هل تخلّت تركيا عن «عَسكرَة» شرق المتوسط.. أم هي تُناوِر؟* محمد خروب
النشرة الدولية –
كان مفاجئاً إعلان انقرة سحب سفينة التنقيب «عروج ريس» من المياه اليونانية/المُتنازَع عليها وِفق تركيا, بعد أن كانت أعلنتْ تجديد مُهمتها حتى نهاية أيلول الجاري. الإعلان لفتَ انتباه المراقبين وبخاصة زعم انقرة أنها تمنح فرصة لـ«لدبلوماسية», على نحو عكس ضمن سياقات أخرى مدى الارتباك حدود التناقض في المواقف التركية التصعيدية, التي بلغت حدود إجراء مناورات عسكرية بالذخيرة الحيّة مع ما تُسمَّى جمهورية شمال قبرص, التي أقامها الأتراك بعد غزوهم الجزيرة في العام 1974.
عودة إلى سؤال «المليون»..هل «انثَنتْ» أنقرة أم هي تُناوِر؟.
يصعب جزم الأمر وإن كانت المباحثات التي أجراها وفدان تركي ويوناني في مقر الناتو وبرعايته, «وفّرت» سُلماً لنزول اردوغان عن الشجرة العالية التي صعدها, بعد عَسكَرَته شرقي المتوسط, بدءاً من ليبيا وبعدها التنقيب في مياه تعتبرها اثينا مياههاً الإقليمية وفق معاهدة لوزان 1923 (وما أدراك ما لوزان في «الفِكر» الأردوغاني العثماني), ثم بإجراء مناورات عسكرية وتسيير «عرَّاضات» بحرية تواكبها طائرات مُقاتِلة, على نحو بات السؤال ليس هل ستنزلق دولتان أطلسيتان (تساند فرنسا الاطلسية.. اليونان») بل متى؟. إلى أن حضرَ «السيد» الأميركي, مُتجسّداً في زعيم حزب الحرب والغطرسة في امبراطورية الشر الأميركية بومبيو, الذي أعلن «قلق» بلاده إزاء تصرّفات تركيا شرق المتوسط, في الوقت ذاته الذي وقّع فيه مُذكِّرة تفاهم لإقامة مركز تدريب «عسكري», ما أثار «قلق» أنقرة التي سارَعت إلى دعوة واشنطن لـ«العودة» إلى اتخاذ موقف «مُحايِد» بشأن قبرص».
مُؤشرات غربية لا تُخطئها العين تروم استدراج أنقرة الى مغامرة عسكرية, تعتقد أنها ستنهكها أو تدفعها إلى التريّث في خطواتها العِدائية, سواء ما خص ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا مُتجاوزة حدود قبرص واليونان «البحرية»، أم في مشروعها التوسّعي وبخاصة تمددها العسكري نحو ليبيا والصومال والخليج واذربيجان وخصوصاً سوريا والعراق, بذريعة محاربة الإرهاب, فيما لا تُبدي أي تنازل أو رغبة بالجلوس إلى طاولة الحوار بعيداً عن العسكرَة ومنطق القوّة.
لم يغب عن ذهن أردوغان بالطبع تلويح سبع دول أوروبية اجتمعت في كورسيكا بفرض عقوبات قاسية على أنقرة, في حال واصلتْ «استفزازاتها» شرق المتوسط، وبخاصة مواصلة سفينة التنقيب خاصتها عملها في المياه اليونانية, حيث ستلتئم قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل يومي 24 و25 أيلول الجاري. وستكون مسألة العقوبات بنداً رئيساً على جدول أعمال القمة, التي يبرز فيها دور الفرنسي ماكرون الساعي الى «وراثة» دور الزعامة الآوروبيّة الذي لعبته ميركل, والتي تستعد للنزول عن المسرح السياسي الأوروبي في الربيع القريب.
أيّاً كانت الأسباب التي دعت أردوغان للتراجُع (إقرأ نزول عن الشجرة العالية).. سواء تكتيكيّاً أم استراتيجياً, فإن الفرصة متاحة الآن أمام أوروبا لتحجيم مشروعه التوسّعي, وإلاّ فإنه سيكون عُرضة لعقوبات قاسية نحسب أنه يمنحها الأولوية, في ظل أزمات خانقة يعيشها الاقتصاد التركي, وعبء مديونية تُثقل كاهله.