الطاقة المتجددة في مصر بين تحديات الإنتاج وفرص الموارد
كتب: أحمد سبع الليل – القاهرة
عاد محمد أحمد صاحب الـ 35 عامًا إلى منزله فى تمام الساعة 6 مساء يوم الأحد الموافق 28 ديسمبر 2013 ليجد الكهرباء مقطوعة، فتوجه إلى زوجته سارة بالسؤال منذ متى والكهرباء منقطعة هكذا؟ ؛ لترد زوجته ساره: “منذ الساعة العاشرة صباحًا”؛ لم تسطتع الزوجة إعداد طعام الغذاء، فضلا عن ممارسة أنشطتها المنزلية المعتادة.
يقول محمد وهو يعمل مهندس اتصالات: إن إنقطاع الكهرباء يمثل شعور سئ للغاية بالنسبة لمواطن يعيش فى بلد يتمتع بجميع مقومات التنمية، فضلا عن توقف الأنشطة االتجارية والصناعية، والحياة بكافة أشكالها، الشمس ساطعة طوال العام، تسأل “محمد”: “لماذا لا تحول مصر الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية؟”، ليأتى الجواب عمليًا فى أواخر عام 2019، حيث افتتاح أكبر مجمع للطاقة الشمسية فى “بنبان” بمحافظة أسوان بجنوب مصر، هذا المشروع العملاق الذى يأتى ضمن استراتیجیة الطاقة المستدامة والتي تسعى الحكومة المصریة لتطبیقھا بحلول عام 2035 على أھمیة الطاقة المتجددة وتسعى مصر لزیادة كمیة الطاقة الكھربائیة المولدة من مصادر متجددة إلى 20 % بحلول عام 2022 ونسبة 42 % بحلول 2035، حيث ستقوم مصر في نھایة الخطة بتولید 61 جیجاواط من الطاقة المتجددة والتي ستشكل الطاقة الشمسیة 31 جیجاواط منھا، والطاقة الشمسیة المركزة ستشكل 12 جیجاواط في حین تمثل طاقة الریاح ما تبقى وھو 18 جیجاواط وذلك وفق خطة مصر لعام 2035.
ويؤكد البروفسيور محمد صلاح السبكى رئيس هيئة الطاقة المتجددة الأسبق، والرئيس المؤسس لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء، وأستاذ تخطيط الطاقة بكلية الهندسة جامعة القاهرة، أن تكنولوجيا الطاقة المتجددة أصبحت منافسة للغاية مقارنة بتكلفة الطاقة التقليدية، وعلينا أن نجد السيناريوهات التى نستطيع من خلالها تشغيل مصادر الطاقات المتجددة بطريقة تتكامل مع الطاقات التقليدية الموجودة، ايضًا لابد من تطوير التكنولوجيات التخزينية للطاقة المتجددة بصورة اقتصادية.
وتابع “السبكى”، هناك ايضًا عدد من التحديات الأخرى لكن يمكن تحويلها إلى فرص واعدة، كتصدير الطاقة المتجددة إلى البلدان الأخرى خاصة مع إمتلاك بلاد المنطقة العربية إلى خبرات جيدة في مجال الطاقات المتجددة مثل مصر والمغرب والأردن وتونس، كما أصبح لمصر خبرات في طاقات الرياح والطاقات الشمسية من الخلايا الفولتضوئية والطاقة الشمسية الحرارية؛ نستطيع من خلال هذه الخبرات العمل على زيادة فرص التنمية الإقتصادية فى عدة مجالات:
اولاً: التصدير إلى أوروبا بصفة عامة، وهو ما يوفر عملة صعبة بمبالغ طائلة.
ثانيا: إنشاء مشروعات للطاقات المتجددة فى إفريقيا وتصدير الطاقات المتجددة إلى إفريقيا، وهذا له استراتيجي كبير للغاية.
ثالثًا: زيادة فرص التصنيع المحلى والتى تعد إضافة اقتصادية قوية جداً لاقتصاديات مصر والدول العربية بصفة عامة، ايضًا لابد من التكامل بين البلدان العربية من أجل زيادة هذه الفرص.
وأردف “السبكى”، أن التصنيع قادم لا محالة لكنها مسألة وقت، وفيما يتعلق بتصنيع الخلايا الشمسية فهذه التكنولوجيا مكلفة للغاية وتحتاج إلى إستثمارات ضخمة على مراحل كثيرة، ومصر بدأت فى إنتاج أجزاء معينة من خلايا الطاقة الشمسية وتحديدا مراحل التجميع (المرحلة الرابعة والخامسة) وهناك الكثير من المصانع الآن الخاصة والحكومية فى هذا الصدد، لكن الأهم الآن هو وجود الأسواق اللازمة خاصة فى ظل المنافسة العالمية الشديدة خاصة من دول شرق آسيا، وهذا يتطلب فتح شراكات مع هذه الدول لبناء مصانع وبالتالى تبادل الخبرات ونقل التكنولوجيات باهظة الثمن إلى مصر، ايضًا فتح أسواق واعدة مع هذه الدول المتفوقة فى هذا المجال.
أبرز محطات الطاقة المتجددة تشريعيًا
كما أشار إلى أن مصر تمتلك الكثير من التشريعات وبعضها غير مفعل، ولا بد من تفعيلها أولا ثم النظر إلى الإحتياجات الجديدة، فمصر على المستوى التشريعى تتميز بعدة تشريعات عن الكثير من دول العالم، أولا: المادة 32 من الدستور – الذى يعد أقوى تشريع فى الدولة – والتى تنص على:
المادة 32 من الدستور المصرى الحديث
ثانيًا: الآليات الأخرى فى القانون رقم 203 لسنة 2014، بالإضافة إلى الآالية الخمسة وهى “آلية الكوته”، والتى يمكنها العمل مع بعضها البعض من أجل بيئة أفضل للطاقة المتجددة.
بالإضافة إلى ذلك فهناك ما يقوم قطاع الكهرباء وجهاز تنظيم مرفق الكهرباء تحديدا، حيث يتم العمل على آليات جديدة تناسب إحتياجات السوق وتطوراته المستمرة، وإذا تم تطبيق هذه التشريعات جميعها لأن تحتاج مصر إلى تشريعات جديدة معنية بالطاقة المتجددة.
“فيديو حول أبرز محطات الطاقة المتجددة تشريعيًا”
من جانبه أكد المهندس وائل النشار، خبير الطاقة الشمسية ورئيس مجلس إدارة مؤسسة أونيرا سيستمز إحدى المؤسسات الرائدة في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، أن الوضع في مصر تأذم في الفترة لأخيرة، فقد كنا نعمل بشكل جيد بداية من عام 2014 وحتى عام 2016 ، وتغير الوضع بالتزامن مع التعديلات المدخلة على تعريفة الكهرباء، وإصدار وزارة الكهرباء كتاب دوري رقم 2 لسنة 2020 ويشمل هذا الكتاب على الاجراءات والاشتراطات الجديدة والتى تحد من الاستخدام بشكل كبير جدا، كما أن وزارة الكهرباء خلطة ما بين عدد من الإستخدامات.
ويقول “النشار” أن التعديلات الأخيرة عملت على إدخال شركات استثمار أخرى بين المواطن والحكومة، بحيث إذا كنت تولد كهرباء فى منزل ما فانت تبيع الكهرباء إلى هذه الشركات والتى تعمل على بيع الكهرباء للحكومة بنظام صافى تبادل الطاقة، وهو أمر خاطئ من وجهة نظرى، لأن هذا ليس صافى تبادل الطاقة، وبالتالى العمل هنا على إدخال طرف ثالث فى المعادلة، مضيفًا: أن الكتاب شمل ايضًا إضافة ما يسمي بمقابل الدمج ومعناه بإختصار إذا كنت مواطنًا وقومت بتوليد الكهرباء من ألواح شمسية فى منزلك أو شركتك، واستطعت بنهاية الشهر فى توفير الكهرباء فستقوم شركة الكهرباء بأخذ جزء من هذه الكهرباء التى تم توفيرها وهو ما يعرف بمقابل الدمج.
وأوضح “النشار”، أن هناك عدد من المطالب لشركات الطاقة الشمسية فى مصر، أولها أن يتم فصل الآليات عن بعضها البعض، مع وضع تعريفات مناسبة للمصطلحات المختلفة فمصطلح “صافى تبادل الطاقة” وهو ما وفره المواطن من كهرباء مع ضرورة عدم إدخال طرف ثالث بين المواطن والحكومة، وإذا كان هناك طرف ثالث فيمكن أن يكون بنظام “المنظمون المستقلون” أو ما يعرف باسم “ITP”، كما أن مصطلح “مقابل الدمج” غير موجود بالعالم ويجب تغييره إلى ما يسمي بـ “رسوم العبور” وهذا حق للدولة لأنك استخدمت جزء من شبكتها القومية فى عمليات إنتاجك للكهرباء.
كورونا والشركات العاملة فى قطاع الطاقة المتجددة
ويؤكد رئيس مجلس إدارة مؤسسة أونيرا سيستمز، نعم الشركات العاملة فى قطاع الطاقة المتجددة تأثرت بجائحة فيروس كورونا، كغيرها من القطاعات المختلفة، تمثل هذا التأثير فى قلة التركيبات نتيجة فترات الحظر وقلة الحركة، ايضًا قلة توريد الأدوات والمعدات اللازمة سواء أكانت محلية ام مستوردة.
وأردف “النشار”، أن هناك خلط واضح بين مفهوم “مزيج الطاقة” ومفهوم “الإكتفاء من الطاقة”، فمصر الآن وصلت لمرحة الإكتفاء الآمن من الطاقة ولديها ما يكفيها من حاجتها وزيادة خاصة مع تشغيل المحطات الجديدة للطاقة النظيفة، لكن لم تصل مصر بعد إلى المزيج الأنسب من الطاقة، وما زال هناك الكثير جدا من الإستخدام للطاقة من مصادر الغاز والفحم، مضيفًا أن هناك الكثير من الطاقة لكننا نفتقد إلى التنوع فى إستخدام المصادر المتجددة فى كافة القطاعات.
أبرز العوامل التى تحد من إنتشار الطاقة المتجددة فى مصر والوطن العربى
ويؤكد الدكتور أحمد حجازي رئيس جمعية مصر الخضراء، وباحث في هيئة الطاقة، أن الطاقة المتجددة هى السبيل الوحيد في العالم للخروج من المشاكل المتعلقة بالمناخ، وتعد الطاقة أساس أى تنمية فى الدولة لذلك تبنت العديد من الدول منذ فترات طويلة إستخدامات الطاقات المتجددة لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وهناك عدد من المشاكل التى تواجه الطاقة المتجددة في مصر والعالم العربي، ولعل أولى هذه المشكلات أن الدول العربية معظمها دول منتجة للطاقة الإحفورية (طاقة البترول)، وبالتالي فإن أسعار البترول فى الوطن العربى تختلف عن كل دول العالم، وبناء عليه فإن أغلى سعر لواحد لتر من البنزين فى بلد مثل مصر بنصف دولار تقريبا، وإذا تم مقارنة سعر هذا اللتر من البنزين مع دول إفريقية أخرى أو دول أوروبا سنجد أن سعر لتر البنزين لديهم يساوى 1 دولار تقريبًا، وهذا يجعل المستهلك فى مصر والدول العربية يفكر فى إستخدام البنزين والطاقة الأحفورية بوجه عام بدلا من إنشاء محطة شمسية مثلا، وهو ما يؤثر على سرعة نمو السوق المحلى للطاقة المتجددة، ويؤدي إلى مشاكل بيئية أكثر.
وتابع “حجازى”، أن المشكلة التانية التي تواجه مصر والدول العربية هى عدم وجود معايير ومقاييس محددة للأفراد والشركات المتخصصة فى تركيبات الطاقة المتجددة (المواصفات القياسية) وبالتالي يجعل الكثير من الشركات تدخل فى مجال إنشاء الطاقة المتجددة مثل الرياح والشمس بدون ما يكون لديها دراية أو أسس ومعاييز منضبطة تستطيع من خلالها العمل بالسوق المحلى، فتدخل العديد من الشركات للعلم بالسوق المحلى وتعمل على تقليل الأسعار لشراء أدوات ومعدات لتركيب الطاقة الشمسية مثلا بدون مواصفات قياسية جيدة، وهو ما يؤدي إلى فشل محطات الطاقة المتجددة وعدم القيام بدورها المطلوب منها، ولا تستمر المدة الزمنية المكررة لها وهى من 25 – 30 سنة إنتاج بدون مشاكل.
وأردف رئيس جمعية مصر الخضراء، أن المشكلة الثالثة التي تواجه مصر والدول العربية هى إنخفاض سعر الطاقة المتجددة أو أسعار مكونات الطاقات المتجددة في الدول المنتجة وإرتفاعها في الدول المستهلكة فعلى سبيل المثال نجد سعر الووات من الخلايا الشمسية يباع بسعر 19-23 سنت دولار فى الصين، ويصل مصر بسعر 40-50 وهذا فارق فى الأسعار كبير، ويجب على الدولة دعم مشاريع الطاقة المتجددة، وإتخاذ إجراءات صارمة بشأنها للحفاظ على مستوى سعر الطاقة المتجددة لتكون منافسة للطاقة الأحفورية المتوفرة بسهولة ورخيصة الثمن فى دولنا العربية، ورغم أن دول مثل مصر والسودان وتشاد وليبيا والسعودية لديهم وفرة كبيرة فى الشمس إلا أنهم لم يتستطيعوا إستخدام هذا المورد لديهم فى التنمية والإستثمار أو تلبية حاجتهم بصورة كافية.
مشاكل وتحديات تصنيع المعدات المستخدمة في إنشاء محطات الطاقة المتجددة
ويؤكد “الباحث في هيئة الطاقة”، أن مصر غير مؤهلة فنيًا لإنتاج ألواح الطاقة الشمية من الألف للياء، والصين تحتكر هذه الصناعة بصورة كبيرة للغاية، وتسمح الصين لبعض الدول مثل مصر بتجميع الخلايا فقط، لكن حاولت مصر عدة مرات ابتداءً من عام 2011 حتى الآن فى عقد اتفاقيات مع هيئات صينية كبيرة ولكن في النهاية كان مصير هذه المحاولات الفشل، ولم نرى مصنع واحد فى مصر يستطيع تحويل الرمال فى سيناء إلى خلايا شمسية كما تفعل الصين، ومصر بها الآن العديد من المصانع التى تقوم بالمراحل الرابعة والخامسة وهما مراحل للتجميع فقط وليس التصنيع، وهذا يرجع إلى عدة أسباب أبرزها إحتكار الصين لمثل هذه الصناعة القوية، وايضًا استيراد أدوات ومعدات من الخلايا الشمسية القديمة والغير متطورة رغم أن هناك تكنولوجيات حديثة وأعلى كفاءة ولم تصل مصر.
Egypt-PV يقود مصر نحو مصافى دول العالم
ومنذ أيام قليلة أعلن الدكتور عمرو طه المدير التنفيذي لمركز تحديث الصناعة، إنه تم اختيار المشروع القومى “نظم الخلايا الشمسية الصغيرة المتصلة بالشبكة Egypt-PV” الذى ينفذه مركز تحديث الصناعة، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، بتمويل من مرفق البيئة العالمي، ضمن قائمة أفضل أربعة مشروعات للفوز بجائزة خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المسابقة السنوية “EI Awards” لعام 2020 في دورتها الحادية والعشرين التي ينظمها معهد الطاقة بلندن، والتي تمنح للمتميزين في قطاع الطاقة من المنظمات الحكومية أو الجهات الخاصة علي مستوى العالم.
كما أوضح “طه”، أن هذا الإختيار هو تقدير لمخرجات المشروع والتي تساهم فى جهود مصر الكبيرة للتوسع فى إستخدام الطاقات المتجددة وللحد من إنبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، حيث تضم قائمة أفضل المشروعات المقدمة للحد من انبعاثات الكربون ثلاثة مشروعات آخرى وهم: مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية بقدرة 5 جيجاوات بحلول عام 2030، ومشروع خطة نوتنجهام كأول مدينة متعادلة كربونيا في إنجلترا بحلول عام 2028، ومشروع مبنى جامعة سوانسي بإنجلترا لتوليد الحرارة والكهرباء من غلاف المبني للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
من جانبها أكدت الدكتورة هند فروح مدير مشروع نظم الخلایا الشمسیة أن المشروع تقدم للجائزة ضمن فئة الحد من الانبعاثات الكربونية، وتهدف هذه الفئة إلى تكريم المشروعات التي حققت تقدمًا كبيرًا في تقليل انبعاثات الكربون للمساعدة في الوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2050 أو قبله؛ حيث قام المشروع بتركيب 115 محطة طاقة شمسية في كلا من القطاع الصناعي، التجاري، السياحي و السكني والمباني العامة خلال عامين 2018-2020 فى 13 محافظة علي مستوي الجمهورية بقدرة إجمالية 8.5 ميجا وات، كما حقق المشروع وفرة فى الكهرباء تصل إلى 13 جيجا وات ساعة / سنويا، مما سيؤدي إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 7.9 كيلو طن بهدف الوصول إلى 129 كيلو طن بحلول عام 2034، كام يعمل المشروع ايضًا على إنشاء مراكز لتقديم الدعم الفني والإستشارات بهدف زيادة نسبة مكون المحلي، وإعداد كوادر فنية ودعم الأسواق الناشئة لهذه التكنولوجيا في مصر مصحوبة بفرص عمل جديدة، وإزالة العوائق التي تحول دون زيادة إنتاج الطاقة بواسطة الخلايا الشمسية الصغيرة اللامركزية المتصلة بالشبكة.