ما علاقة انفجار بيروت بشبكات مالية متهمة بتمويل الإرهاب؟* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
شغلت قضية الانفجار في مرفأ بيروت، الرأي العام العالمي، لكثرة تعقيداتها والأشخاص الذين على علاقة بها، ولأن المعني الأول بها تجاهلها لسنوات.
وفي تحقيق أجراه فريق دولي من الصحافيين الاستقصائيين، وكشف عن معلومات وحقائق سبقت فترة الانفجار، سأل عن أمور مهمة ودقيقة، منها لماذا انتهى المطاف بالسفينة (غير صالحة للإبحار أصلاً) التي جلبت المواد الخطرة إلى لبنان، أواخر عام 2013؟
وكيف أمكن للمواد الكيماوية المحجوزة أن تبقى أكثر من ست سنوات في عنبر مهمل داخل المرفأ، تعرّض للسرقة مرات عدة؟ وكيف كان المجلس الأعلى للدفاع ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ووزارة الأشغال العامة والنقل وقيادة الجيش وأمن الدولة وهيئة القضايا على علم بهذه الحمولة وخطورتها، وليس فقط إدارة المرفأ والجمارك، ولم يقم أيّ جهاز بما تحتمه عليه وظيفته، باستثناء كتب التنبيه التي وجهها أمن الدولة إلى عدد من المسؤولين، الذين قرروا عدم فعل شيء؟
السفينة “إم في روسوس”
خلال التحقيق، برز اسم رجل الأعمال والمصرفي اللبناني فادي صعب، من خلال مالك السفينة “إم في روسوس”، الذي تبين أنه شارالامبوس مانولي، وليس إيغور غريشوشكين (الرجل الروسي الذي وصف بأنه المالك أو المشغل للسفينة)، والذي كان مجرد مستأجر لها من خلال شركة خارجية مسجلة في جزر مارشال، كما تظهر وثائق.
وبدلاً من ذلك، كان المالك الحقيقي لـ”روسوس”، القطب قبرصي في قطاع الشحن، يملك السفينة من خلال شركة مسجلة في السلطة الضريبية البنمية المعروفة بالسرية، وعنوانها البريدي في بلغاريا، وسجّلها في مولدوفا، وهي دولة غير ساحلية في أوروبا الشرقية تشتهر بأنها تقدم علمها بسهولة لأي سفينة وتطبق تنظيمات متراخية على السفن التي ترفع علمها.
ولهذا السبب، عمل من خلال شركة أخرى من شركاته، واسمها “جيوشيب” Geoship، وهي واحدة من عدد قليل من الشركات المعترف بها رسمياً التي تقدم أعلام مولدوفا لمالكي سفن أجانب.
ومن ثم، منحت شركة أخرى يملكها مانولي، مقرها هذه المرة في جورجيا، شهادة للسفينة بأنها صالحة للإبحار على الرغم من أنها كانت في حالة سيئة إلى درجة أنها حُجِزت في إسبانيا بعد أيام. وكان غريشوشكين تخلى عن السفينة في لبنان بعد ما أعلن إفلاسه.
أثناء رحلة “روسوس” الأخيرة، كان مانولي مديناً لـ”إف بي إم إي” (FBME)، وهو مصرف يملكه لبنانيون ما لبث أن أُغلِق بسبب جرائم مزعومة تتعلق بغسل الأموال، ومساعدة “حزب الله”، وشركة مرتبطة بالأسلحة الكيماوية في سوريا.
وفي مرحلة ما، عُرِضت “روسوس” كضمان للمصرف. كان العميل النهائي لنيترات الأمونيوم المحملة على متن السفينة، مصنع متفجرات موزمبيقي، ينتج متفجرات تجارية اشترى الشحنة من جورجيا، عن طريق شركة بريطانية للوساطة التجارية ترتبط على ما يبدو بأوكرانيا، وهي جزء من شبكة من الشركات يُزعم أنها تزود جماعات إرهابية وتورطت في الاتجار بالأسلحة. ولم يحاول المصنع المطالبة بالمواد المهجورة أبداً.
حاولت الجهة الوسيطة للشحنة، وهي شركة بريطانية كانت خاملة في ذلك الوقت، المطالبة بالمتفجرات. فأقنعت “سفارو ليميتد” (Savaro LTD) أحد القضاة اللبنانيين عام 2015 بإجراء اختبار لجودة نيترات الأمونيوم بنية المطالبة بها. وتبين أن المخزون في حالة سيئة، ولم تحاول الشركة البريطانية استعادة الشحنة في نهاية المطاف.
علاقة السفينة “روسوس” بـ FBME
تكشف وثائق عرضها موقع OCCRP Organized Crime And Corruption Reporting Project أنه قبل سنتين فقط من الرحلة النهائية لـ”روسوس”، حصل المالك على قرض بقيمة 4 ملايين دولار من “إف بي إم إي”، وهي مؤسسة مالية مسجلة في تنزانيا تعمل أساساً عن طريق فرعها في قبرص، الذي أُغلِق منذ ذلك الحين، بزعم أنه عمل كمصرف رئيس لجماعات وأفراد مرتبطين بالجريمة المنظمة والإرهاب، وانتشار الأسلحة.
أخذ مانولي القرض في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 لتمويل شراء سفينة أخرى، أي “إم في ساخالين”، كما تظهر السجلات. وبعد شهر واحد فقط، تخلفت شركة مانولي في بيليز (دولة في أميركا الوسطى)، “سيفورس مارين ليميتد” (Seaforce Marine Limited)، (أي شركة مانولي البحرية)، عن السداد الأول، كما أظهرت سجلات المحاكم.
ورد مانولي بوضع “روسوس” كضمان إضافي. وفي مارس (آذار) 2012، حصل “إف بي إم إي” على قرار بتجميد الممتلكات العقارية لمانولي في قبرص، بعد ما سمع أنه ينوي بيع “روسوس”.
وتظهر السجلات الداخلية لـ”إف بي إم إي”، التي حصل عليها مشروع OCCPR أن أكثر من 962 ألف دولار من ديون “سيفورس”، كانت لا تزال غير مدفوعة حتى 5 أكتوبر (تشرين الأول) 2014، مما يعني أن الدين كان لا يزال جارياً عندما قامت “روسوس” برحلتها الأخيرة.
FBME المصرف المشبوه
وفي ديسمبر (كانون الأول) من عام 2017 نشرت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية تقريراً تضمن مجدداً اسم مصرف (FBME)، ويقول إن مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” طلب من مسؤولين في قبرص إمداده بمعلومات مالية تتعلق ببنك متوقف، استخدمه روس أثرياء لديهم علاقات سياسية، واتهمته الحكومة الأميركية بغسيل الأموال.
وأكد أشخاص مطلعون على طلب الـ”إف بي آي” أن المحققين الفيدراليين ووزارة الخزانة الأميركية سعوا إلى الحصول على معلومات مفصلة من البنك المركزي القبرصي، في نوفمبر (تشرين ثاني) 2017، عن بنك “إف بي إم إي” الذي أغلق في وقت سابق من العام نفسه.
وعلى ما يبدو أن الطلب كان مرتبطاً باستجواب روبرت مولر، المستشار الخاص الأميركي الذي يحقق في مؤامرة محتملة بين حملة دونالد ترمب الرئاسية عام 2016 والكرملين، وبول مانافورت، مدير حملة ترمب السابق، والمال الذي تدفق بين الدول السوفياتية السابقة والولايات المتحدة من خلال البنوك القبرصية.
لكن بنك قبرص المركزي رفض التعليق حينها، وهو من وضع “إف بي إم إي” عام 2014 تحت الإدارة، وحصل على إمكانية الوصول الكامل إلى بيانات البنك، كما رفض مكتب المستشار الأميركي التعليق.
وبحسب الصحيفة، نفى “إف بي إم إي” بشدة اتهامات أنه كان قناة لغسل الأموال وغيرها من الأنشطة الإجرامية، وأصدر مالكاه، اللبنانيان أيوب فريد صعب وفادي ميشال صعب، بياناً عقب سلسلة من المقالات المهمة الأخيرة حول البنك ونفى كل مخالفاته.
بنك فيدرال لبنان وعلاقته بـ FBME
تأسس بنك فيدرال لبنان (Federal Bank of Lebanon) عام 1952 على يد ميشال أيوب صعب، ويعتبر من أحد أقدم المصارف اللبنانية، حيث يحتل المرتبة 16 من بين أول 20 مصرفاً مرخصاً في لبنان. وبعد وفاة المؤسس، انتقلت ملكية غالبية أسهم FBL مناصفة إلى كل من أيوب فريد صعب وفادي ميشال صعب. في عام 1982، تأسس البنك الفيدرالي للشرق الأوسط FBME في قبرص كشركة تابعة للبنك الفيدرالي اللبناني.
وفي عام 1986، قام البنك الفيدرالي للشرق الأوسط بتغيير بلد التأسيس إلى جزر كايمان، وتحول وجوده المصرفي في قبرص إلى فرع لكيان جزر كايمان.
منذ عام 1993 كان لديه مكتب تمثيلي في موسكو. وفي عام 2003، أنهى البنك الفيدرالي للشرق الأوسط وجوده المصرفي في جزر كايمان، وأنشأ الشركة الأم، والمقر الرئيس التشغيلي في تنزانيا. في الوقت نفسه، أصبحت عملياته في قبرص فرعاً للبنك الفيدرالي للشرق الأوسط، تنزانيا.
والمصرف الذي أسسته عائلة صعب اللبنانية، توقف عملياً عن العمل بعد ما فرضت عليه الحكومة الأميركية عقوبات منتصف عام 2014. المصرف التنزاني المملوك من شركة FBME LTD، أي “بنك فيدرال الشرق الأوسط المحدودة”، وهي شركة هولدنغ، تملك أيضاً “فيدرال بنك لبنان”، إضافة إلى FBME. وكان من بين عملائه، وفق وزارة الخزانة الأميركية، ممول لـ”حزب الله”، فضلاً عن أحد شركاء “الحزب” وشركته في تنزانيا، وعملاء يمثلون شركة واجهة مزعومة للجهود السورية للحصول على أسلحة للدمار الشامل.
العلاقة بحزب الله
توقف بنك FBME عن العمل، بعد أن ألغى البنك المركزي القبرصي ترخيص فرعه في قبرص عام 2015، واتبع بنك تنزانيا إجراءً مماثلاً ضد البنك الأم في عام 2017. وكانت وزارة الخزانة الأميركية، وفي تقرير لها أوردت أن البنك تلقى إيداعات بمئات آلاف الدولارات تعود إلى “حزب الله”، فضلاً عن مزاعم أخرى تتصل بعدد من الصفقات المشبوهة لنجل رئيس أفريقي وعمليات ترتبط بالمخدرات وجرائم الابتزاز الجنسي والقمار عبر الإنترنت، والشركات الوهمية، كانت حصلت بين عامي 2006 و2014.
واستدعى ذلك توجيه اتهامات بتبييض الأموال إلى بنك FBME المعروف سابقاً باسم “فيدرال بنك الشرق الأوسط” عام 2014. يذكر أن فادي صعب توفي في الخامس من شهر أبريل (نيسان) من عام 2020 وفقاً لنعي على الإنترنت ومصادر قريبة من البنك.
البنك المركزي القبرصي
في المقابل، كان البنك المركزي القبرصي في يوليو (تموز) من عام 2014، أعلن عن تشكيل لجنة مهمتها وضع العمليات المالية والمصرفية لبنك (FBME) المملوك لمجموعة “صعب” المالية اللبنانية تحت المراقبة، وتعيين إدارة مؤقتة لفرع المصرف في الجزيرة بموجب صلاحياته، بعد حظر وزارة الخزانة الأميركية التعامل مع المصرف، واتهامه بتبييض الأموال والقيام بصفقات عدة مشبوهة ومخالفات قانونية، وتسهيل تأمين التمويل لـ”حزب الله” بين عامي 2006 و2013، الأمر الذي نفاه المصرف بشكل قاطع.
وأكد رئيس جمعية المصارف آنذاك الدكتور فرنسوا باسيل، أن “فيدرال بنك لبنان” هو مصرف سليم مئة في المئة ولا توجد أي شكوك حول أدائه، مؤكداً المعلومات التي أشارت إلى عدم وجود أي ترابط إداري أو مالي أو تنظيمي بين المصرف اللبناني ومصرف FBME الذي يخضع للقوانين المصرفية والتنظيمية لثلاثة مصارف مركزية، وهي المصرف المركزي التنزاني، والمركزي الروسي والمركزي القبرصي.
وبالتالي مصرف FBME ليس مصرفاً لبنانياً، ولا يخضع لرقابة وقوانين مصرف لبنان المركزي، على الرغم من أن مالكي هذا المصرف لبنانيون، وهم أيضاً مالكو بنك فيدرال لبنان، بحسب رئيس جمعية مصارف لبنان في ذلك الوقت.
يذكر أن مسؤولين سنغاليين أعلنوا أن نحو 2700 طن من نيترات الأمونيوم وهي كمية تعادل تلك التي سببت الانفجار الهائل في بيروت، سترسل إلى مالي وهي مخزنة حالياً في ميناء دكار.
نقلاً عن “اندبندت عربية”