كورونا والدولار عطلا صحف السودان وشردا مئات الصحافيين

النشرة الدولية –

لم يستثنِ الانهيار المتواصل للاقتصاد السوداني أحداً من الأنشطة الاقتصادية، بسبب ارتفاع سعر العملات الأجنبية في السوق الموازية إلى معدلات قياسية، إذ بلغ سعر الدولار أكثر من 200 جنيه سوداني مقابل 55 جنيهاً في المصارف الرسمية، وهو ما ألقى بظلاله على الحياة اليومية، والسلع المختلفة بارتفاع أسعارها مرات عدة، لكن الوضع كان مختلفاً بالنسبة للصحف الورقية التي بدأت تتساقط يومياً كأوراق النباتات في فصل الخريف، إذ تشهد هذه الساحة وضعاً مأساوياً، مما أجبر عدداً من الصحف اليومية على التوقف نهائياً، واتجاه الآخر لترتيب أوضاعه بتخفيض عدد العاملين، مما تسبب في تشريد مئات الصحافيين السودانيين.

وفي هذا الصدد، يقول رئيس تحرير صحيفة “المجهر” صلاح حبيب التي أعلنت توقفها الخميس، 27 أغسطس (آب) عن الصدور، “بالتأكيد، أننا تلقينا خبر تعليق صدور الصحيفة، بحزن لا يوصف لارتباطنا الوجداني العميق بهذه الصحيفة وطاقمها الإداري والتحريري، فالقرار كان مؤلماً لأنه أنهى مشوار نجاح مشروع استمر ثماني سنوات، لكن استقبل معظم العاملين القرار بصدر رحب، من دون تذمر، لأنه جاء بسبب الظروف الاقتصادية المتردية التي أدت لارتفاع تكلفة الطباعة ستة أضعاف خلال فترة وجيزة، بسبب زيادة سعر الدولار بشكل يومي، مما جعل من الصعب مواكبة هذه الزيادة العالية، على الرغم من أننا استبشرنا خيراً بعد معاودة الصدور بعد التوقف القسري بسبب كورونا لأربعة أشهر، لكن فرحتنا لم تكتمل لمدة يومين لتعلن الإدارة تعليق الصدور نهائياً”، ولفت إلى أن الصحيفة سلّمت جميع الصحافيين البالغ عددهم 80 صحافياً خطابات إنهاء الخدمة وصرف مستحقاتهم المالية.

أضاف حبيب لـ”اندبندنت عربية”، “أصبحت تكلفة الصحيفة عالية جداً، واتجهت المطابع لتحديد أسعارها حسب سعر الدولار في السوق الموازية يومياً، لذلك رفعت الصحف في الآونة الأخيرة سعر النسخة من 10 جنيهات إلى 25 جنيهاً (0.25 دولار)، كما خفضت عدد النسخ لأكثر من 50 في المئة، فمثلاً كانت صحيفتنا تطبع قبل أزمة كورونا 40 ألف نسخة يومياً، تراجعت إلى 14 ألف نسخة لآخر عدد قبل توقفها، ومع ذلك لم تستطع الصمود في ظل انعدام الإعلان الحكومي، وكذلك إعلانات القطاع الخاص بسبب الظروف الاقتصادية، وبالتالي تكبد الناشرون خسائر كبيرة، وهو ما قاد البعض لاتخاذ قرار التوقف حتى لا يستنزف أمواله ويصعب منح العاملين مستحقاتهم”، وبيّن أنه حسب مخطط الإدارة ستتجه الصحيفة للصدور إلكترونياً بعدد محدود من العاملين، في الوقت الذي ظل القراء يلاحقون إدارتها بضرورة الاستمرار في الصدور لكونها تهتم بقضاياهم وهمومهم.

ويوضح حبيب أن ما يحدث للصحافة السودانية أمر مؤسف، لكن الظاهر أن الصحافة قد يبدو أنها ليس من أولويات الدولة، لأنه لا يعقل أن تقف متفرجاً وكل يوم تتساقط صحيفة تلو الأخرى، وقد لا أتفاجأ إذا “صحيت” من النوم يوماً ولم أجد صحيفة صادرة في الخرطوم، فكان أولى أن تقوم الدولة بدعم الصحف من خلال خفض الضرائب على الطباعة وصناعة الصحافة في ظل ما تشهده البلاد من تدهور اقتصادي، فلا يعقل أن يتحمل الناشرون هذا العبء وحدهم، وهم يقدمون خدمة معرفية لا تقدر بثمن، لا سيما وأن القارئ السوداني يعرف عربياً بأنه من محبي الاطلاع والمعرفة. وطالب حبيب وزير الثقافة والإعلام بتنفيذ وعوده مع ناشري الصحف حفاظاً على استمرارية الصحافة ورسالتها، لافتاً إلى أن هناك عدداً من الصحف اليومية بدأت إجراءات تقشفية لتقليل مصروفاتها من خلال تخفيض عدد العاملين، وتقليص عدد صفحاتها، بينما تستعد صحف أخرى للتوقف خلال أيام بعد أن أخطرت العاملين بها قرارها.

من جهته، أشار رئيس تحرير صحيفة “آخر لحظة” السودانية أسامة عبد الماجد لـ”اندبندنت عربية”، إلى أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة ووباء كورونا أثرا بشكل كبير على مجريات الحياة اليومية وأوضاع الناس المعيشية وغيرها، ومن بينها الصحافة التي ظلت تعمل في ظروف بالغة التعقيد بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج بالنسبة للطباعة، مقابل دخل زهيد سواء من التوزيع أو الإعلان، لافتاً إلى أن الصحافة لم تجد سنداً من الدولة على الأقل من ناحية إعفاء تكاليف الطباعة، وبعض التسهيلات الجمركية، على الرغم من الوعود التي أطلقها وزير الثقافة والإعلام خلال لقائه مع ناشري الصحف والتي تمثلت في تقديم التسهيلات اللازمة حتى تتمكن الصحف من تجاوز عقباتها الاقتصادية ومواصلة الصدور من دون توقف.

