“أهرب من ظله” مجموعة قصصية للبحرينية شيماء الوطني.. عن الشخصيات المضطهدة في المجتمع

النشرة الدولية –

تتعدد الثيمات التي استخدمتها الكاتبة البحرينية شيماء الوطني لشخصياتها، في مجموعتها القصصية ”أهرب من ظله“ الصادرة عن دار الفراشة للنشر والتوزيع 2020.

وتبحث الكاتبة في مجموعتها القصصية عن أسرار يمكن مشاركتها مع أشخاص آخرين في قصصها، وتتناول بلغة حكائية متمرسة، وسهلة، الشخصيات المقهورة، المنقطعة عن العالم، والشخصيات المعنفة، والتي تعاني الفقد، والباحثة عن الامتداد، والشخصيات المغربة عن الحياة، المشبعة بالوهم، وغير ذلك.

وبلغة الأنا، تسرد الكاتبة حدث كل شخصية، في مجموعة من 114 صفحة من القطع المتوسط، تشتمل على 19 قصة.

وما يغلب على السرد القصصي لدى الكاتبة، اهتمامها بالجانب المونولوجي في طرحها، وغوص مستمر في الحوار الداخلي. حيث تميل لغة القصص إلى السرد الموجز عن محيط الشخصية، ومن ثم التعمق في تحليل الشخصية النفسي، ومن الملاحظ ابتعاد الكاتبة عن اللغة الشاعرية، محققة بذلك نقاء الحكاية.

في قصص شيماء الوطني تبدو أصوات الشخصيات دائما في حالة صراع مع الذات، تلك الشخصية المشغولة بالبحث الدائم عن الناقص، الذي يعد رمانة الميزان في الحياة. ولم تركز الكاتبة على صوت المرأة وحيدا في قصصها، بل ذهبت إلى بعد إنساني بحت، قادر على ضم قضايا الرجل أيضا.

وتختار ”الوطني“ تركيبة ”المودل“ في قصتها بمواصفات خاصة، حيث تعرف الكاتبة كيف تلتقط منه ما يخدم قوس القصة، وما يربط الحبل القصير للتعلق بالحدث؛ ثم ما يصنع لحظة المفاجأة مع القارئ.

كتمهيد للمجموعة القصصية، تلقي شيماء الوطني ببذرة القصة في كف القارئ، حينما تعطي لمحة عن حاجة الإنسان للحكاية، فرمية الطوب عند اكتمال قوسها، ربما نكتفي، لحظتها، بسماع صوت ارتطام الحجر بالأرض، من فرط وحدتنا.

هنا الحكاية تعمل كما يعمل ذلك الصوت الهش، إننا نحكي ولا نتوقف عن الحكي، لا يهمنا ما يرده لنا السامع، فربما فعلا هو لا يستطيع التجاوب معنا. تقول الكاتبة: ”كنا نرى في عينيه عجزه عن إنقاذنا، ومع ذلك بقينا نحكي له“.

يُلاحظ أن فكرة الحكاية عند الكاتبة، تأتي محملة بصوت الغرابة، فتؤسس للفعل غير المعتاد، الذي يستوقف العين والذهن.

الشخص اللقيط، يصنع عائلته الخاصة عبر صور يشتريها من السوق. بعد زمن يكون له عائلته التي لا تغادر جدار غرفته. ذلك الوهم يكبر ويتمدد في عقله مثل قطعة ”سلايم“.

وتكون لحظة انفجار الوهم في وجهه، أن صورة أمه على الجدار، هي في الأصل مسروقة من بيت الفتاة التي تعرف عليها وأتم خطبتها. فمن سوء حظه، أن الصورة تعود لجدة خطيبته.

وتصبح لحظة تعريفها على عائلته الوهمية لحظة نهاية الطريق القصير الذي جمعهما. ولحظة انكشاف كذبه، ولو كانت له عائلة حقيقية لما احتاج أن يشتري ذلك الكم الكبير من الصمغ.

