انقطاع الأدوية من الأسواق اللبنانية… والهلع يُفرغ الصيدليات* عزة الحاج حسن

النشرة الدولية –

لا ترتبط أزمة انقطاع عشرات الأدوية من الأسواق اللبنانية بمدة زمنية محددة، لا بوصول شحنة استيراد ولا حتى بتحويلات مالية.. فالأزمة واقعة وغير محدودة الأفق، وقد تقتصر اليوم على فقدان عشرات الأدوية من الصيدليات، وشح كميات أدوية أخرى. وربما تتّسع دائرة الأدوية المفقودة. لكن يبقى الأسوأ، أن لا حلول على المدى المنظور، ولا تطمينات من المعنيين على استمرار مد السوق بالكميات اللازمة من الأدوية. لا بل على العكس، يتزايد الحديث عن توجه مصرف لبنان إلى رفع الدعم عن كافة المواد المستوردة، ومن بينها الأدوية. ما يمكن أن يفاقم أسعارها لأضعاف ما هي عليه اليوم.

 

قلق المواطنين، لاسيما المرضى منهم، من مضاعفة أسعار الأدوية في المرحلة المقبلة، في حال رفع الدعم عن الاستيراد، كان كفيلاً بالتهافت على شراء كميات كبيرة من الأدوية. وبالتالي، إلى انقطاعها من الصيدليات، وحرمان آلاف المرضى منها. ولا شك أن الفوضى الحاصلة في سوق الأدوية، عزّزت من قدرة الميسورين على الاستحصال على كميات كبيرة من الأدوية تكفي لأشهر، مقابل حرمان الفقراء ومحدودي المداخيل من أدويتهم لانقطاعها من الأسواق.

 

أدوية مفقودة

كثيرة هي الأدوية المفقودة من الأسواق. وغالبيتها الساحقة من أدوية الأمراض المزمنة، كأمراض القلب والضغط والأعصاب وأدوية السرطان. قلة هي الصيدليات التي يتوافر لديها دواء مثل Micardis plus على سبيل المثال، أو Magnesium cardio أوDiovan أو Aspicot أو Concor COR 2.5 أو حتى دواء الـ Lazix، الذي انقطع كلياً من الأسواق خلال الاشهر الفائتة، قبل أن يُعاد ضخه في السوق.. وغير ذلك الكثير من الأدوية غير متوافرة، حتى أن الصيدليات باتت تعتمد آلية تدوين اسم المريض طالب الدواء على waiting list، لتنظيم عمليات تسليمه في حال توافره لاحقاً.

 

لا نقص في كميات الأدوية المستوردة، إنما تهافت المواطنين، الناجم عن الخوف وفقدان الثقة، هو ما أدى إلى فقدان أصناف عديدة من الأدوية. ويصرّ نقيب مستوردي الأدوية، كريم جبارة، على التأكيد أن لا أزمة استيراد، سوى التباطؤ الذي اعتادت عليه الأسواق، والمرتبط بآلية تحويل الأموال ومنح الموافقات من قبل مصرف لبنان. وغير ذلك، فكميات الأدوية التي يتم استيرادها لم تتراجع. وهي تكفي وفق حديث جبارة إلى “المدن” لتغذية السوق من دون أي نقص: “لكن ما يحصل أن الحديث عن اقتراب موعد وقف مصرف لبنان دعم استيراد المواد الأساسية، ومنها الأدوية، ولّد الخوف في نفوس المرضى. إذ أن رفع الدعم سينعكس ارتفاعاً في أسعار الأدوية، وربما انقطاعاً لبعض الأصناف. فكان ردّ الفعل الطبيعي التهافت على أدوية الأمراض المزمنة بهدف تخزينها. الأمر الذي أحدث نقصاً بالغاً في حاجات السوق.

 

هلع وتهافت!

يبلغ حجم الاستيراد السنوي للدواء مليار دولار، أي نحو 80 مليون دولار شهرياً. هذه الكميات لم تتراجع مؤخراً. بمعنى أن ضخ الأدوية في السوق وافر. ولكن القلق من الانقطاع والتهافت دفعا إلى سحب أدوية من الصيدليات خلال أول عشرة أيام من شهر تموز، تكفي لشهر كامل. والنتيجة أن مخزون الأدوية لا يمكن أن يغطي تهافت المواطنين على تخزين أدوية القلب والضعط وعموم الأمراض المزمنة، يقول جبارة. والصيدليات التي كانت تطلب 10 علب من صنف أدوية معيّن باتت تطلب حالياً 100علبة. وبالتالي، فالمخازن والمستودعات عاجزة عن تلبية الهلع عند طالبي الدواء.

 

لا شك ان موضوع اقتراب وقف الدعم كان له الأثر البارز في تهافت المرضى على شراء الأدوية وتخزينها. لكن ذلك لا ينفي أن كميات كبيرة يتم شرائها لحساب مواطنين عراقيين وإرسالها إليهم، يقول مصدر لـ”المدن”. ذلك لكون أسعار الأدوية في لبنان يقل كثيراً عن سواه في السوق العراقية.

 

والحال أن مستوردات الأدوية لا يمكن أن تتضاعف لأكثر من سبب، أبرزها ضعف إمكانات مصرف لبنان لدعم دولار الاستيراد. أما التهافت على الشراء فلا يمكن لجمه، لكون ذلك يستلزم منح السلطة في لبنان الثقة للمواطنين بتأمين استيراد الأدوية، والسيطرة على أزمة انقطاعها أو ارتفاع أسعارها لاحقاً. لكن في ظل غياب أي تطمينات، سيبقى ميسور الحال يتهافت على شراء الأدوية بكميات كبيرة فيما لو توافرت، مقابل عجز المريض الفقير أو ضعيف الحال عن الاستحصال على حاجته من الأدوية، والاستسلام لشح الدواء والتدهور الصحي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button