أزيلوا جمجمة الحلبي ثم نادوا بالإنسانية!* صالح الراشد
النشرة الدولية –
تحاول فرنسا ورئيسها ماكرون إظهار قوتهم وإنسانيتهم في التعامل مع الحكومة اللبنانية منذ إنفجار بيروت، وهاجم ماكرون الفاسدين منهم والذين هم السبب الرئيسي للموت والدمار، لكن الغريب أن ماكرون يتعامل مع الحكومة اللبنانية على أنهم موظفين في الدولة الفرنسية، وربما اعتقد ان إستقلال لبنان لم يكن حقيقياً وانها لا تزال تحت الحكم الفرنسي، ثم تحدث عن الإنسانية والحق والعدل والقهر في لبنان وهو ما جعل عيون البعض تغرغر حزناً على حديث ماكرون الذي لا يعلم ان جرح بيروت ألم وصدع في قلوب الأمة العربية التي إنتصرت للبنان دوماً، فيما التاريخ لا يذكر لفرنسا إلا القتل وإختراع طرق بشعة لقتل العرب والأفارقة وإحتلال مقيت للبنان.
فرنسا يا ماكرون إستعمرت العديد من الدول وفتكت بشعوبها بطرق وصلت حد الجنون المرضي بعد أن شعرت أنها خارج إطار المحاسبة، وأنه يحق لها مالا يحق لغيرها، فأسألت الدماء كالأنهار في سوريا ولبنان ومصر والجزائر وتونس وغانا وبقية الدول الأفريقية التي كانت بمثابة الحديقة الخلفية للجرائم الفرنسية العلنية والسرية، ويكفي يا ماكرون أن فرنسا هي الدول الوحيدة في العالم التي تملك معرضاً خاصاً لجماجم معارضيها في الدول التي إحتلتها حتى وصل عدد تلك الجماجم إلى “١٨٠٠” جمجمة إستعادات منها الجزائر “٢٤” جمجمة بعد أن بقيت متواجدة في المتحف حوالي “١٧٠” عاماً، فيما بقي رأس السوري سليمان الحلبي قاتل القائد الفرنسي كليبر معلقاً في متحف الإنسان بقصر “شايوه” فى باريس ليشاهده رواد الفن الباريسي وزوار معارض الإجرام الفرنسي وما أكثرهم في الدولة الأكثر دموية وإجراماً في القرنين الماضيين.
تخيلوا أن جمجمة سليمان الحلبي ورغم مرور “٢٤٠” سنة من مقتله بأبشع الطرق لا زالت تثير الشجون في نفوس الفرنسين، الذين يعتقدون انه بمقتل كليبر ماتت الروح المعنوية عند جيش نابليون الذي خسر مواقع كثيرة بعد ذلك وأهمها موقعة عكا، مما أثر على خطط شركة الهند الشرقية الفرنسية التي كانت السبب والمحرك الرئيسي لإستعمار إفريقيا، حيث قامت باستعباد اكثر من خمسة ملايين إفريقي وإقتادتهم للعمل كعبيد في المدن والمزارع الفرنسية التي كانت تتغنى بالحرية والديموقراطية .
وقتل الفرنسيون في الجزائر لوحدها أكثر من مليون شهيد فيما لا تزال الأرقام في كل من تونس والسنغال والنيجر وموريتانيا والكاميرون وبوركينا فاسو والغابون وغينيا وبنين مجهولة لكنها تصل حد الكارثة، بل لقد قامت فرنسا بقتل جميع مدرسي اللغة العربية في مالي لإجبار المواطنين على تعلم اللغة الفرنسية لتدمير التجارة مع العرب، فكل ما كان يهم فرنسا هو منافسة غريمتها بريطانيا على البلاد وثرواتها ولا مانع إن قتلت نصف أبنائها، كما قتلت حوالي “٤٠٠” عالم عربي في تشاد ، فاللغة العربية شكلت هاجس الرعب لباريس طوال عقود.
نعود إلى مالي التي كانت نقطة حضارة عالمية وسبقت كولومبوس في تسير أساطيلها البحرية لإكتشاف طريق الهند، ولها أيضاً تعاملها التجاري الكبير مع دول المنطقة بل كانت تضم جامعات عملاقة، لتقوم فرنسا العظيمة بقتل الآلاف المدرسين لقتل الارتباط العربي بين مالي وبقية الدول العربية بقطع اللغة التي كانت اصل التعامل ولغة الحضارة قبل وصول مجرموا فرنسا، الذين تحولوا حالياً وبعد تدمير الأمة العربية بإتفاقية “سايس-بيكو” عاد علينا الفرنسيون ليعلمونا معنى الإنسانية التي يفتقدونها لدرجة أنهم لم يعتذروا عن قتل الملايين من البشر مما يُشير إلى أن الفكر الإجرامي لا زال سيد الموقف عند القارة العجوز التي أهلكها ثقل دماء البشر التي سفكتها بلادهم وسفاحوها، فهل تملك الجرأة يا ماكرون وتعتذر عن قتلكم الملايين ، وهل تغلق متحف الجماجم وتعيدها لتدفن في بلادها، لا اعتقد أنك قادر على أيٍ منهما لذا فلبس الحرير لن يجعل منك ملاك رحمة وعطر باريس لن يُنسينا تاريخها الأسود لأن رائحة عطركم لن تطغوا على رائحة كذبكم ورائحة الدم الذي يلوثكم ، عذراً فالآن التاريخ معلوم وكذلك سبب القدوم لبيروت، ومعسول الكلام أصبح لا يُرضي الشعوب الحرة وإن كان يُطرب تُجار الأوطان.