تأجيل إقامة معارض الكتب الدولية في العديد من الدول العربية والأجنبية يدفعهم لنشرها وتوزعيها الكترونياً

النشرة الدولية –

تواجه صناعة النشر عربيا تحديات كثيرة أبرزها تأجيل إقامة معارض الكتب الدولية في العديد من الدول العربية والأجنبية، وتوقف الكثير من دور النشر عن قبول الكتب الجديدة المؤلف والمترجم منها، وكذا توقف الكثير من المطابع عن العمل، وبدء الكثير من العاملين من الفنيين من مخرجين ومصممين ومحررين العمل من منازلهم في حال توفر عمل.

هذه التحديات صاحبتها تغيرات تطرح تساؤلات كثيرة فيما يخص مستقبل الصناعة، وقد توجهنا بسؤالين من هذه التساؤلات لعدد من الناشرين، هما: ما هي خطط الناشر للعام 2021 في ظل التحديات القائمة سواء كانت جائحة كورونا أو النزعات والصراعات المشتعلة بين دول العالم العربي والشرق الأوسط عامة؟ وماذا عن تأثير التغيرات التي حصلت نتيجة ذلك مثل النشاط الكبير للبيع والتوزيع الإلكتروني، وعمل كثير من الموظفين من بيوتهم كالمحررين والمصممين.. إلخ، وهل يتوقع أن تكون هذه التغيرات التي مست صلب صناعة النشر تغيرات دائمة؟

حوّلنا التحدي إلى فرصة

بداية يقول القاص والناشر جعفر العقيلي صاحب “الآن ناشرون وموزعون”، “في ظل الظروف المحيطة والمرتبطة بجائحة كورونا، لا يمكن القول إن هناك خطة واضحة تماماً ومحددة الملامح بخصوص برامجنا في عام 2021، فما زال في الوقت متسع لإعادة ترتيب الأولويات استناداً إلى تطورات الوضع الوبائي. كنا نعدّ العدّة للمشاركة في معارض أكدت إداراتها أنها ستقام في مواعيدها، قبل أن نتلقى مؤخراً رسائل تفيد باحتمالية التأجيل أو الإلغاء التزاماً بالقرارات الحكومية لضمان السلامة العامة. لكن أستطيع القول بثقة إننا نجحنا في “الآن ناشرون وموزعون” في تحويل التحدي إلى فرصة، فلم ينقطع العمل خلال فترة حظر التجول أو الإغلاق الشامل، وواصل الفريق أداءه بنسبة إنجاز عالية، وهو ما يتجسد في الكتب الجديدة التي تخرج تباعاً من المطابع وفاء لالتزاماتنا مع المؤلفين وفي نطاق الآجال الزمنية المرسومة مسبقاً لصدور لهذه الكتب.

ويضيف العقيلي “لأن هناك تحولاً واضحاً نحو شراء الكتب من خلال المتاجر ومنصات البيع الورقية والإلكترونية، كتعويض عن غياب المعارض التي اعتاد القراء على أن تقام في مواعيد شبه ثابتة، فقد طورنا موقعنا الإلكتروني ليكون متجراً إضافة إلى كونه منبراً ثقافياً إخبارياً وتفاعلياً يحتفي بالكتاب والمؤلف معاً. وفي فترة الحجر المنزلي، ركّزنا جهودنا على توسيع عملية توزيع الكتب عن طريق شركاء جدد في عواصم عربية وغربية وقّعنا معهم اتفاقيات تبادل وتوزيع، وهذه وسيلة مناسبة لإتاحة الكتاب للقارئ وبكلفة معقولة، بعيداً عن كلفة الشحن الإضافية والمرتفعة عموماً. وبشأن فريق الدار الأساسي، فقد دأبنا على عقد اجتماعات عن بعد عبر شبكة الإنترنت، وطوّرنا آلية العمل وأعدنا توزيع الصلاحيات والمهام بما يحقق ردم أي فجوة متوقعة بين العمل في المكتب والعمل من البيت. وهو ما أثبت نجاعته في غضون أسابيع من بدء التجربة. أما فريق المتعاونين، فقد اعتدنا معهم على صيغة العمل عن بعد قبل أن تبدأ الجائحة. وأخيراً، أعتقد أن قطاع النشر وصناعة الكتاب من القطاعات التي ستشهد تغيراً كبيراً مع استمرار الجائحة، وبخاصة في حال لم تعد المعارض إلى سابق عهدها، وهو ما يستدعي من الناشرين بذل المزيد من الجهود لتوظيف التكنولوجيا والتقنية في مجال تسويق الكتاب وترويجه وإتاحته للقارئ، وإلّا فإن هذه الصناعة ستكون في خطر لا محالة.

