تستحق أن نضعها في عيوننا* حمزة عليان
النشرة الدولية –
صعب عليك أن تقرأ عنواناً يهزك من الأعماق دون أن تتوقف عنده، خصوصا إذا ما كان يتصل بواقع تعايشه وتختبره كل يوم.
وكلام الدبلوماسي والمخضرم السفير عبدالعال القناعي جاء ليعزز هذه القناعة باختياره القول “إعادة بناء إهراءات القمح في مرفأ بيروت تظل عنواناً شامخاً للأخوة وكيفية إدارة العلاقات بين بلدين شقيقين، يحترم أحدهما الآخر ويشعر الأخ بوجع أخيه”.
قرار القيادة السياسية بدولة الكويت لم يكن يذهب فقط لتجديد مبنى من الإسمنت والحديد، بقدر ما ذهب إلى أن البنيان المتجذر بالعلاقة بين الكويت ولبنان لن يهتز أو ينحني، أمام العواصف التي تهب على بيروت.
وعندما تبادر هذه الدولة المعطاءة بالإقدام على رفع أنقاض زلزال أتى على صرح بُني أساساً بأموال كويتية فإنها تفعل ذلك انسجاماً مع سياسة خارجية دأبت عليها منذ عقود.
الكويت وبخلاف أصحاب الأجندات السياسية والساعين إلى مد نفوذهم عبر الساحة اللبنانية، لم تشأ المساعدة لدوافع سياسية بل كانت تعبيراً عن وقفة دولة وشعب يرتبطان بوثاق من التآزر والتعاون. صوت الوجع اللبناني كان حاضراً في بيوت أهل الكويت وما نسمعه منهم شيء يعطيك صورة صادقة عن محبتهم للبنان، بالأمس كنت متحدثاً مع الأخ نواف الدبوس، مدير مكتب الصندوق الكويتي في بيروت، ذاك الرجل الصادق والوفي تجاه بلده والذي لمس بنفسه كيف هي صورة الكويت عند الشعب اللبناني، فقد امتدت يد العطاء والمساعدة لتشمل معظم المناطق، من الناقورة إلى الشمال مروراً بالجبل وبيروت.
علاقة التشابك في المصالح التي تحركها جغرافية البلدين الصغيرين بمساحتهما والمحيطين بدول تضع العين عليهما، لم تكن عابرة أو قائمة على منفعة آنية، فكلاهما يرتكزان على أرضية مشتركة جعلت منهما مطمعاً لأولئك الذين شعروا بفائض القوة وأرادوا التمدد بنفوذهم خارج حدود بلدانهم.
قلة من الناس الذين يعرفون أن إهراءات القمح في مرفأ بيروت والتي صمدت بخراسانتها الحديدية، أمام قوة الانفجار وعملت كمصدات وحمَتْ نصف بيروت من التدمير قد بنيت بأموال كويتية.
ففي شهر أغسطس من عام 1968 وقع الصندوق الكويتي قرضاً بقيمة 2.730.169 دولارا أميركيا لتوسعة مشروع صومعة حبوب المرفأ، والذي يشتمل على إنشاء 69 وحدة للتخزين، ووضع حجر الأساس فيه الأمير الشيخ صباح السالم الصباح والرئيس شارل الحلو، وهذا القرض جزء من إجمالي معونات ومنح فنية وصلت إلى 1.341 مليار دولا من تاريخ الرابع من يوليو 1966 ولغاية مطلع عام 2020.
لم نسمع يوماً أن الكويت رفعت لافتة وكتبت عليها قائمة المشاريع والمبالغ المدفوعة، ولم نعهدها أنها منّنت لبنان أو غيره، أو أنها لجأت إلى الابتزاز السياسي كما تفعل بعض الدول الدائنة والمانحة، بل تعاطت مع هذا الجانب بكثير من الكياسة ووضعته تحت سقف، مساعدة الدول المحتاجة، وهذا أصل إنشاء الصندوق الكويتي منذ بدء العمل به في أوائل الستينيات.
علاقة التوءم لم تنفصل يوماً، وعلى مدى عقود لم يترك لبنان وحده بل كانت الكويت إلى جانبه لتشكل الشريان الحيوي له وللجالية التي تعيش فيه.
بين لبنان والكويت “شراكة بالمعاناة” من إسقاطات الأيديولوجيات العربية، فكما أصابته شهوة القومية السورية كذلك دفعت الكويت ثمن تغطرس وكبرياء البعث العراقي على يد صدام حسين، كما كتب يوماً، السفير عبدالله يعقوب بشارة بلغة الدبلوماسي العارف والمحنّك.
كانت الكويت هي الملجأ الآمن الذي يجد فيه اللبنانيين متسعا من المحبة والتقدير لبث همومهم وقلقهم على مستقبلهم.
لقد أعطت الكويت لبنان دون مقابل، ومساعداتها لم تكن يوماً مشروطة، ولم يعرف عنها تدخلها يوماً في السياسية الداخلية ووقفت معه في أحلك الظروف وأصعبها، وساهمت في تنمية معظم المناطق اللبنانية وكان لها دور إيجابي في حل الكثير من الأزمات والخروج بها من الأنفاق المظلمة.
الكويت ولبنان متشابهان بقدر الجغرافيا السياسية والحدودية، وكلاهما دفع ثمن موقعه وتميزه، والكويت تستحق أن نضعها في عيوننا لما زرعته في قلوب اللبنانيين من صور الوفاء والأصالة.