إيران تتفاخر بتقنيات جديدة للصواريخ والمحركات النفاثة* فرزين نديمي
النشرة الدولية –
في 20 آب/أغسطس، اتخذت إيران خطوة غير اعتيادية بإقامة فعاليات “يوم الصناعة الدفاعية” السنوي قبل الموعد المقرر ليتزامن مع مشاورات مجلس الأمن الدولي حول قضيتين رئيسيتين: الحظر الذي سينتهي قريباً على صفقات الأسلحة مع النظام، والتهديدات الأمريكية بإعادة فرض كافة العقوبات الماضية من خلال تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات التي كانت معلقة بموجب الاتفاق النووي. وفي ظل تواجد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في نيويورك لعرض مبررات واشنطن المنطقية في هذا الخصوص، من المحتمل أن تكون إيران قد أملت في التأثير على المحادثات لصالحها، ودعم سمعتها في التحدي، وتعزيز ردعها. علاوةً على ذلك، ومن خلال كشف النقاب عن عدد من الأنظمة العسكرية “المتطورة”، بدا النظام عازماً على إثبات عدم وجود أي عوائق تعرقل إنتاجه لتقنيات الفضاء الجوي الرئيسية، مما يعني ضمنياً أن المزيد من العقوبات لن تعيق تقدمه في هذا الإطار.
ما الذي تم الكشف عنه؟
كان الهدف من تقديم موعد فعاليات “يوم الصناعة الدفاعية” إلى 20 آب/أغسطس إظهار التقدم الذي أحرزته إيران في مجال نشر صواريخ باليستية أبعد مدى ومتعددة الميزات، وصواريخ جوالة بعيدة المدى، ومحركات نفاثة عالية الأداء. وشملت الأنظمة المعروضة ما يلي:
صاروخ “الحاج قاسم” الباليستي. يحمل هذا الصاروخ اسم قائد «فيلق القدس» الراحل قاسم سليماني، وهو صاروخ يوصف بأنه مشتق متوسط المدى من مجموعة صواريخ “فاتح-110/”ذو الفقار” الباليستية التكتيكية القصيرة المدى، والتي يبلغ مداها كما يُدّعى 1400 كيلومتر – أي ضعف مدى صاروخ “ذو الفقار” الذي يبلغ 700 كم. ويُعتقد أن صاروخ “الحاج قاسم” من صنع “مجموعة الشهيد باقري الصناعية” في خجير أو من صنع إحدى الشركات التابعة لها بالقرب من يزد، وجميعها مدرجة على قائمة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في عام 2018. وهو يبدو وكأنه صاروخ جديد تماماً يتمتع بهيكل أعرض، وربما يضم محركاً يعمل بالوقود الصلب من طراز “سلمان” مع غلاف مركب ملفوف الأسلاك ونظام توجيه بقوة دفع ذات فوهة دوارة. وتم اختبار هذا المزيج بنجاح في نيسان/أبريل على مركبة الإطلاق الفضائية “قاصد” التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، كمرحلة ثانية وربما ثالثة للصاروخ.
وفقاً لوزارة الدفاع الإيرانية، يتم التحكم بصاروخ “الحاج قاسم” بالكامل باستخدام وسائل ديناميكية هوائية – أي عبر أسطح تحكم متحركة فقط، كفيلة بمفردها أن تجعل الصاروخ غير قابل للتسيير في مسارات خارج الغلاف الجوي. ويمكن أن يؤدي استخدام نظام توجيه بقوة دفع إلى تحسين قدرته على المناورة إلى حدّ كبير على تسيير الصاروخ على مثل هذه الارتفاعات العالية، في حين أن استخدام رأس حربي منفصل بوزن 500 كيلوغرام مع أسطح تحكم متحركة قد يعزز دقته وقدرته على اختراق الدفاعات. ويُزعم أن سرعة عودة الصاروخ هي 12 ماخ، مع سرعات نهائية تصل إلى 5 ماخ. وإذا كان ذلك صحيحاً، تُعتبر هذه الأرقام تقدماً على صاروخ “فتح-110” وتقترب من الميزات التي يتمتع بها صاروخ “سجيل-2” الأطول مدى. ويمكن للسرعات النهائية الأكبر أن تزيد من قوة التأثير وتُعقّد عمل الدفاعات الصاروخية.
