تعاميم المركزي.. هل تعيد جزءًا من الأموال المهرّبة؟* نوال الأشقر

النشرة الدولية –

أربعة تعاميم أصدرها مصرف لبنان في يوم واحد، حملت الأرقام 567 -568-569 و154. بعضها متعلّق بتسديد القروض ومساعدة المتضرّرين من تفجير المرفأ، وبعضها الآخر موجّه للمصارف بغية تفعيل نشاطها المصرفي. إلّا أنّ التعميم الذي شكّل علامة فارقة هو حامل الرقم 154، والموجّه لفئة العملاء الكبار ممن حوّلوا أموالهم خارج لبنان، وإن لم يحمل صفة الإلزام بفعل طبيعة العمل المصرفي في لبنان والأطر القانونية، ولكنّها المرّة الأولى التي يصدر فيها المركزي تعميمًا متعلّقًا بهؤلاء.

في قراءة تعاميم المركزي رأى الخبير الإقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة في حديث لـ “لبنان 24” أنّ التعميم رقم 154 والتعميم الوسيط رقم 567 يشكّلان دعامة أساسية لإعادة نهوض القطاع المصرفي “خيرّا فعل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بوضعهما موضع التنفيذ، لأنّهما يشكّلان خارطة طريق لإعادة أحياء القطاع المصرفي وضمانة لإعادة الودائع إلى أصحابها”.

التعميم 154 يطلب من المصارف “أن تقوم بحثّ عملائها الذين قام أيّ منهم بتحويل “ما يفوق مجموعه 500 ألف دولار أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية إلى الخارج، خلال الفترة من 1/7/2017 حتى تاريخ صدور هذا القرار، على أن يودعوا في حساب خاص مجمّد لمدة خمس سنوات، مبلغًا يوازي 15% من القيمة المحوّلة”. ويوضح التعميم طبيعة هؤلاء العملاء في البند الثاني من المادة الثانية، فيطلب تطبيقه على رؤساء وأعضاء مجالس إدارة وكبار مساهمي المصارف وعلى الإدارات العليا التنفيذية للمصارف وعملاء المصارف من الأشخاص المعرّضين سياسياً، بصورة مباشرة أو غير مباشرة أو بواسطة شركات يمتلكها أيّ منهم” على أن تعتمد هنا سبة 30% بدلًا من 15%. على أن تستخدم هذه الودائع لتسهيل العملات الخارجية المحفّزة للإقتصاد.

كيف يمكن لهذا التعميم أن يلزم من هرّبوا أو حوّلوا أموالهم إلى الخارج، سواء أكانوا من الطبقة السياسية أو من أصحاب المصارف أو من المتمولين، أن يعيدوا نسبة 15% إلى المصارف اللبنانية، لاسيّما من تحوم حول أمواله شبهات الفساد؟

بطبيعة الحال المركزي ليس سلطة قضائية ولا قانونية قادرة على إلزام هؤلاء بإعادة جزء من أموالهم تحت طائلة الملاحقة القانونية، من هنا استخدم المركزي عبارة “حثّ العملاء”، ومن أجل تشجيع هؤلاء على إعادة بعض أموالهم إلى المصارف اللبنانية، ضمّن التعميم سلّة من الإغراءات إذا صح التعبير،بأن يقدّم  المصرف للعميل المقصود ضمانة “باستعادة وديعته مهما كانت الظروف عند حلول الأجل المتفق عليه” وذلك من خلال تقديم المصرف “إفادة خطّية صريحة تبين ذلك”. وأكثر من ذلك وبقصد أن تتمتع الإفادة الخطّية بالمصداقية طلب من “مفوضي المراقبة أن يلبّوا كل طلب معلومات من المركزي تتعلق بصحة تطبيق أحكام هذه المادة”. ولزيادة تشجيع هؤلاء العملاء، أتاح المركزي للمصارف منح هذه الفئة من المودعين فوائد عالية في البند الثالث من المادة الثانية “يمكن دفع فوائد على “الحساب الخاص” دون التقيّد بسقوف الفوائد المحدّدة في القرار رقم 13100″.

ولكن ماذا لو لم تشجّع كل هذه الضمانات عملاء حوّلوا مليون دولار مثلًا  إلى مصارف سويسرا، بإعادة 15% منها، وإيداعها في المصارف اللبنانية؟

هنا، وفق مصادر متابعة، يمكن قراءة المسافة الفاصلة بين الترغيب والترهيب في التعميم، فهؤلاء العملاء الذين هرّبوا أموالهم إلى الخارج وتسبّبوا بأزمة سيولة مصرفية، والذين تحوم شبهات حول ثرواتهم بتهم نهب المال العام، يمكن فضحهم في حال تجاهلوا التعميم، ليس من قبل المصرف المركزي الملزم بالسريّة المصرفية، ولكن من خلال أطر أخرى، خصوصًا أنّ مسألة إستعادة الأموال المنهوبة في عهدة القضاء، الذي يمكنه أن يطلب من لجنة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان تزويده بأسماء هؤلاء، فضلًا عن وجود منظومة قانونية لبنانية قادرة على مكافحة تبيض الأموال، وتهريب الأموال يندرج في إطارها. وكأنّ ما بين سطور التعميم يمكن قراءة الخلاصة التالية ” هرّبت أموالك بلا حسيب ولا رقيب، على الأقل ساهم ولو بجزء بسيط بحلحلة الأزمة النقدية والإقتصادية، بإيداع جزء منها في لبنان، وستنال فائدة عالية وضمانة خطّية بإستعادة أموالك بعد 5 سنوات”. علمًا أنّه وخارج إطار هذا التعميم، من المؤسف لا بل من المعيب، أن يتمّ تمييع مسألة إعادة الأموال المنهوبة، وعدم إصدار الأحكام المناسبة بهذه الجريمة ومحاسبة مفتعليها من قبل القضاء، وبفضح أسماء هؤلاء من قبل لجنة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، لأجل إعادة ما نُهب من الخزينة، ليس إلى حسابات ناهبيها في المصارف اللبنانية  بل إلى الشعب اللبناني.

في سياق آخر يشير عجاقة إلى ما ورد في التعميمين الوسيط والأساسي، لجهة إعادة تكوين المؤونات تدريجيًا على فترة خمس سنوات، وتخفيض المؤونات عام 2024 لحدّ أقصى، وزيادة رأس المال بنسبة 20%، وإعادة الإلتزام بالمعايير، والطلب من المصارف استئناف تقديم خدماتها ووفق ما كانت عليه قبل تشرين الماضي، والعودة إلى النشاط المصرفي المعتاد، وفترة الخمس سنوات ليسترد وديعته من يعيد نسبة 15% من أمواله إلى المصارف اللبنانية “بما معناه أنّ المصرف المركزي يرى أنّ الأمور ستعود إلى طبيعتها بغضون خمس سنوات، وأن هذا المدى الزمني يمثّل سقف عمر الأزمة، وأن القطاع المصرفي سيعود ليقف على قدميه خلال هذه الفترة، وهذه نظرة مستقبلية إيجابية بمدى زمني مقبول”. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ ولاية الحاكم تنتهي عام 2023.

أمّا التعميمان رقم 568 المتعلق بتسديد القروض والأقساط وعمليات التسليف ورقم 569 المتعلق بمساعدة المتضرين من تفجير مرفأ بيروت، فهما مختلفان وينحصران بتسهيل أمور الناس في ظل أزمة القطاع المصرفي .

نقلاً عن موقع “لبنان 24” الإخباري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى