الهجرة واللجوء … بين التحريم والتجريم!* سارة المكيمي

النشرة الدولية –

ما إن تحاول أو تنجح امرأة في الوصول الى وجهتها بهدف الهجرة الطوعية أو اللجوء هربا من تعسف أو تنكيل أو إذلال أو خطر إلا وارتفعت الأصوات في بلادنا تندد وتستنكر فعل الهرب ذاته لا الفعل المؤدي له! كثيرا ما استغربت من ردّة فعل المجتمع العنيفة ضد المرأة التاركة مهما كانت أسباب الهروب، ربما لأن المتوقع والمنتظر من المرأة أولا ألا تتطلع أصلا إلى حياة غير تلك المصوغة لها منذ الأزل، وإن تحصلت على المزيد من الحرية والاستقلال فلابد من الرضا الأزلي بهذا القدر وعدم الاحتجاج أو المطالبة بالأكثر حتى لو انقلبت الحال بزيجة أو وفاة والدين مثلا وعانت التضييق والتعسف والتهديد والخوف.

يعتقد الكثيرون أن هجرة المرأة لبلاد الغرب حرام بحد ذاته، لأن الحرية والمساواة التي تمنحها هذه البلدان للنساء تُترجم تلقائيا في أذهان البعض لانحراف وانحلال وتفسخ أخلاقي، فالمرأة التي تحصل على هذا القدر من حرية القرار والاختيار بلا رقابة أو وصاية أو ولاية لابد لها– في أذهانهم– أن تختار طريق الخراب ونهج السوء. من الصعب جدا إقناع هؤلاء أنها ستعيش حياة عادية، تعمل بوظيفة طبيعية، تختار زوجا، تنشئ بيتا وتنجب أطفالا وتكوّن أسرة!

يعتقد الكثيرون منهم أنها لابد أن تتحول إلى عاهرة أو راقصة أو متعرية أو مشردّة ومدمنة مخدرات! سيستغلها الرجال لأنها بلا “سند” بترجمة فورية “رجل”، وتتقاذفها بيوت البغاء وتكون لقمة سائغة للإذلال والامتهان، وعلى الرغم من وجود حالات كثيرة في بلادنا العربية من نساء قاسَينَ وعانين من تعنت أُسرهن وتهديد لحياتهن وحرمان من أبسط حقوقهن فإن المعارضين يؤمنون أن هذا كله أهون وأفضل وأجدى لهن من الهجرة أو اللجوء إلى البدان الغربية! فالأنثى بهذه الحالة عليها السكوت والصبر والاحتساب أو محاولة إقناع معنفيها بالحوار والنقاش بمطالبها، وعدم التفكير بالتوجه لأي مكان آخر مهما طال بها الزمن، ساءت الظروف وتبدد العمر!

الدساتير العربية تكفل حرية التنقل والترحال للإنسان العاقل الراشد من ذكر أو أنثى، السفر واختيار أرض أو بلد آخر، فالهجرة الطوعية هي من أسس البقاء الإنساني عندما كان أجدادنا يرتحلون بحثا عن الماء والنبت والحياة الكريمة. يهاجر الناس أيضا طلبا لطبيعة أخرى، ربما أعراف أكثر انفتاحا وقوانين أكثر مرونة تعطيهم فسحة لعيش الحياة التي يريدونها، طرح أفكارهم بلا ملاحقة، الالتحاق بالدين الذي يؤمنون به، الحرية في اختيار الشريك والحرية في عيش حقيقتهم التي لا يستطيعون الإفصاح عنها في بلدانهم المحافظة أو المتطرفة.

الهجرة واللجوء ليسا ذنبا يعيّر به الإنسان، ولا عيباً أخلاقيا، ولا تخليّا عن دولة ولا تبرؤاً من أسرة ولا تخوينا بولاء، هو حق لكل إنسان ينفذ بحياته من خطر الحروب السياسية، وشح المال وندرة الوظائف، والنبذ والتجريم بسبب الاختلاف عن السرب بالإضافة الى تهديد الحرية والحرمان من الحقوق.

تحريم وتجريم هذا الحق الإنساني الأساسي هو الجريمة الكبرى، قسر الحياة على وطن ومكان واحد هو الحرام، وتزوير حقائق المهاجرين وتعهير المهاجرات أفعال شائنة بائسة وتدخّل صارخ في خصوصيات الآخرين!

نقلاً عن “الجريدة الكويتية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى