الإنتخابات الأمريكية.. حركات متسارعة لترامب وبايدن للفوز بأصوات المجمع الانتخابي
طارق الشامي –
شهدت الأيام القليلة الماضية تحركات متسارعة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن في ولايات مثل ويسكونسن ومينيسوتا وأريزونا وأيوا في محاولة لجذب انتباه الناخبين فيها من دون اهتمام واضح بولايات أخرى ذات كثافة سكانية عالية وثقل في الميزان الانتخابي، لكن السبب الواضح هو ما تمثله الولايات المتأرجحة أو ما يسمى بولايات ساحة المعركة الرئيسة من أهمية بالغة في حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية في النهاية.
فما هي هذه الولايات ولماذا يختلف توجهها من انتخابات لأخرى، وما ثقلها الحقيقي من حيث الأرقام بالنسبة للمجمع الانتخابي أو ما يسمى بالكلية الانتخابية، وما طبيعة تأييد هذه الولايات قبل أقل من 60 يوماً على موعد الاقتراع؟
سيقرر الناخبون الأميركيون في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ما إذا كان ترمب سيبقى في البيت الأبيض لمدة أربع سنوات أخرى أم أن بايدن، الذي يمتهن السياسة منذ السبعينيات وكان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما سيجلس في المكتب البيضاوي الشهير.
استطلاعات مخادعة
ومع اقتراب يوم الانتخابات، ترتفع وتيرة قياس الحالة المزاجية للأمة الأميركية عبر سؤال الناخبين عن المرشح الذي يفضلونه، وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي التي تجري على المستوى الوطني، أي على مستوى الولايات الـ 50، تعتبر دليلاً مهماً عن مدى شعبية المرشح، إلا أنها ليست بالضرورة طريقة جيدة للتنبؤ بنتيجة الانتخابات ولهذا يراها كثيرون بأنها مُخادعة إذا لم تحتسب فرص فوز كل مرشح في كل ولاية على حدة.
وأكبر دليل على ذلك، أن هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2016، حصلت على عدد أصوات شعبية على المستوى الوطني بلغ أكثر من مليوني ونصف المليون مقارنة بخصمها ترمب، لكنها خسرت الانتخابات في نهاية المطاف، ولم تكن هيلاري استثناء، فهناك أربع حالات أخرى في التاريخ الأميركي خسر فيها مرشحون الصوت الشعبي، كان أقربها آل غور المرشح الديمقراطي ونائب الرئيس بيل كلينتون الذي فاز في انتخابات عام 2000 بالأصوات الشعبية على المستوى الوطني مُحققاً نصف مليون صوت أكثر من منافسه المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش (الإبن) الذي جمع عدد أصوات أكبر في المجمع الانتخابي أو ما يسمى بالكلية الانتخابية ليفوز في النهاية بالمقعد الرئاسي.
ما هو المجمع الانتخابي؟
تستخدم الولايات المتحدة، نظاماً يُعرف باسم “المجمع الانتخابي” أو الكلية الانتخابية الذي يشمل 538 صوتاً، ولهذا يفوز المرشح الذي يتمكن من جمع 270 صوتاً، بينما لا يكسب الانتخابات دائماً من يحقق العدد الأكبر من الأصوات الشعبية على المستوى الوطني.
ولا يتناول الدستور الأميركي في شأن الانتخابات الرئاسية سوى كيفية تشكيل وعمل المجمع الانتخابي أو الكلية الانتخابية التي تختار الرئيس في النهاية ضمن نظام الاقتراع على مرحلتين، حيث كانت هذه الهيئة الانتخابية نتاج سلسلة من التسويات، بعد فشل فكرة أن يختار أعضاء الكونغرس رئيس الولايات المتحدة، بسبب تصادمها مع مبدأ الفصل بين السلطات. ولهذا خرجت فكرة المجمع الانتخابي التي استهدفت تأكيد أهمية دور الولايات محدودة السكان وحمايتها من إملاءات الولايات كثيفة السكان في الاختيارات الرئاسية.
آلية عمل المجمع الانتخابي
على نقيض انتخابات الكونغرس والولايات التي تجري بالاقتراع المباشر، فإن الرئيس ونائبه لا يُنتخبان بشكل مباشر من الناخبين، وإنما عبر مندوبين آخرين ضمن عملية تسمى المجمع الانتخابي أو الكلية الانتخابية، فعندما يُدلي الأميركيون بأصواتهم في صناديق الاقتراع لمصلحة مرشح رئاسي ما، فإنهم في الحقيقة يصوتون على قائمة من المندوبين الذين يمثلون هذا المرشح في ولايتهم، والذين تذهب أصواتهم لذاك المرشح الرئاسي فقط في حال حصوله على غالبية الأصوات في هذه الولاية.
ولكل ولاية أميركية عدد محدد في المجمع الانتخابي يتم احتسابه على أساس مجموع عدد أعضاء الكونغرس الممثلين عن هذه الولاية، فعلى سبيل المثال تستحوذ ولاية كاليفورنيا التي يصل عدد سكانها إلى نحو 40 مليون نسمة على 55 صوتاً ضمن المجمع الانتخابي حيث يمثلها عضوان في مجلس الشيوخ و53 في مجلس النواب، فإذا فاز مرشح رئاسي بغالبية أصوات الناخبين في ولاية كاليفورنيا، يكون بذلك قد حصل على 55 صوتاً من المجمع الانتخابي، ولا يحصل منافسه على أي صوت من الولاية حتى لو كان قد حصل على 49 في المئة من مجمل أصوات المقترعين.
أما الولايات قليلة السكان مثل ولاية ساوث داكوتا التي يصل عدد سكانها إلى 858 ألف نسمة، فلها 3 أصوات فقط في المجمع الانتخابي حيث يمثلها عضوان في مجلس الشيوخ وعضو واحد في مجلس النواب.
بين الثبات والتأرجح
طوال العام الحالي، حافظ بايدن على تقدمه ضد ترمب في استطلاعات الرأي الوطنية، حيث تأرجحت نسبة تأييده حول 50 بالمئة خلال الأشهر الأخيرة مقارنة بنسبة 42 في المئة للرئيس ترمب، بينما كانت هناك نقاط قليلة تفصل بين هيلاري كلينتون وترمب في انتخابات 2016. لكن هذا الأمر لا يطمئن بايدن وأنصاره، إذ أن حملة هيلاري اكتشفت في اللحظات الأخيرة أن عدد الأصوات المؤيدة على المستوى الوطني أقل أهمية بكثير من الولاية التي تفوز فيها بهذه الأصوات.
ولأن معظم الولايات الأميركية تصوت دائماً بنفس الطريقة، بمعنى أن الانتماء الحزبي يبدو ثابتاً إلى حد بعيد دعماً للجمهوريين أو الديمقراطيين، فإن هذا يعني عملياً أنه لا يوجد سوى عدد قليل من الولايات التي يتغير فيها اتجاه التصويت، ومن ثم تصبح هذه الولايات هي مفتاح الفوز الحقيقي التي يتقاتل فيها المرشحان لنيل فوز حاسم ومفصلي.
صراع الأحمر والأزرق
تُظهر خرائط الانتخابات، الولايات ذات الولاء الثابت للحزب الجمهوري باللون الأحمر الداكن وهي ولايات الجنوب والغرب الأوسط التي يكتسح فيها المرشح الجمهوري عادة الفوز على خصمه الديمقراطي وعددهم 13 ولاية هي: ألاباما، وأركنسو، أيداهو، وكينتاكي، ولويزيانا، وميسيسبي، ونبراسكا، ونورث داكوتا، وساوث داكوتا، وأوكلاهوما، وتينيسي، وويست فيرجينيا، ووايومينغ.
لكن هناك سبع ولايات أخرى تُصبغ باللون الأحمر الفاتح، حيث يرجح بقوة أن تصوت للجمهوريين وهي ولايات: ألاسكا، وإنديانا، وكانساس، وميسوري، ومونتانا، وساوث كارولينا، ويوتا.
في المقابل تظهر على الخرائط الانتخابية الولايات التي تدين بالولاء الثابت للحزب الديمقراطي باللون الأزرق الداكن، مثل ولايات الشمال الشرقي وغرب الولايات المتحدة، والتي يتفوق فيها المرشح الديمقراطي عادة على خصمه الجمهوري، وعددهم 14 ولاية هي كاليفورنيا، وكونيكتكت، وديلاوير، وهاواي، وألينوي، وميريلاند، وماساتشوستس، ونيوجيرسي، ونيو ميكسيكو، ونيويورك، وأوريغون، ورود آيلاند، وواشنطن، وفيرمونت، فضلاً عن العاصمة واشنطن دي سي.
وهناك أيضاً أربع ولايات أخرى تُصبغ باللون الأزرق الفاتح، حيث يرجح بقوة أن تصوت للمرشح الديمقراطي وهي ولايات كولورادو، وماين، ونيفادا، وفيرجينيا.
ولايات ساحة المعركة
وبين اللونين الأحمر والأزرق هناك ولايات أخرى تحسم في الواقع العملي نتيجة الانتخابات، و هي الولايات المتأرجحة التي تظهر باللون الرمادي وهي ولايات منقسمة سياسياً وتتقلب توجهاتها بين الديمقراطيين والجمهوريين من انتخابات لأخرى حسب الوضع السياسي والاقتصادي مثل أريزونا، وجورجيا، ونورث كارولينا، فضلاً عن تلك التي تميل نسبياً إلى الجمهوريين مثل ولايات تكساس، وأوهايو، وأيوا، أو تلك التي تميل نسبياً للديمقراطيين مثل ميتشيغان، وفلوريدا، ومينيسوتا، ونبراسكا، ونيوهامبشاير، وبنسلفانيا، وويسكونسن.
ولأن بعض ولايات ساحة المعركة لديها عدد أكبر بكثير من أصوات المجمع الانتخابي مقارنة بغيرها، لذلك يحرص المرشحان الرئاسيان على تنظيم حملات انتخابية مكثفة في كل منها وتمضية فترات زمنية أطول في التجوال بين مقاطعاتها أملاً في كسب تأييد ناخبيها.
ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن
وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن بايدن يتقدم بهامش يتراوح بين 3 إلى 4 في المئة في ميشيغان (16 صوتاً) وبنسلفانيا (20صوتاً) وويسكونسن (10 أصوات) وهي ثلاث ولايات صناعية فاز بها الرئيس ترمب بهامش يقل عن 1 المئة عام 2016، وعلى الرغم من كونها نتيجة جيدة لبايدن، إلا أنه لا يزال أمامه طريق طويل قبل أن يضمن الفوز بها، نظراً لأن الوضع قد يتغير بسرعة كبيرة، خاصة عندما يكثف ترمب نشاطه وزياراته وحملاته داخل الولايات الثلاث الحاسمة.
تكساس وأيوا وأوهايو
لكن بعض الولايات التي تميل نسبياً إلى الجمهوريين و التي حقق فيها ترمب إنجازاً هائلاً عام 2016 هي التي تثير قلق فريق حملته الانتخابية، فبعدما حقق في الانتخابات السابقة هامش فوز تراوح بين 8 إلى 10 في ولايات أيوا (6 أصوات) وأوهايو (18 صوتاً) وتكساس (38 صوتاً)، تشير إستطلاعات الرأي إلى تقدمه على بايدن في تكساس وأيوا بهامش يتراوح بين 1 و 3 بالمئة وهي نسبة تحمل قدراً من القلق، بينما يتفوق بايدن عليه في أوهايو بنسبة 2 بالمئة.
ومع ذلك، فإن سوق الرهانات يمنح ترمب فرصة للفوز بنسبة 50 بالمئة في 3 نوفمبر المقبل، ما يشير إلى أن البعض يتوقعون أن تتغير التوقعات كثيراً خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
لكن الباحثين السياسيين ومراكز تحليل الرأي العام في الولايات المتحدة تبدو أقل اقتناعاً بفرص إعادة انتخاب ترمب، ويعتبرون أن فرص بايدن لا تزال أفضل للفوز بالانتخابات بسبب تأثيرات وباء كوفيد-19 وما سببه من ركود اقتصادي وإرتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية فضلاً عن سمات شخصيته التي يركز عليها الديمقراطيون في حملتهم.
هل تتكرر أخطاء استطلاعات الرأي؟
وبينما يرفض البعض تصديق نتائج استطلاعات الرأي باعتبار أنها أخطأت في انتخابات 2016 وهو ما يؤكد عليه دائماً الرئيس ترمب، إلا أن ذلك ليس صحيحاً بشكل كامل، لأن هيلاري كلينتون فازت بأكثر من مليوني ونصف المليون صوت فوق ما حصل عليه ترمب على المستوى الوطني، كما أن مؤسسات استطلاعات الرأي صححت الأخطاء وبخاصة احتساب أصوات البيض من غير خريجي الجامعات.
ومع ذلك فإن حالة عدم اليقين لاتزال قائمة داخل المجتمع الأميركي أكثر من المعتاد بسبب جائحة فيروس كورونا وتأثيره على كل من الاقتصاد وكيف سيصوت الناس في الانتخابات، ولهذا فإن الحذر تجاه توقعات الانتخابات سيظل يطغي على المشهد السياسي في الولايات المتحدة حتى يوم الانتخابات وربما بعده بأسابيع.