الشعر النسائي في أميركا اللاتينية
النشرة الدولية –
ذهب جل اهتمام المترجمين العرب إلى ترجمة الرواية والقصة القصيرة في أميركا اللاتينية، هذا فضلا عن الدراسات النقدية التي واكبت التاريخ الأدبي عامة وخاصة بكبار كتابي الرواية والقصة، فيما ندرت تلك الترجمات الخاصة بالشعر والشعر النسائي خاصة ملامحه وتجلياته الفنية والجمالية والإنسانية، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب “الشِعْرُ النِسائي في أمريكا اللاتينـية.. دراسة ونصوص” للكاتب الأرجنتيني خايمي عمر بيليزير الذي يضم مختارات شعرية لأبرز الشاعرات ترجمها وقدم لها الشاعر والمترجم د.طلعت شاهين وصدرت أخيرا عن دار خطوط وظلال الأردنية.
استعرض شاهين في مقدمته الأدوار التي لعبتها المرأة في أميركا اللاتينية مؤكدا أنها لعبت – ولا تزال – دورا مهما في النضال من أجل حصول شعوبها على حريتها التي فقدتها طوال عصور الاستعمار.. ورأى أن دور المرأة المعاصر في أميركا اللاتينية ليس إلا امتدادا لدورها القديم، فنراها اليوم تزرع وتحصد وتربي النشء الجديد، وتقاتل مع الرجل جنبا إلى جنب في حركات التحرر التي تجري الآن في بعض مناطق تلك البلاد التي لا تزال محرومة من الحرية، أو ترزح تحت حكم العسكر من عملاء الاستعمار، ومنهن المئات من المُعتقلات في العديد من سجون الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة هناك، وصورهن بارزة بين الذين تختطفهن تلك الأنظمة وتتخلص منهن خوفا من خطورتهن، بل منهن من تقود حركة النضال في بلادها، غير مبالية بالمعاناة التي يمكن أن تجرها إليها، كما تفعل حاليا “روجوبرتا مونتشو”، تلك المرأة ذات الأصول الهندية الأصيلة، التي تحمل شالها المرصع بألوان الطيف وتقود حركة النضال في جواتيمالا، مطالبة بحقوق “الهنود الحمر” أصحاب البلاد الأصليين، الذين حرمهم الحكام حتى من أبسط حقوق الإنسان العادي، وهو حق امتلاك الأرض واختيار ممثليهم في برلمان بلادهم الذي يرفع راية الديمقراطية، في الوقت الذي يمنع سكان البلاد الأصليين من حق ممارسة التصويت في الانتخابات، لذلك لم يكن حصولها على جائزة نوبل للسلام من فراغ، ولم يوقفها اغتيال والدها وخطف ابن شقيقها الطفل من النضال، فهي تعرف أن قَدَرَها هو النضال، لذلك لم يكن غريبا أن يكون للمرأة في أميركا اللاتينية دورها الفعال أيضا في عالم الإبداع الفني، أو الأدبي.
وقال إن “فوز الشاعرة التشيلية “جابرييلا ميسترال” بجائزة نوبل الآداب عام 1945 لم يكن مفاجأة للمطَّلِعين على دور المرأة في تلك البلاد، التي لا يزال الكثير من جوانب حياتها مجهولاً بالنسبة لنا في العالم العربي، بل أن نقاد ذلك الأدب اعتبروا فوزها تكريما ليس لشعرها فحسب، بل لكل كاتِبات تلك البلاد، اللاتي يكتُبن باللغة الإسبانية أو “القشتالية” كما يحبون تسميتها، منذ أن انتشرت لتكون اللغة الأم بعد الفتح الإسباني.
وأكد شاهين أن “المتابع لتطور كِتَابة المرأة للشِعْر في أميركا اللاتينية، يكتشف أن هذا الفن وُلِدَ في هذه اللغة مبكرا، حيث نجد أن أول ما تمت كتابته من شِعْر المرأة يعود إلى الشاعرة المتصوفة المُتَرَهْبِنة “سور خوانا إينيس دي لا كروث” في القرن السابع عشر، وربما كانت هناك أشعارٌ أخرى مكتوبة قبل هذا التاريخ لنساء شاعِرات من تلك البلاد، ولكن انتماء هذه الشاعرة إلى إحدى الجماعات الدينية، وتصوفها كانا سببا – في رأينا – في أن يحفظ لنا التاريخ كتاباتها، خاصة إذا عرفنا أنها كانت تقيم في أحد أشهر معاقل الكاثوليكية في البلاد الجديدة”.
وأضاف “ثم توالت مشاركة المرأة في حركة مجتمعها المتطور، وأبدعت في العديد من مجالات الفنون، ولكن الناقد/ الرجل تعامل مع إبداعها الأدبي، على أنه إبداعٌ مكملٌ لإبداع الرجل، ولم يكن هناك سوى القليل من الأسماء الشاعرات التي كانت تتضمنها المختارات التي تصدر عن دور النشر المتخصصة للتعريف بتطور الشعر في كل مرحلة من مراحل تطوره الطويلة، وكان يتم تخصيص مختارات هامشية لرصد شِعْر المرأة في أميركا اللاتينية، باعتباره ظاهرة هامشية من مظاهر الإبداع هناك، ولم يغفر للمرأة الشاعرة فوز جابرييلا ميسترال بجائزة نوبل للآداب قبل غيرها من شعراء جيلها، لتكون أول امرأة شاعرة تفوز بهذه الجائزة العالمية.