بيان الفصائل لا يستجيب لانتظارات الفلسطينيين* طوني فرنسيس

النشرة الدولية –

حصلت أعجوبة جمع الفصائل الفلسطينية بقدرة قادر، والتقى القادة الـ14 في مؤتمر بالفيديو، أكثريتهم جلس على مقاعد قاعة ياسر عرفات بمبنى السفارة الفلسطينية في بيروت، في ما واكبهم وشاركهم من رام الله الرئيس محمود عباس وقادة فتح ومنظمة التحرير. ساعات المؤتمر الفلسطيني حفلت بخطابات الأمناء العموم، بمن فيهم من جاء من سوريا “الصاعقة “، إلا أن النجم كان إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الذي حط في بيروت لينافس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته التاريخية للبنان ومبادرته لدعمه وإخراجه من أزماته التي لا تنتهي.

كان مجيء هنية في هذا التوقيت لافتاً للأنظار. وقد حاولت وزارة الخارجية اللبنانية إرجاء زيارته، إلا أن “السلطة اللبنانية الموازية” قررت العكس فدخل هنية بمواكبة أقصى الاهتمام من جانب حزب الله وحلفائه، وجرى تنظيم المهرجان الخطابي على أثير الإنترنت بين بيروت ورام الله بعد فراق وصراع وتخوين متبادل ساد الساحة الفلسطينية منذ اقتطاع “حماس” لقطاع غزة وجلوس أبو مازن في المقاطعة.

لم يحصل مثل هذا الاجتماع الفلسطيني منذ عقد من الزمان. لا صفقة العصر ولا إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ولا اعترافه بضم الجولان، دفع الفصائل إلى اللقاء أو جعلها تفكر بفداحة الانقسام الفلسطيني. وعلى عكس ذلك ذهبت حماس والجهاد الإسلامي بعيداً في مشروع إمارة غزة معتمدين على الرعاية التركية والدعم الإيراني والتمويل القطري، فيما كانت السلطة الوطنية في رام الله تترنح تحت الضغوط السياسية والمالية الأميركية، والأمنية الإسرائيلية. وما كان يجب أن يحصل من لقاء لطي صفحة الانقسام وبدء مواجهة موحدة لم يتحقق، وظهر أن ما يحرِّك الفصائل، أو بعضها، ليس ثوابت القضية الفلسطينية والمصالح الوطنية العليا للفلسطينيين، وإنما مصالح ضيقة تمليها سياسات المحاور وتقاطعاتها.

كان الحديث يدور قبل لقاء بيروت بأيام عن تحضيرات في موسكو لاجتماع شامل للفصائل المذكورة. وقد أكد المتحدثون باسم حماس تلقيهم الدعوة من جانب مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، إلا أن المسؤول في “فتح” عزام الأحمد نفى علمه بأي دعوة، وهدأت الأمور قليلاً ليظهر أن القرعة رست على بيروت، ولم توضح موسكو ماذا حصل. وقبل ذلك أيضاً كانت الاتصالات بين الفصيلين الفلسطينيين الأكبر أسفرت عن اتفاق على إقامة مهرجان في غزة يتحدث فيه أبو مازن، ولم يتحقق ذلك وقيل إن وباء كورونا هو السبب في عدم حصول المهرجان.

كان اختيار بيروت مكاناً لجمع الفصائل عملاً هادفاً تقف خلفه مجموعة من القوى الإقليمية، لها حساباتها الخاصة، التي ليس فيها ما يخدم الفلسطينيين واحتياجاتهم.

لقد وصل هنية إلى بيروت قادماً من تركيا حيث استقبله الرئيس التركي رجب أردوغان. وقبل ذلك كان هنية في قطر، وهو في بداية جولته المستمرة منذ بداية العام شارك في طهران بتشييع الجنرال قاسم سليماني معتبراً أنه “شهيد القدس”.

لا يمكن فصل حركة هنية عن رغبات داعميه الثلاثة. وهؤلاء شكلوا على الدوام حائط الدعم المادي والمعنوي للحركات الإسلامية في المنطقة، خصوصاً حماس والجهاد، وبينما كان الزعيم الحمساوي متوجهاً إلى بيروت كان السفير القطري في غزه ينقل عبر إسرائيل شنطاً تحوي ملايين الدولارات تمويلاً لسلطة القطاع. كانت إيران وقطر مستاءتين من الاتفاق (الإماراتي – الأميركي- الإسرائيلي)، وأردوغان في أشد الغضب على ماكرون، وطهران في قمة التوتر من الحصار الأميركي، ولذلك جاء اختيار وصول هنية إلى بيروت وعقد المؤتمر “التاريخي” فيها، محاولة من داعمي هنية وأصحابه، للقول لماكرون إنك غير قادر على تغيير صورة بيروت كموقع للممانعة، وامتداد لتركيا العثمانية في مواجهة التحدي الفرنسي شرق المتوسط، ومنبر يُستعمل ضد بلدان الخليج العربي طبقاً للأهداف الإيرانية.

في كل ذلك ما يُرضي أطرافاً لبنانية همّشها خطاب ماكرون وخطته، وأبعدها المبعوث الأميركي ديفيد شينكر عن دائرة اهتماماته، وفيه أيضاً ما قيل إنه يرضي أبو مازن، الذي يستشعر منذ فترة محاولة مزعومة مبكرة لوراثته مدعومة من دولة الإمارات حسبما تردد مواقع إعلامية من دون تدقيق بمصادرها.

ما لم يقله البيان الختامي للقاء الفيديو البيروتي قد يكون أهم مما قاله، لجهة الرسائل الإقليمية والدولية. أما ما نص عليه من تدابير، مثل إنشاء قيادة للمقاومة الشعبية، فلا يرقى إلى انتظارات الشعب الفلسطيني تحقيق الوحدة عبر انتخابات شاملة وبرنامج وطني موحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button