أضاف عبد الماجد “الصحف الورقية في البلاد تعاني الأمرّين، الزيادة المستمرة يومياً لتغطية نفقات الطباعة، وتحدي توفير رواتب الصحافيين والتي تعد أقل بكثير من رواتب العاملين في القطاع العام بعد الزيادات التي أحدثتها الدولة، أخيراً، بنسبة تجاوزت 500 في المئة، وهو ما جعل كثيرين من الصحافيين يطالبون ملّاك الصحف بأن تكون رواتبهم متوازية مع موظفي الدولة، وهي مسألة ندرك أنها صعبة جداً، ولن تتمكن أي صحفية من الإيفاء بها بالنظر لما تواجهه من تحديات تفوق إمكانياتها، فضلاً عن ذلك ضعف المردود المادي من الإعلان، بل انعدامه تماماً، خصوصاً الإعلان الحكومي بسبب الانهيار الاقتصادي، إذ توقفت أنشطة الدولة من مؤتمرات وفعاليات مختلفة، وكذلك الحال بالنسبة للقطاع الخاص الذي تأثر كثيراً بقلة نشاط القطاع الحكومي، فتوقف عن الإعلان في الصحف الورقية إلا نادراً”.

وعن موقف صحيفتهم التي ما زالت تواصل الصدور من تلك الصعوبات، أجاب عبد الماجد، “بالطبع نشعر بالتحديات التي تواجه صناعة الصحافة الورقية، وأعتقد أن الخطر قريب جداً، لذلك بدأنا نفكر في وضع ترتيبات داخلية، لكن لم تتضح الرؤية حول مدى طبيعتها لأنها مسائل تتعلق بمجلس الإدارة باعتباره المعني بالموقف المالي ومدى استطاعته تحمل هذا العبء من عدمه”، موضحاً أن المزاج السوداني الذي كان مرتبطاً بالصحافة الورقية تعب من توقفها بسبب انتشار كورونا، مما جعل كثيرين يلجأون إلى عالم الـ”واتساب” لممارسة هواياتهم في ظل ارتفاع أسعار شراء الصحيفة بنسبة فاقت 50 في المئة، وبالتالي تخلصوا من عبء مادي ومزاجي كبيرين، لكنه يعتقد وآخرون أن الصحافة الورقية في السودان ستتلاشى مع نهاية العام الحالي 2020، وعلى أقصى تقدير مع نهاية فترة الحكومة الانتقالية الحالية.

ومن ناحيته، قال ناشر صحيفة “المجهر” الهندي عز الدين على إثر توقف صحيفته عن الصدور، “ظلت الصحف الورقية تتعرض لخسائر يومية خلال السنوات الأخيرة، لأسباب عديدة ومختلفة، سياسية وأمنية واقتصادية. فالرقابة الأمنية القبلية خلال العقدين الماضيين من حكم النظام السابق أزعجت الصحف بقسوة، وجعلتها تتحرك في مساحات محدودة ومحسوبة، مما أدى إلى تراجع كميات المطبوع منها ونسبة التوزيع، ثم عمدت سلطات ولاية الخرطوم خلال السنوات الخمس الماضية إلى إزالة المئات من المكتبات وأكشاك التوزيع التي تمثل منافذ توزيع الصحف، بحجة تجميل شوارع الخرطوم، بينما عادت وصدقت على أكشاك لبيع رصيد شحن الجوالات، مما يؤكد أن القرار كان سياسياً وأمنياً لتحجيم انتشار الصحف”.

أضاف “غير أن الوضع الاقتصادي المتدهور باستمرار منذ سقوط نظام البشير في أبريل (نيسان) 2019 وإلى يومنا هذا، ظل هو العامل الأساس في إزهاق أرواح الصحف، واحدة بعد أخرى، فقبل عام بالضبط كان سعر طنّ الورق 70 ألف جنيه سوداني، بينما سعره اليوم أكثر من 170 ألف جنيه سوداني، أي بزيادة أكثر من 100 في المئة، كما ارتفعت قيمة التشغيل بالمطابع نحو ست مرات، قياساً على ما كان عليه الحال في أبريل الماضي مع بداية الحظر الشامل بسبب كورونا، ووفقاً لهذه المؤشرات، فإن كل الصحف الصادرة في الخرطوم اليوم خاسرة بلا استثناء بدءاً من الصحيفة الأعلى توزيعاً وإلى أدنى الصحف انتشاراً”.

ومن الجدير ذكره، أنه كانت تصدر في الخرطوم قبل كورونا 25 صحيفة ورقية، منها 17 صحيفة سياسية يومية، وواحدة اجتماعية، وسبع صحف رياضية، لكن بعد إعلان السلطات السودانية تخفيف القيود الصحية في البلاد عاد نحو أقل من نصف الصحف إلى الصدور، في ظل أوضاع مالية متردية بسبب ارتفاع صناعة الصحافة بشكل عام، مما أدى إلى توقف معظمها مرة أخرى وإنهاء خدمات موظفيها.

ومعلوم أن تاريخ الصحافة الحديثة في السودان بدأ بصدور صحيفة “السودان” سنة 1903 التي صدرت نصف شهرية بواسطة بعض الشوام الذين يعملون في البلاد آنذاك، بينما تعد صحيفة “النيل” الصحيفة السودانية اليومية الأولى التي ترأس تحريرها الصحفي المصري حسن صبحي.

نقلاً عن موقع “اندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button