تنويع العناوين
ويشير الناشر محمد البعلي صاحب دار صفصافة للنشر بالقاهرة إلى أن الدار تنوي تنويع قائمة مطبوعاتها الجديدة خلال عام 2021 لمواجهة التحديات التي يفرضها الواقع على الطلب، حيث نخطط لكي تضم قائمتنا عددا من العناوين “التجارية” المترجمة سواء من أدب الجريمة أو الأدب التاريخي، إضافة لخط نشرنا الرئيسي الذي يركز على أدب الجوائز والأعمال الفكرية والأدب غير الروائي، وفيما سنواصل التركيز على الآداب الآسيوية، فإننا سنتوسع كذلك في ترجمة الأدب الإنجليزي والأميركي الذي يحظى بالفعل بقاعدة قراء قوية في المنطقة العربية. كما نخطط لبدء خط نشر للأطفال والناشئة ساعين إلى تنويع قائمتنا من ناحية، ورفد سوق كتب الأطفال بأعمال ذات محتوى تقدمي تقدم نفسا مختلفا في سوق كتب الأطفال الذي يسيطر عليه القصص الديني.
ويقول “بالنسبة للتغييرات التي طرأت على نشاط النشر، فنحن ننوي مواصلة وتطوير البيع والتسويق الإلكتروني وكلاهما بدأنا التوسع فيه خلال فترة الإغلاق بسبب وباء كورونا، كما سنحافظ على مرونة العمل من المنزل، بحيث تصبح نظاما دائما لأكثر من نصف فريق العمل، وبشكل خاص المحررين والمصمم الرئيسي للدار وفريق التسويق والسوشيال ميديا.. ونظن أن هذه السياسة ستنعكس بشكل إيجابي على أداء فريق العمل، وننصح كافة الناشرين باتباع نظم العمل المرنة لما في ذلك من توفير لوقت وجهد العاملين، وإن كانت بالطبع تحتاج إلى جهد أكبر من فريق الإدارة”.
التوجه الإلكتروني
أما الناشر مصطفى الشيخ مدير دار آفاق فيرى أن فيروس كورونا المستجد الذي انتشر في العالم أجمع منذ أوائل عام 2020 ومستمر إلى الأن قد أصاب صناعة النشر بأضرار بالغة كان تأثيرها المباشر في إلغاء المعارض الدولية والمحلية للكتب كافة، هذه المعارض التي تعتبر المنفذ الأكبر لجميع الناشرين في عرض وتوزيع إصداراتهم، الأمر الذي استوجب أن يغير جميع الناشرين خطتهم للنشر التي كانت موضوعة سلفا. وبالنسبة لنا في آفاق للنشر والتوزيع تم التعامل مع هذا الظرف بأن تم تجميد نشاط الدار الخاص بالطباعة فور إبلاغنا بوقف جميع المعارض، وتم أيضا الاتصال بالمترجمين الذين لديهم كتب قيد الترجمة لوقف العمل بالكتب التي لديهم لحين اتضاح الأمور، وتم وضع خطة جديدة للنشر بتقليص عدد الإصدارات السنوية التي كان مقرر إصدارها في خطة نشر 2020 – 2021 إلى النصف تقريبا، ومن شهر يوليو/تموز 2020 تم استئناف نشاط الدار في النشر مرة أخرى بناء على هذه الرؤية الجديدة وأصدرنا حتى الآن حوالى 10 كتب جديدة، ويوجد لدينا 10 كتب أخرى قيد النشر حتى نهاية عام 2020 إلى أن تتضح الرؤية ونعرف إلى أين سيأخذنا فيروس كورونا.
وأكد الشيخ أنه قد حدثت تغيرات في طريقة إدارة النشاط، وقد غيرنا في الدار كثيرا من طريقة إدارتنا للعمل، حيث يعمل من المنزل بعض كوادر الدار، وكذلك اعتمدنا توزيع الكتب أونلاين، وتنشيط خدمة توصيل الكتب إلى العميل وحاليا الدار تقوم بعمل متجر إلكتروني خاص بها لتوزيع كتبها ورقيا وإلكترونيا، كما نقوم حاليا بتحويل كتبنا لصيغة EPUB تمهيدا لطرح كتبها إلكترونيا على جميع المنصات المهتمة بتوزيع الكتاب إلكترونيا.
البيع والتوزيع الإلكتروني 
ويكشف عبدالعظيم الصلوي المدير التنفيذي لمؤسسة أروقة للنشر عن خطط المؤسسة قائلا “لدينا خطط كثيرة للنشر للعام القادم على الرغم من أنَّ أمورًا عدة لم تتضح بعد بشأن معارض الكتاب القادمة، كما أن ما اتضح من هذه الناحية تحيط به المخاوف مما يتردد حول موجة ثانية لكورونا. يتعلق جزء من خطط العام القادم بتقديم إصدارات 2020 ضمن إصدارات 2021 مجددًا. كما أن لدينا كمًا من الترجمات الجديدة ذات الأهمية مما لم يترجم للعربية من قبل أو لم يترجم بالشكل المناسب، إضافة إلى التوسع في سلسلة مهمة من سلاسل إصدارات الدار وهي سلسلة بعد ما بعد الحداثة التي تهتم بتقديم وعرض وترجمة ودراسة النظريات المختلفة التي ظهرت منذ مطلع الألفية في شتى المجالات والحقول العلمية، إلى جانب إعادة تنشيط بعض السلاسل الجماهيرية.
ويضيف بشأن التغييرات التي طرأت على الصناعة وتأثيراتها “كان من المفترض أن تحدث هذه التغييرات من زمن البيع والتوزيع الإلكتروني تحديدًا، وقد حدث كثير منها في العالم، لكن العرب انتظروا حتى حلت كورونا، ومع ذلك فقد أفادت هذا التحولات القارئ والمنتج إلى جانب ما تطلبه الفراغ والبقاء في المنازل من حاجة للكتب والقراءة، كما أنَّ العاملين على الكتاب من محررين وكتابًا قد كسبوا الكثير من الوقت والمصادر والممارسات الجديدة. رغم ذلك ما زلنا بحاجة إلى خطوات أوسع بكثير مما حدث لتصعيد الواقعي بشكل نهائي إلى الافتراض والذهاب في كل الاتجاهات المتاحة والسبل، والتماهي مع الممارسات الثقافية الممتدة التي لا تقتصر على الخبرة والتعلم والقراءة والتعايش فقط”.

الحركة الإلكترونية
ويؤكد أحمد اسامة مدير التسويق والتوزيع بدار مسعى أن حماية وإنقاذ صناعة النشر خلال المرحلة القادمة يتطلب زيادة التواصل مع جمهور القراء، وتعويض ما فات في فترة الجائحة من تأخير لنشر الإصدارات التي كان مزمع إصدارها، وذلك بالتزامن مع الاستمرار في الحصول على حقوق ترجمة ونشر الأعمال الأجنبية ذات القيمة والجودة الأدبية العالية خاصة الحائزة على تقدير النقاد وإعجاب القراء حول العالم وتعريف جمهور القراء العرب بما هو جديد كما عهدوا منا دوما.
ويلفت إلى أن التعامل الإلكتروني في البيع والتوزيع لا يزال يسير بوتيرة ضعيفة بعض الشيء خصوصا في دول شمال أفريقيا، نظرا لعدم اعتياد شعوب تلك الدول على مثل تلك التعاملات بعكس شعوب دول الخليج مثلا الذين قطعوا شوطا كبيرا في تلك الجزئية من قبل فترة الجائحة، إلا أنه لا يمكن إنكار أن الحركة الإلكترونية قد نمت بشكل ملحوظ على المستوى العام بسبب الجائحة، ونتمنى استمرار ذلك النمو بعد انقضاء تلك الفترة مواكبة للتطور الحاصل عموما في أنحاء العالم والقائم على تعميم التعاملات الإلكترونية.
ويرى أحمد أسامة أن تأثر المصممين والمحررين بشكل عام كان ماديا بصورة قوية، فكل الدور النشر عالميا علقت أعمالها وإصداراتها لفترة كبيرة لإعادة تقييم الأوضاع وانتظارا لما ستسفر عنه الجائحة، وبالتالي لم تكن هناك خطط للاستمرار في التعاقد على نشر أعمال جديدة في تلك الفترة مما أصاب سوقهم بحالة أقرب إلى الركود التام. أما على المستوى العملي فلم يتأثروا بالشكل الذي تأثر به غيرهم في مجالات مختلفة نظرا لأن طبيعة عملهم أقرب لأصحاب الأعمال الحرة، وبالتالي هم بالفعل يؤدون أعمالهم من المنزل بشكل عام حتى في الظروف الطبيعية. إن هناك بالفعل تغيرات ستكون دائمة منها الاهتمام بصورة أكبر بالنشر الإلكتروني والصوتي خصوصا في الشرق الأوسط وتحفيز القراء على سلوك ذلك المسلك من خلال توفير العروض وتخفيضات الأسعار، كذلك كانت رسالة قوية لكل الناشرين لوضع خطة طوارئ في حالة تكرار ما حدث تمكنهم من تقليل الخسائر وتحجيمها حتى لا يتكرر الوضع الذي حدا ببعض دور النشر أن تعلن إغلاقها بشكل نهائي وخروجها من السوق.
الفساد المستشري
ويوضح الناشر أحمد سعيد عبدالمنعم تخطط منشورات الربيع لتقديم موسم متنوع بين الإبداع العربي والمترجم من عدة لغات، فيقول “التغيرات التي حلّت هي صافرة إنذار للحكومات العربية لإعادة تقييم التجربة العربية في دعم الثقافة، بين الواقع والمفترض أن يحدث حتى قبل كوفيد 19. الفساد المستشري في جنبات القطاعات الثقافية والمسكوت عنه لاعتبارات كثيرة لا بد أن يلتفت له المسئولون. المجاملات والعلاقات والشلل المتحكمة في كل اتجاه أينما وليتَ وجهَك وجدتَ شلة تحكم قطاعا.
ويشير إلى أن “المسألة ليست بهذا التبسيط. على شلال النشر أن يتوقف لينتج محتوى يستحق القراءة. وعلى الصحافة الثقافية أن تكف عن الصراخ ليل نهار تبشيرا بكتب الأصدقاء وتجاهل غير المنتمين للشلل مهما كان جادًّا. وعلى وزارة الثقافة أن تكف عن إهدار المال العام على كتب أصدقاء مسئولي السلاسل مهما كان رديئا. وعلى الدولة أن تدعم خطة نشر سنوية يشرف عليها ويحكّم فيها المشهود لهم من المبدعين والأكاديميين بالنزاهة والتجرّد من الشللية والفساد. يتقدم لها الناشر الخاص والحكومي على حد سواء. ويتم تقييم المشروع دون معرفة المتقدم به. المعيار هو مدى احتياج المكتبة العربية له فقط”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button