تكتب شيماء الوطني في قصة ”عائلة على الجدار“:

”السعادة التي بدأت أشعر بها وأنا أختار أفراد عائلتي، كانت إحساسًا جديدا ومثيرا، أختبره، لم أشعر به من قبل، حتى أنني اعتبرت نفسي محظوظا عن الآخرين الذين لا يستطيعون انتقاء أفراد عائلاتهم كما أفعل“.

شخصية أخرى، كان رحمها معطلا، فتعطلت معه حياتها بالأكمل. تلك المرأة الذكية القادرة على حيازة إجماع من حولها عليها، الأنيقة، المصممة لحفلات أفراح صديقاتها. مع مرور الزمن تغير حالها، وأحست بالفراغ الكبير داخلها، فأفسدت حياتها الهادئة بالجري المهلك نحو شيء لم يكن بقدرتها يوما. حياتها التي كانت شبه مكتملة لولا الطفل، لم تعجبها، فشلت حياتها كما فشلت في رسم خط مستقيم بيدها.

”حياة رسمتها بعناية واهتمام بكل تفاصيلها، لتكون كلوحة فنية لابد أن يعجب بها كل من يراها، لأنها مكتملة، ومثالية ومبهرة. لكن رحمي العاطل، الفارغ الخاوي، أفسد كل شيء، وأصبح اللطخة التي شوهت جمال لوحتي، فأصبحت لوحة ناقصة“.

فيما تذهب الكاتبة إلى المتورطين بالوهم والحراك النفسي البغيض، الذين يسمعون من بئر معتم داخلهم، فيلوث لهم حياتهم. فتصبح حياتهم منفصلة عن الواقع بشكل مرضي. ذلك العازل بينهم وبين الحياة يزداد سُمكه، تدريجيا، حتى يصبحون خارج الحياة تماما.

فالمرأة التي تسمع أصوات الآخرين من حولها، عائلتها وزوجها، وأصدقائها، وعلى الرغم من أنهم لم ينطقوا تجاهها بأي كلمة تؤذيها، لكنها تمسك بالإيذاء الوهمي هذا، كأنه لحظة انتحار.

تكتب الكاتبة عن هذا الهاجس في قصة ”سراب زائف“:

”حياتي باتت على جرف هاوية، قد تسقط منها في أية لحظة وما عدت قادرة على مواصلة العيش، فالأصوات والهمهمات التي أسمعها تدفعني للجنون، توشوشني أو تصرخ في وجهي، حتى الغرباء الذين أعرفهم، ما عادوا يمرون بقربي صامتين“.

وعن النساء المعنفات بالعين والحواس، تبحث الكاتبة في دروبهم، عن معيقات استمرار الحياة الدافئة، وتعري قناعات المجتمع الذكوري، في توصياته باستمرار خضوع المرأة لرجل يستفز داخلها القطيعة عن الحياة.

فلا يكون التعنيف بضرب الجسد وحده، إنما بطرق أخرى، تكاشفها الكاتبة في قصتها. تلك المشاعر السلبية المسكوت عنها، حيث يجبر المجتمع نساءه على التعايش معها.

ويمكن مشاركة نفس القهر الناجم عن وعود الرجل المتزوج الكاذبة، للمرأة الأخرى في حياته، كما في قصة ”أهرب من ظله“ ففي ذلك سياق آخر من التعنيف. تكتب شيماء الوطني في قصة ”خرقة بالية“:

”فتشوا جسدي، لن تجدوا عليه أثر لكدمة أو حتى خدش بسيط. ولكن ماذا عن قلبي الذي ينزف وروحي التي تغطيها جروح غائرة لا تندمل؟!

إلغاؤه لذاتي تعنيف، قتله لشخصيتي تعنيف، خيانته لي تعنيف، معاملتي كخرقة بالية يمسح بها حماقاته، تعنيف. ألا يكفي ذلك لأشكوه؟“.

يذكر أن للكاتبة شيماء الوطني رواية ”المطمورة“، الفائزة بجائزة الشارقة الثقافية للمرأة 2018، وأصدرت رواية ”هناك حيث الضفة الأخرى“، ومن قبلها، كتاب ”عيسى/ سيرة لا تنطفئ“. كما وفازت بجائزة مدوني البحرين 2015.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى