“كورونا” يضاعف من أثر الوسواس القهري ويفرض العزلة على أصحابه

النشرة الدولية –

تعيش السبعينية أم حاتم عزلة صارمة بسبب تزايد انتشار فيروس كورونا، الذي أخذ يقلقها في الفترة الأخيرة بشكل مضاعف، وخاصة أنها تعاني من مشكلة أخرى وهي الوسواس القهري.

هي محاصرة اليوم بالكثير من المخاوف، وهذا بالطبع جعلها تقرر اعتزال الناس تماما وحتى المقربين منها كأحفادها وأبنائها. لكن اشتياق أبنائها الشديد لها دفعهم لزيارتها والاطمئنان عليها وسط كل التشديدات التي تفرضها على نفسها خوفا من إصابتها بالفيروس.

أم حاتم رأت أن تكون الزيارة قصيرة جدا رغم أنها متلهفة للقاء أحبتها، لكونها تخشى أن تتساهل في الإجراءات الوقائية. حاولت أن تسيطر على الوضع قدر الإمكان وتيقظت لأدق التفاصيل كتعقيم البيت بالكامل، وتعمدت أن يكون اللقاء عن بعد مراعية مسافة الأمان بين الجميع، ولم تكتف بذلك فقط، استسلامها للوساوس جعلها تستعين بحاجز يفصل بينها وبينهم لتكلمهم من خلفه، الأمر الذي أشعر أبناءها بعدم الراحة.

مع تزايد انتشار فيروس كورونا والارتفاع الملحوظ في عدد الحالات مؤخرا، تضاعفت المخاوف بشكل كبير ولافت بين الناس، وتحديدا أولئك الذين يعانون من مشكلة الوسواس القهري. شعورهم بالقلق الشديد على أنفسهم وعلى من حولهم يدفعهم إلى تهويل الأمور والتعاطي معها بمبالغة كبيرة، ما يسبب غالبا تنفير الآخرين ومضايقتهم بل وأكثر من ذلك أيضا، فهناك من قرر قطع علاقته بأقربائه وأصدقائه وزملائه.

أما الأربعيني مجدي الذي يعمل موظفا في إحدى الشركات، فهو الآخر أرهق كثيرا لكونه يبالغ في حماية نفسه، الأمر الذي بدأ يزعج زملاءه في العمل، وذلك لأنه أصبح يخاف من كل شيء حوله، لدرجة أن حالته باتت مستعصية يسيطر عليه القلق الشديد.

ولأنه يعاني من الوسواس القهري، قرر أن يقاطع الجميع ويكون حذرا أكثر من اللازم من خلال إسرافه الشديد في استخدام المعقمات وبقائه وحيدا، رافضا التكلم مع من حوله أو حتى مجاملتهم في أي طعام يقدمونه له.

مجدي يجد أن المبالغة في الخوف هي الحل الأسلم الذي يبقيه بأمان، ولهذا اعتزل الكثيرين من أصدقائه وأقاربه ولم يعد شخصا اجتماعيا كالسابق.

ويرى الاختصاصي الاجتماعي الأسري مفيد سرحان، أن انتشار وباء كورونا وما صاحبه من إجراءات وقائية وتحذيرات عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ترك آثارا متفاوتة عند الناس، فمنهم من تعامل مع هذه الأمور التوعوية بطريقة عملية لوقاية نفسه وأسرته من هذا الوباء من دون تهويل أو تهوين لأن المبالغة فيها ضرر على الإنسان كما التهوين واللامبالاة. ويضيف سرحان أن الأصل أن يلتزم الإنسان بالإجراءات الوقائية ثم يتوكل على الله ويمارس الجزء الأكبر من حياته والأعمال اليومية من دون أن يكون ذلك سببا في التهاون أو التقصير في اتباع الإجراءات الوقائية، خصوصا أن العالم يتحدث عن أن هذا الوباء سيستمر لفترة طويلة، ولا بد من التعايش معه بمعنى الحرص على استمرارية الحياة بالقدر الأكبر مع الالتزام، وهي معادلة ليست سهلة وتحتاج إلى تطوير مع مرور الوقت.

ما هو ملاحظ اليوم هو أن نسبة كبيرة تتعامل مع هذا الوباء بنوع من الإنكار واللامبالاة، ما يسبب تزايد الحالات، وفي المقابل، فإن هناك فئة من الأشخاص لديهم مبالغة كبيرة في التعامل مع هذا الوباء، ما أثر بشكل كبير على حياتهم وحياة أسرهم وزملائهم، ويتمثل ذلك في المبالغة في استخدام المعقمات وغسل الأيدي والعزلة عن الآخرين أو يعيشون حالة قلق واضطراب دائمة.

وهذا، وفق سرحان، ليس حالة صحية، بل هو حالة مرضية تؤثر على نفسية الشخص ومحيطه، وتجعله في حالة خوف دائمة، وتولد هواجس تدفعه إلى تكرار السلوك نفسه مرات عدة، ما يؤثر على حياته اليومية، ويسبب الإزعاج له ولمحيطه، واستمرار هذه الحالة، خصوصا في هذه الظروف بسبب انتشار فيروس كورونا، سيؤثر على تصرفاته، بل قد يمنعه من العمل والإنجاز وكذلك قطع علاقاته الاجتماعية، وزيادة درجة القلق لديه، ما يؤثر على كل من الصحة الجسدية والنفسية.

ومن واجب المحيطين بمثل هؤلاء الأشخاص مساعدتهم على التخلص من هذه الوساوس من خلال الحديث معهم وإشغالهم بأعمال مفيدة بدل الاستمرار في العزلة والتفكير، وكذلك عدم الإكثار من تكرار الأخبار والتعليمات والتحذيرات على مسامعهم والتقليل من متابعة الأخبار بتفاصيلها المحلية منها والعالمية.

كما ينصح سرحان بتنمية روح الوسطية والاعتدال في كل شيء لديهم؛ كالبعد عن المبالغة والتهويل، وفي حال استمرار الشخص على حاله من سيطرة الهواجس، فإنه من الضروري مراجعة الطبيب المتخصص لأخذ مشورته وتوجيه هذا الشخص وأسرته والتعامل معه كحالة مرضية تحتاج إلى العلاج والمتابعة.

كذلك، فإن لوسائل الإعلام سببا مهما في نشر الخوف والذعر في نفوس الناس من خلال المبالغة والتهويل وعدم التوازن بالتوجيه والإرشاد وتقديم النصائح، لأن المبالغة أشد خطرا من الوباء نفسه، مع التركيز على تقديم الإرشادات العملية الوقائية التي يمكن تطبيقها.

ويذهب الاختصاصي الدكتور موسى مطارنة، إلى أن الوسواس القهري في الأصل اضطراب نفسي يسيطر على نسبة معينة من الأشخاص، وتكون ردود أفعالهم مبالغ فيها جدا، وفي ظل جائحة كورونا والتحدي الكبير الذي يواجه الجميع، أصبحت الوساوس مضاعفة عند هؤلاء الناس، وتحديدا الذين يعانون من وسواس النظافة، فهؤلاء يقبلون على المعقمات بشكل هستيري ويهولون من التغسيل وأخذ حذرهم أكثر من اللازم.

ويزداد هذا الأمر لديهم بعد التشديد على هذه الإجراءات، بحسب مطارنة، وإلزام الجميع بها من أجل حمايتهم، وتركيز ذلك في اللاشعور يجعلهم ينظرون إلى تصرفاتهم وتكرارها على أنها سلوكيات صحيحة ولا بد منها، وبعيدة تماما عن المبالغة لدرجة أنهم قد يرون كل شيء حولهم مجرثما، إضافة إلى أنهم غالبا ما يلجؤون للعزلة والانطواء والاستسلام للهواجس بل وربما للاكتئاب، وحالة من عدم الاستقرار النفسي، وبالتالي فمن الضروري معالجتهم وإعادتهم إلى طبيعتهم ليستطيعوا العيش بسلام ويؤدوا واجباتهم بعيدا عن التقصير.

نقلاً عن جريدة “الغد” الأردنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى