أي الدوائر الانتخابية تصلح للكويت؟* حمزة عليان
النشرة الدولية –
أي نوع من أنواع الدوائر الانتخابية تحظى بالإجماع؟ وما الدوائر التي تتلاءم والظروف الاجتماعية والسياسية للكويت؟ وهل هناك دوائر أمثل يمكن الأخذ بها ولا تحيط بها أي شوائب تناسب المجتمع الكويتي؟
في كل تقسيم جديد للدوائر يخرج من يقول إنها لم تحقق العدالة في توزيع الناخبين، فمنذ عام 1961 بدأ تقسيم الدوائر بعشر، واليوم هناك من يعترض على الصوت الواحد، بل ذهب البعض إلى الدعوة لمقاطعة الانتخابات باعتبار أن هذا التوزيع ينتج “نوعية رديئة” من النواب!
وعلى مدى الستين عاماً بقيت الدوائر مثار جدل حول عدالة التوزيع وعدد السكان، فلا يعقل على سبيل المثال، أن تكون الدائرة الأولى تساوي خمسة أضعاف الدائرة الـ21 في الأحمدي، كما هي في فترات سابقة.
الطريف أو ربما من حسن الطالع أن تترافق الدعوات لجعل الكويت دائرة انتخابية واحدة منذ أول مجلس أمة عام 1963 وظاهرة عدم العدالة في توزيع الدوائر باعتبارها إحدى المشاكل البارزة في معظم الدول التي تأخذ بالنهج الديمقراطي.
لنستعرض أولاً تاريخ تقسيم الدوائر، فهذا سيجعلنا أقرب لمحاكاة الواقع، إذا استبعدنا المجلس التأسيسي من الحسبة والذي جرت فيه الانتخابات على أساس عشر دوائر بمعدل نائبين عن كل دائرة، تكون الحصيلة كالتالي:
المرحلة الأولى فيها أربعة مجالس تمت على أساس عشر دوائر، وكل دائرة يمثلها خمسة أعضاء، وهذه المجالس من 1963 إلى عام 1975 أي طوال 13 سنة.
المرحلة الثانية امتدت إلى ربع قرن من مجلس 1981 إلى مجلس 2006 وانتخب فيها سبعة مجالس على قاعدة 25 دائرة ونائبين عن كل دائرة.
أما المرحلة الثالثة فبدأت مع مجلس 2008 ومازالت، وأنتجت أربعة مجالس، على أساس خمس دوائر و10 نواب عن كل دائرة يحق لكل ناخب أن يصوت لـ4 مرشحين. (جرى تعديل المادة الثانية للقانون رقم ٤٢ لسنة ٢٠٠٦ بحيث يكون لكل ناخب حق الإدلاء بصوته لمرشح واحد فقط).
كان من الطبيعي أن يحدث التغيير كل فترة زمنية وأخرى، وعادة ما تلجأ السلطات إلى تغيير الدوائر وإعادة غربلتها بسبب تزايد عدد السكان وعدم استقرارهم على نسبة واحدة، إضافة إلى إنشاء مدن جديدة ومناطق تم إلحاقها بدوائر قديمة، مما يستوجب التعديل نظراً لما يتسبب واقع الأمر في اختلاف نسبة الناخبين، وهذا ما حصل عام 1980 عندما قامت الحكومة بتغيير الدوائر إلى 25 دائرة، بهدف حل مشكلة عدم العدالة في التوزيع.
المشككون في جدوى تغيير الدوائر يعزون ذلك إلى تدخل الحكومات في العملية الانتخابية “وهندستها” بحيث تأتي بأسماء تضعها تحت “عباءة السلطة”، والقاعدة الشائعة تقول إنه كلما صغر حجم الدائرة وزاد عدد الدوائر ساعد الحكومات في التحكم في نتائج الانتخابات، فمن تبعات الدوائر الصغرى أنها تفرز ظواهر سلبية تنعكس على “نزاهة” الانتخابات وتخلق مظاهر تعوق العملية الديمقرطية وتجعلها أسيرة القبيلة والطائفة والعائلة.
ففي الدوائر الصغرى تسهل عمليات شراء الأصوات بعكس الدائرة الكبيرة، وتؤدي من ناحية أخرى إلى بروز التكتلات الطائفية والقبلية والعائلية.
الواقع أن التلاعب في الدوائر الانتخابية يتم بأكثر من طريقة، كأن يجري إلحاق مناطق مؤيدة للسلطة بدوائر المعارضة، أو بتقسيم دوائر المعارضة وتفتيتها، إلى مناطق أصغر ثم دمجها مع دوائر أخرى مؤيدة لتشتيت أصواتها.
لا شك أن تحديد الدوائر يؤدي دوراً أساسيا في العملية الانتخابية، ويحدد بالتالي “هوية المجلس”، لذلك يرى البعض أن الأخذ بالكويت دائرة انتخابية واحدة سيؤدي إلى التخلص من نقل الأصوات وشرائها ويقضي على العصبيات، بل يحقق العدالة ويقيم نوعاً من التوازن بتوزيع الأصوات، ويجعل النائب الفائز ممثلاً حقيقياً للأمة.
قد يكون هذا الكلام نظرياً صحيحاً، لكن الواقع يفترض وجود أحزاب مشرعة ولديها تجارب وكوادر مدربة، والدائرة الواحدة لن تخرج إلى النور إلا إذا ارتبطت بنظام القائمة المغلقة أو النسبية، كما هو في إسرائيل والبرتغال على سبيل المثال.
الحقيقة أنه لا يوجد نظام انتخابي أمثل لا تشوبه شائبة، فالمسيرة الديمقراطية اعتراها الكثير من العثرات والنظرات، وتعرضت أحياناً إلى “القص واللزق”، وهي تجربة تحتمل الخطأ والصواب.
قد تتكرر الأزمات بسبب عيوب النظام الانتخابي أو بسبب الدوائر الانتخابية، وهي جزء منها، ويبقى الجدل قائماً حول تأهيل الديمقرطية وجعلها رافعة للتطوير والتنمية لا عائقاً لها، فالرأي العام غالباً ينظر إلى ما تم من إنجازات وممارسات على الأرض، قياساً بالتطور الذي تحققه عواصم خليجية أخرى سبقت الكويت بأشواط، فقد جرى ربط ذلك بأداء مجالس الأمة وعدد من النواب.
لم يعد بالإمكان تأجيل إصلاحات مستحقة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، فالترحيل سيضاعف الفاتورة السياسية ويزيد أكلافها على ضوء ما تعانيه البلاد من أزمات اقتصادية حادة.