حبر ملوّع من الحبّ المشرّد* يوسف طراد

النشرة الدولية –

هل الحقّ على فرنسا أم على الإقطاع أم على الفقر أم على الحرب؟.

السرد المنفرد لكلّ حالة من حالات أبطال رواية (كلّ الحق ع فرنسا -الصادرة لدى دار سائر المشرق) لا يكتمل إلّا باكتمال الرواية ما يجعل الشوق مضاعفًا عند القراءة.

كم تعرّي معاني هذه القصّة الحقائق! أتت كلماتها تفتّش عن آثار أخطاء أبطالها بعد انفلاش لعنة الهجران. ماري القصّيفي، لماذا الحقيقة من حبرك مجرّدة؟ وصفك استقلال جسد “روز” قبل استقلال الوطن جاء روعة في الواقع، من حروف تشبه خيوط شمس راسمة أقواس قزح في سماء خلّابة بين الكتاب وفكر القارئ، رحلت ألوانه تباعًا مع رحيل الحبّ الأوّل وقناع حياة سيطر على الحبّ الأخير لتكون اللوعة روعة.

هل تعلمون كيف يموت رجل من الحبّ أثناء الحرب؟

هل تعلمون أين هو المكان الذي يجعل حبّ المرأة أكثر قدرة على مواجهة العالم والناس؟ هل تعلمون متى تعود المرأة صبيّة قبل موعد أنوثتها؟

إذا قرأتم الرواية ستجدون أجوبة عن هذه الأسئلة، وستذهلكم مشاعر رائعة، تتحدّث من خلالها زوجة عن ضرّة من دون زواج وليس بالأمر حيلة.

لكلّ شخصية في الرواية صفات مختلفة، منها صفات إحداهن، التي كانت تحفظ جميع تقاليد المآتم عند جميع الطوائف، وتشارك بها إشرافًا وغسلًا للجثث وندبًا ولطمًا، كأنّها تحفظ غيبًا ما كتبه الدكتور أنيس فريحة عن الموضوع في كتاب “القرية اللبنانيّة حضارة في طريق الزوال”.

العائلات الإقطاعيّة تأكل تعب الناس، “القصّة كاملة بحدّ ذاتها” بالإضافة إلى حقيقة عائلة تشبه إلى حدّ بعيد عائلة يعقوب وفروعها في التوراة: تشريدهم في بقاع الارض وسبيّهم، وصف للإقطاع محليًّا كان أو من الانتداب أو من أمراء الحروب، تجسّد هذا الاقطاع بحلم العائلة في التخلّص من الفقر ولو على حساب العفة والصيت الحسن. “كلّنا مولودون تحت برج التعتير”، إنّه كلام بطلة القصّة رغم أحوالها التي صارت ميسورة بعد رحيلها عن الأسرة، وكأنّ إقطاعًا من نوع آخر يسيطر عليها. بطلة تفنّنت في ابتلاع الموت قبل الموت وبعده، لأنّ للموت رفاهيّة لم تجدها خلف قناع أخفى حقدًا دام طوال حياتها وظهر في خفايا الرواية امتعاضًا من مشاركة امرأة أخرى حياة حبيبها ولو كانت زوجته.

صفات غريبة لشخصيّات بين السطور، كالرجل الذي أنجب الأولاد للحياة وليس له، خلافًا لتقاليد الشرق البالية الدائمة. فقد كان يريد الأولاد ولا يعارض رحيلهم عنه، والندّابة التي تأتي بعد الندب بالطعام مغلفًا مزيّنًا بشرائط سوداء من المآتم، فاذا كان رزق الجميع على الله فرزقها هي على “عزرايل”. وتخرج الحقيقة من بين السطور “لولا الفقراء لما وجد المجانين من يخدمهم”.

جمال النصوص يتجلّى في وصف الحرب والآلام والمآسي، فيعيدنا السرد إلى حقبةٍ سوداء من حياتنا، من منا لم يشارك الحرب ظلمها قتالًا أو إسعافًا؟، تكرج الكلمات على لسان مجنون لتصف خطايا هي بالنسبة إليه نعمة وسلام وبالنسبة إلى المجتمع هي آثام، فلماذا يخجل الأصحّاء من أخطاء المجانين وهم شركاء في ارتكابها؟.

تتأكّدون كما تأكّدت بطلة القصة أنّ الرجال يميّزون بين الجنس والحبّ، وهذا ما يبرّر عدم رغبتها في استمرار حياتها التي انتهت بالديمول الذي يقتل حشرات الورود كما يقتل الأجساد لتنمو وتنثر العطور كأعمال النفوس الطيّبة.

وتظهر شخصيّات في أواخر الرواية تأكّد الحبّ العاصف والغموض الواضح وضوح معاني الرواية.

الأديبات يعشقن “الإقلاع عكس الزمن” (عنوان رواية لإميلي نصرالله)، ورواية الكاتبة ماري القصّيفي، تعيدنا في لحظات سنوات الى الوراء، كأنّنا صعدنا في صاروخ بسرعة الضوء وعدنا بعد دقائق لنجد جميع الأطفال شيوخًا و نحن ما زلنا كما نحن نستعد للحبّ والمغامرات.

تقرأون فتشعرون بحقدٍ على الماضي وبخوفٍ من عودته، برغبة جامحة للمغامرة مع الحبّ الموصوف في الرواية بقالب جماليّ، سرياليّ، خياليّ، وحقيقيّ لا يخطر على فكر ولم يطبع من حبر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button