروا هذه الهواتف هويات مزوّرة أيضاً. مرة أخرى، يبدو أن إمدادات المال وفيرة، فالدقائق التي تنتهي صلاحية استخدامها في كل شهر، لا تُستعمل إلى حد كبير، لكن يُعاد تحميل الهواتف مراراً وتكراراً. عندما توقفت هذه الهواتف عن العمل، بلغت قيمة الدقائق المتبقية 4.287 دولاراً أميركياً.

يقول المحققون إن المجموعة الزرقاء تعقّبت تحركات الحريري. في صباح العشرين من أكتوبر كانت عناصرها منتشرة في محيط قصر قريطم (مسكن الحريري). عند الساعة 10:30 صباحاً، توجه الحريري إلى البرلمان ومن ثم إلى القصر الرئاسي، حيث كان لحود ينتظره لتسلّم استقالته. التقطت أبراج الهاتف إشارات هواتف عناصر المجموعة الزرقاء وهم يتحرّكون معه ويتصلون بقائدهم. منذ ذلك الحين، تعقّبت الهواتف الزرقاء أثر الحريري في كل مكان تقريباً، إلى البرلمان، إلى اجتماعاته مع القادة السياسيين، إلى مآدب الغداء الطويلة في نادي اليخوت… إلخ. عندما كان الحريري موجوداً في منزله، كانوا هناك أيضاً. عندما كان يسافر إلى الخارج، كانوا ينتقلون معه حتى المطار، ثم يتوقفون عن العمل حتى عودته، ويقتفون أثره مجدداً.

الشبكة الصفراء

الغرض المزعوم، التحضير للاعتداء، بما في ذلك مراقبة تحركات السيد الحريري.

العناصر المزعومون، السيد عياش وثلاثة عناصر آخرين مجهولي الهوية مِمَّن استخدموا الهواتف “الستة الرئيسة”، S6 S8 S9 فضلاً عن تسعة أفراد آخرين مجهولي الهوية.

في النهاية، أُضيفت المجموعة الصفراء وبدا أن عناصرها الـ12 كانوا يتشاركون مهمة المراقبة مع المجموعة الزرقاء. عندما كان الحريري يقضي عطلته مع عائلته في فقرا في نهاية سبتمبر 2004، كانت الفيلا تحت المراقبة المستمرة من قبل كل من المجموعتين الزرقاء والصفراء، وكانت الاتصالات متواصلة بين المجموعتين، وقادتِهما في جنوب بيروت والعكس بالعكس. من خلال الطريقة التي كانت الهواتف الصفراء تتحرك فيها، بدا أن مستخدميها يدرسون التحركات المعتادة للحريري والمواقع المحتملة لتنفيذ الهجوم. أياً يكن من خطط لهذا الهجوم، فقد رُصد له وقتٌ للقيام ببحث دقيق.

في 25 يناير (كانون الثاني)، غادر عنصران من المجموعة الزرقاء مدارهما المعتاد إلى حي البداوي في طرابلس. من خلال جولة أخرى من جولاتهما النادرة في طرابلس، علما أن هناك شاحنة ميتسوبيشي كانتر ذات صندوق مسطح معروضة للبيع منذ أواخر ديسمبر (كانون الأول). دخلا إلى المعرض للتفاوض مع البائع، ثم خرجا بعد بضع دقائق، ليتصل أحدهما بقائده في بيروت، بغية الحصول ربما على موافقة لسعر الشراء، وتم إنجاز الصفقة بعد ذلك.

الشبكة الأرجوانية

الغرض المزعوم، تنسيق عملية إعلان المسؤولية زوراً، العناصر المزعومون، السيد مرعي والسيد عنيسي والسيد صبرا، توجد أيضاً هواتف “أرجوانية مشاركة” كانت على اتصال بهواتف المجموعة الأرجوانية.

تقول النيابة العامة إن المجموعة الأرجوانية هي التي اهتمت بعملية الغطاء. حدّدت هذه المجموعة موقع أبو عدس (الذي زُعم بأنه القاتل)، واستدرجته للذهاب ورؤية “المفاجأة” التي وعده بها “محمد”، وجعلته يتلو بيان الانتحاري أمام كاميرا الفيديو، ومن ثم قتلته على الأرجح وتخلّصت من الجثة. عندما حُدّدت هذه الأحداث في الزمان والمكان، تزامنت تماماً مع تحرّكات المجموعة الأرجوانية.

قبل أيام فقط من الاغتيال، اشترى شخص بطاقة الهاتف المدفوعة مسبقاً، التي استُخدمت للاتصال بقناة “الجزيرة”، فضلاً عن “رويترز”، من أربعة هواتف عمومية، كانت واحدة منها بالقرب من الشجرة التي وُضع فيها “شريط أبو عدس” الذي زعمت فيه منظمة “النصرة والجهاد في بلاد الشام” مسؤوليتها عن عملية الاغتيال. يتزامن موقع الهواتف المحمولة الأرجوانية مع موقع الهواتف العمومية في الوقت الذي أُجريت هذه المكالمات.

