كأن لا يحدث شيء!* أحمد الفيتوري
النشرة الدولية –
لم نعد نُتابع ما يحدث، بل ويَذكر علماء نفسٍ أننا لم نعد نشغف بالموسيقي والغناء، ولا حتى بكرة القدم. وإن اختلف المفسرون، حول تفسير ذلك وتأويله، لكنهم اتفقوا على تشابه كبير بين ما يحدث، فكثيره غير سار لأنه مصائب، وكثير منه مكرور حد السأم. وعلى ذكر السأم، تذكرت رواية “السأم” لألبرتو مورافيا، الروائي الشهير في عقدي الستينيات والسبعينيات اللذين كان فيهما موضوعتا السأم والقلق تيمة الحياة، بين البشر خصوصاً الشباب، وفي الفنون والأداب. وأذكرُ في الخصوص بمسرواية – مسرحية رواية- توفيق الحكيم “بنك القلق”، لكن من المستغرب أنهم آنذاك في سأمٍ وقلق، على الرغم من أن حياتهم صاخبة، حتى أن هناك فيلماً شهيراً، من أفلام ذاك الزمان اسمه “حياة حلوة”. وفي هذا الاثناء نعيش تحت ضربات متتالية، وفيها كل خبر يجب ما قبله، لكن لا أجد لدى البشر قلقاً مما يصابون، أو حتى سأماً من تكراره.
لقد شاهدنا جميعاً وعلى الهواء مظاهرات صاخبة، في العالم المتطور جداً، وفي غيره من الكرة الأرضية. التظاهرات ضد التحرز من الموت، ما يعبث في الهواء الذي نتنفس، ويطاردنا حيث حللنا. التظاهرات المفارقة، تغص بالبشر الهاتفين بـ”الحياة لكورونا”. ومنهم قبل مجيئه الساحة للتظاهر، قد ودع أحداً عزيزاً عليه، من لو لم يسبقه كورونا، لكان من أولئك المتظاهرين المتهورين. ويحدث هذا دون أي قلق، ويحدث كثيراً دون سأم من تكراره.
أثناء هذه المظاهرات الصاخبة، يلبس رُؤساء دول كبرى وحتى صغرى، المعطف الأبيض، ليُفتوا في الشأن الصحي والجائحة، كمن قضى عمره في المختبرات العلمية ودور الصحة، ويصدرون من أفواه لا تغلق، فتاوى وأكاذيب الواحدة تلو الأخرى، دون حرج، دون خجل، يتسابقون في قراءة نشرات صحية زائفة، ومنها أنهم السباقون في تنزيل اللقاح الشافي، وهم يرتلون زَبورهم بهذا، كما رجال كهنوت يتلقون الوحى، ويحدث هذا من دون أي قلق، ويحدث كثيراً، من دون سأم من تكراره.
أثناء هذه الأفعال القاتلة، يتداعك المسؤولون ويتناطحون، سافرون ومكممون، يملؤون في زُحامٍ الشاشات، ممسكين بشدة مكبرات الصوت، محذرين من انهيارات اقتصادية، قد شرعت تتلهم الأرصدة، ويقرعون جرس الإفلاس الذي يدق الأبواب، وعلى الشاشات نفسها، وفي المؤتمرات الصحافية الضاجة، يعلنون الحروب، فيحشدون أساطيلهم حاملة أسلحة مستجدة. وهذه الأساطيل الضخمة، بعدما غص بها الخليج، حُول ما فاض منها على البحر المتوسط، ولا سيما شرق المتوسط. وهنا أيضاً تذكرت رواية عبد الرحمن منيف “شرق المتوسط”، وكيف أنه قبل أن يغص بالإرهاب الدولي، فالأساطيل الحربية الدولية، كان غاصاً بالقمع والتعذيب المحليين الوطنيين. ويحدث هذا من دون أي قلق، ويحدث كثيراً، من دون سأم من تكراره.
يتظاهر المتظاهرون، فيما الرؤساء يمارسون الشعوذة الصحية، ووزراء اقتصادهم ووزراء حربهم يجتمعون لخوض الحروب وإعلان الإفلاس. وفيما الملاعب من دون جمهور تفوز الفرق بأصابة لاعبين وفنيين بالكورونا. وهذه حالة فلسفية مفارقة، فكل شيء هو اللاشيء. يقترح الفلاسفة أننا نموت لنحيا، فكل منا حامل فيروس الحياة، القاتل لفيروس كورونا. ومن هذا تفسير الماء بالماء. التفسير الصائب. وقد راجت لذلك للمرة الأولي، رواية الطاعون، رواية البير كامو رافض جائزة نوبل التي فاقت رواجاً رواية جورج أورويل “1984”. وما يجمعهما أن الوباء واحد، سواء أكان جائحة طبيعية مثل كورونا، أو كان جائحة بشرية كالفاشية/ الطغيان. ومن هذا الاعتبار فرح مبدعون، في المحصلة، كل سينسج الطاعون خاصته. ويحدث هذا من دون أي قلق، ويحدث كثيراً، من دون سأم من تكراره.
لقد طرح ما يتكرر طرائفه، فالمتطرفون وجدوا فيه تطرفهم، وعلى رأسهم رجال الدين، خصوصاً اليهود منهم، المتطرفون عادة، فأبوا التكمم، ما اعتبروه كما تحجب للرجال، في حين فروضهم توجب سفور الرجال وتحجب النساء، ففتحوا معابدهم ليواجهوا دعوات العلمانيين، الداعية إلى محاربة الله ومشيئته. فالتكليف الإلهي لفيروس كورونا بمهمة الموت، وقد تسابق التجار مع رجال الدين المتطرفين، للترويج لهكذا مهمة. ويحدث هذا من دون أي قلق، ويحدث كثيراً، من دون سأم من تكراره.
أما وأنها كارثة صحية، فإن منظمة الصحة العالمية، تزيدها اشتعالاً، فتخوض الحرب تلو الحرب، مع هذا المجنون وذاك المتعصب، وهذه الدولة الكبرى وتلك الصغرى، وكلما أصدرت بياناً صحياً تردفه بنقيضه، أو على الأقل بما يشكك فيه، فتبدو في هذا وكأنها قد أبدعت في الفكر، ما لم يبدع، فقد بدأت كما حاملة أيديولوجيا كورونا، وليس فيروس كورونا. ومما زاد طينها بلة، أنها تُرحل بشائرها، بزيادة الويل والثبور، كل مرة إلى فترة أبعد، فأمسى من يصدقها يُكذب نفسه. ويحدث هذا من دون أي قلق، ويحدث كثيراً، من دون سأم من تكراره.
وتعاكسنا في كل هذا، منظمتنا العتيدة، منظمة الأمم المتحدة، الحريصة على القلق، لكن لا تسأم، للأسف، من تكرار قلقها على كل شيء. وفي ما يخص جملة الكون. ويحدث هذا من دون أي قلق، ويحدث كثيراً، من دون سأم من تكراره، كمثل مقالي هذا.