صاروخ كروز البحري “أبو مهدي”. يُعتقد أن هذا السلاح هو من صنع “مجموعة ثامن الأئمة الصناعية” (المعروفة أيضاً باسم “مجموعة صناعة الصواريخ الدفاعية البحرية”) في بارشين ، والتي تخضع لعقوبات أمريكية منذ عام 2010. وقد يكون إما نسخة مجددة لصاروخ “حويزة” الجوال للهجوم البري (أي الجيل الثاني من صاروخ “سومار” الذي يُعتبر بدوره نسخة من صاروخ “Kh-55” الروسي) أو نسخة أحدث مضادة للسفن تم تطويرها في الأساس تحت اسم “طلائيه”. وإذ هو مزود برأس ذي توجيه نشط بالرادار ويفُتخر أن مداه يزيد عن 1000 كيلومتر كما يُدّعى، يمكن إطلاقه من بطاريات متنقلة من الساحل أو من أرض داخلية ويُحتمل أن يشكل تهديداً خطيراً للقطع البحرية للتحالف في “بحر العرب”. ووفقاً لبعض التقارير، إن “البحرية الإيرانية” هي الجهة التي ستتسلم صاروخ “أبو مهدي”، لكن الافتقار إلى منصات إطلاق بحرية مناسبة يعني أن استخدامه سيقتصر على البطاريات الأرضية في الوقت الحالي.
وفقاً لوزير الدفاع أمير حاتمي، تقوم إيران أيضاً بتطوير صاروخ كروز يُطلق من الجو بنطاق تأهُّب بعيد المدى. وقد يكون نسخة يتم إطلاقها من الجو من صاروخ “قدس” الجوال الأصغر حجماً الذي تم استخدامه لمهاجمة منشآت “أرامكو” النفطية السعودية في أيلول/سبتمبر 2019. وبالفعل، دعا الرئيس حسن روحاني في خطابه بمناسبة “يوم الصناعة الدفاعية”، إلى زيادة تطوير صواريخ كروز تطلق من الجو والأرض والبحر لتكون بديلاً في نهاية المطاف عن الصواريخ الباليستية، مما يؤكد قدرتها على المناورة ومقدرة أكبر على تفادي الكشف والاعتراض. وقد بعث الجنرال حاتمي برسالة مماثلة، مشدداً على الأولوية المتزايدة التي توليها إيران إلى الصواريخ الجوالة البعيدة المدى.
محرك “أوج” (Owj) النفاث. يهدف هذا المحرك إلى تشغيل كافة الطائرات النفاثة الإيرانية “الأصلية”، بما فيها مقاتلة “كوثر”/طائرة التدريب الأساسية (نسخة عن “أف-5أف”) والطائرة التدريبية “ياسين”. وهذه نسخة هندسة عكسية لتصميم “جاي 85” البارز من شركة “جنرال إلكتريك”، والتي تستند في الأصل إلى تكنولوجيا خمسينيات القرن الماضي. وقد بدأت إيران بتطوير نسختها في منتصف التسعينيات من خلال “شركة تصنيع المحركات التوربينية” (TEM) في غرب طهران. وهناك الملايين من محركات “جاي 85” العاملة حالياً في جميع أنحاء العالم؛ علماً بأن إيران حصلت على المئات منها قبل ثورة 1979.
محرك توربيني مروحي خفيف “جهش-700”. يتفوق هذا المحرك على محرك “أوج” أهميةً نظراً لتمتعه بتكنولوجيا وإمكانيات أكبر – ولا سيما من حيث استخدامه لتشغيل طائرات بدون طيار عالية الارتفاع وذات قدرة تحمّل طويلة الأجل. ويبدو مشابهاً إلى حدّ كبير لمجموعة محركات “أف جاي 33″/”أف جاي 44” من شركة “ويليامز إنترناشونال” ذات فئة الحجم وقوة الدفع نفسهما، لذا فهي على الأرجح نسخة مباشرة من تلك التصميمات الأمريكية. ووفقاً للجنرال حاتمي، فهو “من النوع نفسه الذي شغل الطائرة الأمريكية بدون طيار “آر كيو-170” التي استحوذت عليها إيران في عام 2011، ولكنه “مصمم بالكامل في إيران”. وربما كان يَقصد الإشارة إلى أن “آر-كيو 170 سنتينيل” تعمل بمحرك “أف جاي 33” وأن إيران تمكنت من إجراء هندسة عكسية لها، على الرغم من أنه يُعتقد عموماً أن لـ “سنتينيل” نوع مختلف من المحركات.
يبدو أن محرك “جهش-700” الإيراني (الصورة العليا) هو نسخة من “أف جاي 33″/”أف جاي 44” لشركة “ويليامز إنترناشونال” (الصورة السفلى) (المصادر: “شركة تصنيع المحركات التوربينية” (TEM)؛ “ويليامز إنترناشونال”)
ويُقال إن “جهش-700” سيضمّ ريش عنفة أحادية البلورة مصنوعة من سبائك فائقة خاصة يمكنها تحمّل درجات حرارة عالية والبقاء في الخدمة مدة أطول. وإذا كان هذا صحيحاً، فإن القدرة على تصنيع مكونات محرك معدني أحادي البلورة إنجازاً جديداً في سجل إيران، وخطوة مهمة محتملة على الطريق الطويل نحو الاكتفاء الذاتي في تصنيع محركات نفاثة أكبر وعالية الأداء للطيران ولقطاعات النفط والغاز وتوليد الطاقة. ويقيناً، فإن تطوير محركات توربينية مروحية أكبر يمكنها الحفاظ على فعاليتها وتحمّل درجات حرارة تشغيل أعلى بكثير هو أمر صعب – سيتطلب من إيران إتقان العديد من التقنيات المتقدمة الأخرى عبر عمليات معقدة ومكلّفة للغاية. ومع ذلك، إذا نجحت طهران في هذا الإطار، فيمكنها يوماً ما تزويد تصميمات طائراتها المقاتلة المتقدمة بمحركات محلية.
الخاتمة
في السنوات الأخيرة، سارعت إيران في تطوير أنظمة أسلحة أكثر قدرة في مجموعات أصغر، سواء من خلال الحصول على/ نَسْخْ التقنيات من الخارج أو تطوير تقنياتها الخاصة. وإذا ما استمر هذا المنحى، يمكن أن يغيّر النظام الإيراني تدريجياً ميزان القوى في الشرق الأوسط من خلال إرسال ونشر أسلحة دقيقة التوجيه وذات مدى أطول. ومن شأن زيادة المدى أن تمكّن القوات الإيرانية من إطلاق الصواريخ من أماكن أعمق في الداخل الإيراني واستخدام مسارات غير متوقعة، مما يحسّن بشكل كبير قدرة صواريخها وقاذفاتها على الصمود والبقاء في الخدمة. ويمكنها أيضاً تطوير ونشر نسخ مجهزة في حاويات من الصواريخ الجوالة البعيدة المدى على غرار “أبو مهدي” بسهولة نسبية. وعلى العموم، طوّرت إيران هذه الأسلحة لتقديم قدرة ساحقة على تنفيذ ضربة ثانية، ولكن يمكن بسهولة تكييفها لتناسب استراتيجية تنفيذ الضربة الأولى. وبالنظر إلى نية النظام المعلنة بمواصلة تطوير مثل هذه الأنظمة – بشكل شبه مؤكد بمساعدة التقنية والمعرفة من روسيا والصين – يجب أن تُظهر الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية جدية أكبر بشأن إقامة أنظمة دفاع صاروخية متعددة الطبقات وقادرة على تغطية 360 درجة ومتكاملة من أجل التعامل مع ميزات إيرانية مستقبلية محتملة على المستويين النوعي (مثل الدقة) والكمي (التشبع).