الشبكة الحمراء

الغرض المزعوم، تخطيط الاعتداء، بما في ذلك مراقبة السيد الحريري، العناصر المزعومون، السيد عياش والعناصر المجهولو الهوية الآخرون الذين استخدموا الهواتف “الستة الرئيسة”.

كانت مجموعة الهواتف المحمولة الأخيرة التي دخلت حيّز العمل المجموعة الحمراء. يعتقد المحققون أن هذه الهواتف تعود إلى الدائرة الضيقة لفريق مراقبة الحريري في الأيام التي سبقت عملية الاغتيال – وإلى الانتحاري الفعلي.

ربما لم يفكر القتلة أن شخصاً مثل عيد، الذي يتحلّى بمهارات غير عادية، أو أن فريق التحقيق الدولي، الذي يمتلك موارد غير عادية، قد ينجح، في النهاية، في الكشف عن تحرّكاتهم في الأشهر الأخيرة التي سبقت عملية الاغتيال، لكنهم بدوا أنهم يتصرفون كما لو أنهم أخذوا في الاعتبار أن شخصاً قد يتحقّق من حركة مسار الهاتف المحمول بالقرب من فندق السان جورج في يوم الهجوم.

في هذه الحالة، أيضاً، تماماً كما هي الحال في اختيارهم للشاحنة، بذل القتلة جهداً لتوجيه المحققين نحو المنطقة السنيّة في طرابلس. فقد تم شراء بطاقات الهواتف الثمانية المدفوعة مسبقاً العائدة إلى المجموعة الحمراء من هناك بين أواخر ديسمبر 2004 وأوائل يناير 2005. فُعّلت في الوقت ذاته، أيضاً في طرابلس، في 4 يناير، وبدأ مستخدموها التحدث مع بعضهم بعضاً بعد 10 أيام عندما ارتفع نشاط مراقبة الحريري عبر الشبكة. في 2 فبراير (شباط)، قبل 12 يوماً من الهجوم، انتهت صلاحية الدقائق على الهواتف. فحملها أحد الأشخاص من بيروت وقطع 50 ميلاً إلى طرابلس لتفعيلها هناك، حيث سجل برج الهاتف المحمول موقعها – قبل إعادتها وتسليمها إلى مستخدميها في بيروت. خلافاً لجميع الهواتف المحمولة الأخرى المشاركة في العملية، لم يتم أبداً استخدام الهواتف الحمراء في ضاحية بيروت الجنوبية حيث لـ”حزب الله” مقرات عدّة، أو حتى لم تؤخذ إلى هناك أثناء تشغيلها.

منذ تاريخ تفعيل هواتف المجموعة الحمراء، لعب عناصرها دوراً ريادياً في تعقّب الحريري الذي نادراً ما يزور ضاحية بيروت الجنوبية. عند التدقيق في نشاط الهاتف، وجد محققو الأمم المتحدة أن نموذج الشبكة في 8 فبراير، قبل أسبوع من عملية الاغتيال، كان مطابقاً لنموذج 14 فبراير باستثناء الانفجار بالطبع. سلك الحريري الطريق ذاته تماماً في ذلك اليوم. قال رئيس المحققين، “نحن نعتقد أنهم إما أجروا اختبار تشغيل، أو كان هناك اتصال قريب ولم يتمكّنوا من الوصول إليه”.

بلغ نشاط الهاتف الأحمر ذروته في يوم التفجير، وتركّز على طول الطريق الذي سلكه الحريري إلى مبنى البرلمان وفندق السان جورج. يقول الادّعاء إن رقم هاتف الانتحاري كان 03127946. عندما انفجرت شاحنة الميتسوبيشي انقطع الهاتف، وتوقّفت المجموعة الحمراء بكاملها عن العمل نهائياً.

كشف نظام العد العشري البسيط بسرعة عن وجود نمط غريب. في أكتوبر 2004، بعد استقالة الحريري، بدأت مجموعة معينة من الهواتف المحمولة بملاحقته وملاحقة عناصر موكبه الذي تم تقليصه أينما ذهبوا. بقيت هذه الهواتف قريبة منهم ليلاً ونهاراً، حتى يوم التفجير – إذ توقف نحو 63 هاتفاً في المجموعة فوراً ولم تعاود العمل مطلقاً.

الهواتف “الستة الرئيسة”

استخدم بعض العناصر هواتف حمراء وزرقاء وصفراء.

العناصر المزعومون. السيد عياش وS5 وS6 وS7 وS8 وS9. ملاحظة، لا يُزعم أن S5 وS7 استخدما هواتف صفراء.

الهواتف “التسعة المتبقية”

استخدم بعض العناصر هواتف حمراء وزرقاء وصفراء

العناصر المزعومون  S12 و S13  وS14  وS18  وS19 وS23 فضلاً عن أفراد آخرين مجهولي الهوية.

نقلاً عن “اندبندنت عربية”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى