من الأصوليّة الدّينيّة إلى رحلة البحث عن الذات بين الرّواية والقصّة في ” سيزيف الاخير” للأديبة وداد رضا الحبيب* الباحث عبدالرزاق القلسي
النشرة الدولية –
نقرأ رواية “سيزيف الاخير ” الصادرة مؤخرا للأديبة وداد رضا الحبيب فلسنا ندري ان كنّا نقرأ رواية او أقصوصة او الاثنين معا .المؤكد لدينا ان عملية القراءة ما تفتأ تطرح هذا السؤال ذا البعد الاجناسي .فالكاتبة قد جعلت لروايتها فصولا وكل فصل يمكن أن ينشر على حدة وما خلناه بنية واحدة سردية هو في الأصل بنيات متعددة لشكل أقصوصي وبين الأقصوصة وبين الرواية هناك حركة ذهاب وإياب في شخصية امرأة تعد بطلة هذه الرواية وهي امرأة بدأت طفولتها وصباها وشبابها منتمية الى عالم الأصولية والأصوليين سواء في لباسها أو في خطابها أو في علاقاتها …وستتحرر من هذه الأصولية من خلال عالم الأدب والأدباء ومن خلال نظم علاقات جديدة مع من يهديها الكتب ويدعوها الى الكتابة لتضع جانبا كل المعتقدات ذات الصلة بالدعوشة والأصولية ولتعانق نسائم الحرية من خلال عملية الكتابة ذاتها .
الكتابة تحرر وخلاص وتطهير …هذا ما يمكن ان نستوحيه من قراءة ” سيزيف الاخير ” ولكن قبل الوصول الى هذه الخاتمة الخلاصية لا بد للقراءة ان تتبع مسيرة هذه الشابة التي رأت العالم من خلال الأصولية والتطرف .فهي قد لبست حجابها وحجابها ذاك هو اعلان بدخولها الى عالم محكوم بالضدية المطلقة والراديكالية بين الحلال والحرام …بل إن مساحة الحرام والتحريم تتمدد أكثر ولذلك لم تكن لهذه الشابة أيّة علاقات مع الرجال حتى في فضاء الكليّة الذي هو في الأصل فضاء للتجارب وللتبادل الوجداني والشعوري والعلمي ….تبدو هذه الشخصية وكأنها مقدودة من الحديد لا تتأثّر بالمحيط وكل همها أن تطل بالحجاب وعلى ضوئه حكمت على العالم .
الطفولة لهذه الشابة مادة غنية للتحليل النفسي ولذلك فإنها انفقت أوقاتها وهي طفلة وفي بداية المراهقة في قراءة كتب عذاب القبر وفي الاختلاء بنفسها بالمقبرة وغير ذلك من الافعال التي تدفها بوعى أو لاوعي نحو الدّعوشة .هذه الدّعوشة التي ترسخت أيضا بالزّواج المبكّر من رجل لم يهبها الحب والأمان والاخلاص بل روّض مشاعرها الدّينية من أجل التقرب منها .ولكن ما يحسب للأديبة وداد رضا الحبيب أنها نفذت الى العالم السرّي لهكذا شخصيات كما انها اهتدت الى مسالك التحرّر من الدّعوشة بطريقة يكون فيها الارتداد اليها أمرا مستحيلا .
إنّ هذا النص الرّوائي الذي يلوّح ذا بنيتين :الرواية والقصة يكشف لنا عن أديبة منخرطة في أكثر الشّؤون حساسية في هذه العشريّة والمتّصلة بتكوّن ونشأت الدّعوشة في العقول والنّفوس والنّوايا .وهذا ما يطرح السّؤال الاشكالي الكبير وهو هل الدعوشة أصل تكويني في الانسان ويتسرب مفعولها إلى لاوعية بمجرد أيّة صدمة باطنية او خارجية ؟ أم أن للإنسان دفاعات خارجية وعرفانية تحميه من الوقوع في هذا المصير الذي تنكره كلّ الشرائع والقوانين ؟ …
بقي أن نشير إلى أنّ نهاية الرّواية تقتضي اشتغالا اكثر من لدن الكاتبة لان الكثير من الاسئلة المتصلة بهذا النص ظلت بلا اجوبة . وهو ما أجابت عنه الأديبة بأنّ ” سيزيف الأخير ” هو الجزء الأوّل من مجموعة روائيّة / قصصيّة ستنشر تباعا.