خيانة القدس* عبدالله المسباح

النشرة الدولية –

1973 كان آخر عام للوحدة والاتفاق العربي حين اتفقوا على أن يتحدوا ووضعوا مصلحة الأمة العربية فوق كل اعتبار، وسخروا كل إمكاناتهم العسكرية والاقتصادية لنصرة كلمتهم وقضاياهم وفرضوا رأيهم واحترامهم على دول العالم، ونجحوا نجاحا لم يسبق له مثيل في فرض أنفسهم كيد واحدة وأصبحوا بمنزلة سد منيع لأعداء الأمة، بل وأصبحوا القوة العظمى السادسة التي يعمل لها ألف حساب عندما تتم مناقشة قضاياهم في المحافل الدولية.

 

ولكن وللأسف الشديد لم يستمر الحال طويلا وبدأت لبنات هذا السد المنيع تتهاوى عندما بدأت الفئران تنهش في أساساته وبكل زاوية من زواياه بمسمع ومرأى أعين العرب حتى تفكك وانهار كما انهار سد مأرب العظيم، ويجب أن نكون واقعيين ونصارح أنفسنا بأن هذا السد أصبح من المستحيل إعادة بنائه، ويجب ألا نكابر وأن نعترف بأننا أصبحنا كعرب ضعفاء، ولم تعد دول العالم حتى الضعيفة منها تكنّ لنا الاحترام، الا اذا كانت فقط بحاجة الى دعم مالي أو قروض مالية من الدول النفطية.

 

في ستينيات القرن الماضي تعالت أصوات تنادي برمي الإسرائيليين في البحر، واليوم نفس الأصوات تستجدي الإسرائيليين للموافقة على فتات من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن لمنحهم جزءا من الأرض تكون موطئ قدم للفلسطينيين للعيش عليها، يجب أن نصحوا من الغفلة، وندرك أن الكلمة الأخيرة والبقاء للأقوى، وحتى نصبح أقوياء نحتاج الى معجزة من السماء تساعدنا على ذلك.

 

ومن الأسباب التي ساهمت في تفكك اللحمة العربية هي تدخل بعض الحكومات العربية في شؤون وقرارات الدول الأخرى وكأنها قد فرضت وصية عليها، وقد عانت الكويت كثيرا من التدخل في قراراتها الحكومية والشعبية، مثل ما حدث بعد حرب تحرير الكويت حين اتهم بعض العرب الكويتيين بالجفاء والقسوة والمبالغة بمقاطعة العراق، وطعنوا بنواياها عندما أخذت موقف الحياد للصلح بين دول مجلس التعاون، وآخرها انتقاد الرفض الشعبي للتطبيع مع الكيان الصهيوني، فمبدأ التدخل في قرارات الدول الشقيقة أو الصديقة مرفوض بكل المقاييس، حتى لو لم تتفق معهم في الرأي.

 

وفي الآونة الأخيرة قررت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة التطبيع مع إسرائيل، قد تتفق وقد لا تتفق مع هذا القرار، لكن لا يحق لأي شخص أن يوجه سهامه المسمومة وانتقاداته العفنة لحكومة الإمارات، فهذا قرار سيادي، وقيادة الإمارات وحدها هي من تقرره بما يتوافق مع مصالحها، وما لفت نظري في هذا السياق هو اعتراض أردوغان على الاتفاق والرئيس الفلسطيني محمود عباس والذي اعتبر أن قرار الإمارات في التطبيع كطعنة في ظهر القضية الفلسطينية وقرر سحب السفير الفلسطيني من أبوظبي.

 

وأنا أقول للمنتقدين إن الإمارات عمرت مدناً فلسطينية كثيرة ودعمت الاقتصاد والقضية الفلسطينية لسنوات طويلة، وأن من خان القضية الفلسطينية هو من باع الأراضي الفلسطينية لليهود مطلع القرن الماضي، فلم تكن تزيد ملكية اليهود على 5.7% من أراضي فلسطين حين صدر قرار التقسيم في 29/11/1947، من خان القضية هو من وقف مع صدام وتسبب في ترحيل أكثر من نصف مليون فلسطيني من الكويت وتسبب في قطع أرزاقهم، وأي إهانة للإمارات ستظلم ربع مليون فلسطيني يعيشون بسلام فيها يحولون مليارات الدراهم لأهلهم في الشتات، من خان القدس هو من قسّم فلسطين إلى دولتين واغتصب السلطة من غزة بعد الفوز بالانتخابات فقتلتم وخونتم بعضكم بعضا، وأضعتم مليارات الدولارات من التبرعات للشعب الفلسطيني، من خان القضية الذين لا يسافرون إلا بطائراتهم الخاصة وبنوا القصور وأمنوا مستقبل أبنائهم الذين يعيشون في أوروبا على حساب الشعب الفلسطيني المقهور في الأراضي المحتلة، ومن كان بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجر.

زر الذهاب إلى الأعلى