فلسطين… «ما حك جلدك مثل ظفرك»* مصطفى البرغوثي
النشرة الدولية –
ما إن أعلن ترامب وفريقه، صفقة القرن التي كتبها بنيامين نتنياهو وقادة اليمين العنصري المتطرف في إسرائيل، حتى جوبه بموقف فلسطيني حازم وموحد، في رفضه لهذه المؤامرة الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية بكل مكوناتها، وفرض تطبيع مع المحيط العربي على حساب الشعب الفلسطيني.
ولم يقتصر الرفض على الشعب الفلسطيني، بل شمل معظم دول الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين ومعظم الدول الإسلامية.
ونتيجة صلابة الموقف الفلسطيني عُزلت مخططات صفقة القرن، وفشل المؤتمر الاقتصادي الذي قاده كوشنر في محاولة للترويج لها، ولقيت كل محاولات فك العزلة عن الموقف الأميركي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بضم القدس المحتلة والجولان، الفشل أيضا، إذ لم تنضم الولايات المتحدة في هذا الفعل المشين والمناقض للقانون الدولي سوى دولة واحدة هي غواتيمالا.
ترامب ونتنياهو حاولا قلب المعادلة وفك العزلة عن مخططاتهم من خلال اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، والإعلان المشكوك في إمكانية تنفيذه بنية الصرب وكوسوفو فتح مكاتب أو سفارات لهم في القدس، وترافق ذلك مع هجوم يستهدف معنويات الشعب الفلسطيني لإقناع الفلسطينيين بأنهم معزولون.
الهدف من كل ذلك كسر الإرادة الفلسطينية، وإجبار الفلسطينيين على الرضوخ لمخطط الضم والتهويد، وقبول صفقة القرن، وتحويل حلمهم بدولة حرة مستقلة إلى منظومة احتلال وأبارتهايد استعمارية دائمة.
الهجوم الجاري وحَد مواقف الفلسطينيين بمختلف قواهم، ولا بد أن يفتح الطريق لاستراتيجية وقيادة وطنية موحدة تجند طاقات الشعب الفلسطيني لمواجهة هذه المؤامرة.
ترامب ونتنياهو يسابقان الزمن لأن الأول يستشعر خطر سقوطه في الانتخابات خلال أقل من شهرين، ونتنياهو يخشى محاكمته بأربع تهم فساد كبرى، والحركة الصهيونية تظن أن هذه فرصتها الكبرى لكسر المقاطعة العربية، وتصفية حقوق الشعب الفلسطيني.
وبغض النظر عمن يطبع ومن لا يطبع، فإن أحداً لن يستطيع تجاوز عنصر الصراع الرئيس في المنطقة، مقاومة ونضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال والعدالة.
ورغم الشعور بالخذلان والإحباط من بعض المواقف، فإن ما يجري ليس جديداً على الشعب الفلسطيني الذي واجه في السابق خذلاناً وأزمات أكبر.
الشعب الفلسطيني تعلم مما جرى عام 1948 من نكبة وتشريد، ومن عدوان 1967 واحتلال ما تبقى من أرضه بما فيها القدس، ومن حصار بيروت عام 1982، واجتياح شارون عام 2002 رداً على المبادرة العربية، أنه ما حك جلدك مثل ظفرك، وأن القول الفصل كما جرى في الانتفاضتين الأولى والثانية، سيكون على أرض فلسطين، وسيُسمع من شعب فلسطين.
ولن يجرنا نتنياهو وزبانيته إلى أي صدام مع أي شعب عربي، ونحن نعرف تماماً، أن مشاعر الشعوب كانت وستبقى إلى جانب شعب فلسطين، بغض النظر عن المواقف الرسمية.
أذكر عندما كنت طفلاً في الستينيات كيف كنا، على فقر فلسطين، نجمع القروش والتبرعات لثورة شعب الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، وأذكر كيف كنا نجند التضامن ونحن نخوض المعركة تلو الأخرى ضد الاحتلال، مع كل بلد عربي يتعرض للعدوان الإسرائيلي أو الأميركي.
على مدار قرن من الزمان وقف الشعب الفلسطيني سداً شامخاً في وجه التوسع والهيمنة الصهيونية على المنطقة بأسرها، وضحى بالكثير، دون أن يتنازل أو يرضخ لسطوة المحتلين، ولن يرضخ اليوم لسطوة نتنياهو- ترامب و”خدعة القرن” التي يروجون لها.
ويخطئ تماما الواهمون بأن التعاون مع إسرائيل أو التحالف معها سيعود عليهم بغير الخراب والضرر لشعوبهم، أما فلسطين، التي لفظت الغزاة الواحد تلو الآخر على مدار قرون، فستبقى وفية لتاريخها، ولمستقبل شعبها، وللتراث الذي تركه صلاح الدين الأيوبي فيها، شاء من شاء، وأبى من أبى.
* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية