اليوم العالمي للديمقراطية في زمن الأزمات والجوائح
النشرة الدولية –
تعرف أكثرية حكومات العالم وشعوبها، الأيام العالمية التي تضمنتها روزنامة الأمم المتحدة السنوية. ففي كل شهر من السنة هناك عدد من الأيام التي يتم الاحتفال بها حول العالم لتثقيف الناس حول قضايا معينة ذات أهمية كونية، ولدفع الحكومات والشعوب إلى تعبئة الموارد والإرادات السياسية لمعالجة المشكلات العالمية والاحتفال بالإنجازات الإنسانية وتعزيزها. وعلى الرغم من أن الاحتفالات ببعض الأيام الدولية تسبق إنشاء الأمم المتحدة، إلا أنها تبنّت هذه الاحتفالات كأداة لنشر الوعي.
وللمفارقة فإن من بين قائمة الأيام الأكثر شعبية عالمياً، اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) واليوم العالمي للمرأة في 8 مارس (آذار)، واليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر (كانون الأول).
أما اليوم العالمي للديمقراطية فهو حديث السن، إذ تم الإعلان عنه في 8 سبتمبر (أيلول) 2007، واختير 15 سبتمبر من كل عام يوماً دولياً للديمقراطية، لجعله فرصة لاستعراض حالة الديمقراطية في العالم.
يوم الديمقراطية
قد يعتقد البعض أن عبارة “الديمقراطية” إحدى العبارات المؤسسة في نُظم الأمم المتحدة، إلا أنه، وللمفارقة، عندما صاغ الأعضاء المؤسسون للأمم المتحدة الميثاق منذ سبعة عقود، لم يضمنوه مفردة “ديمقراطية” أبداً. وإذا ما نظرنا إلى أنظمة الحكم عام 1945، فلم تكن جميعها تتبنى الديمقراطية نظاماً سياسياً، بل إن بعض الأنظمة التوتاليتارية والديكتاتورية والعسكرية كانت تعارض “منظومة” الديمقراطية المستجدة بعد الحرب العالمية الثانية. وكان هناك بعض الأنظمة ولا تزال، تدّعي تبنّي الديمقراطية لكنها لا تمارسها على أرض الواقع.
لكن عدم ذكر كلمة “الديمقراطية” بذاتها في الميثاق، يعوّضه ورود ما يدلّ عليها في النصوص، كالعبارة الافتتاحية في الميثاق “نحن الشعوب”، وكذلك في “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، الذي اعتمدته الجمعية العامة عام 1948، حين ترد فقرة “إن إرادة الشعوب أساس لسلطة الحكومات”. وهذا الإعلان تحوّل إلى ملهم لواضعي الدساتير في كافة أنحاء العالم، كما أنه أسهم إسهاماً كبيراً في تحويل الديمقراطية إلى قيمة عالمية ثمينة وأساسية وثابتة.
وبحسب اتفاق ممثلي الدول الأعضاء، فإن الديمقراطية تعدّ عملية من العمليات بقدر ما هي هدف من الأهداف. وبالطبع ليس علينا نحن القرّاء أو المتابعين أو المهتمين بقضايا العالم والإنسانية أن نعتبر تعريفات الأمم المتحدة كثيمات منزّلة وحقيقية وممكنة التطبيق، إذ إن هناك مئات القضايا والعناوين والأهداف التي جعلت البشرية منها أياماً للاحتفالات السنوية لا تزال تعاني من النقص في تحقيقها ومن جعلها مثالات يحتذى بها على المستوى الدولي، سواء كان ذلك يتعلق بالجوع أو بتمكين المرأة أو بالسلام العالمي أو بالحد من انتشار السلاح النووي. ولكن أهميتها تبقى كنصوص محل إجماع عالمي ويمكن اللجوء إليها دائماً لمعاقبة أو مطالبة أو إدانة أو دعوة دولة من الدول للالتزام بما تم الاتفاق عليه.
فعلى سبيل المثال، في اليوم الدولي للديمقراطية لا تزال أنظمة الحكم في كثير من الدول ديكتاتورية أو طائفية أو شمولية أو عسكرية، وفي منطقتنا يشكّل نظام بشار الأسد في الدولة السورية معياراً لغياب الديمقراطية، وكذلك النظام الثيوقراطي في إيران وقد بدأت تركيا الأردوغانية تأخذ منحى اللاديمقراطية لأسباب كثيرة. أما على مستوى العالم، فالأمثلة كثيرة على وجود الأنظمة اللاديمقراطية مثل كوريا الشمالية وكوبا وكثير من دول أميركا اللاتينية ومعظم الدول الأفريقية، أو الأنظمة التي تدعي الديمقراطية مثل الصين وروسيا.
الديمقراطية العالمية وكورونا
وللتفريق بين الديمقراطية واللاديمقراطية هناك مجموعة من المعايير التي يمكن الركون إليها منصوص عليها في مواثيق الأمم المتحدة التي تمثّل جميع دول العالم، ومنها الانتخابات الحرة، والشفافية في تقديم المعلومات للمواطنين، وتمكين المؤسسات الحكومية واستقلاليتها ودعم القضاء المحلي ومحاربة الفساد وتمكين المرأة والمجتمع المدني وتطبيق نصوص الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. فوفقاً لهذه المعايير يمكن وصف دولة ما بأنها ديمقراطية أو على طريق تحقيقها أو بأنها لا ديمقراطية البتة. وهذه الديمقراطية المعيارية تنحسر في زمن الأزمات والجوائح والأزمات الاقتصادية ومحاولات بسط النفوذ بين الدول للسيطرة على مناطق جديدة، وهذا ما يحدث في هذه المرحلة على مستوى العالم.
وكان لجائحة فيروس كورونا تأثيرها السلبي أيضاً على الديمقراطيات، ونتج منها تحديات اجتماعية وسياسية وقانونية كبرى على مستوى العالم. ونظراً لتبني الدول في جميع أنحاء العالم إجراءات طارئة للتصدي للأزمة، وعلى رأسها تأجيل الانتخابات في عدد كبير من الدول بحجة الجائحة “الكورونية”، ما يثير قضايا دستورية خطيرة في بعض الحالات وربما يؤدي إلى تصاعد التوترات والاحتجاجات الشعبية.
وقد حثّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الحكومات على أن تكون شفافة وخاضعة للمساءلة في استجابتها لفيروس كورونا والتأكد من أن أي تدابير طارئة قانونية متناسبة وضرورية وغير تمييزية، فقال في رسالته الموجّهة إلى المجتمع في مناسبة اليوم الدولي للديمقراطية “أفضل استجابة هي تلك التي تتصدى للتهديدات الفورية بطريقة متناسبة، مع حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون”. ويرى الأمين العام أنه يجب الحد من تدابير السيطرة على تدفق المعلومات وقمع حرية التعبير وحرية الصحافة في إطار تقلّص الفضاء المدني. ووقف اعتقال واحتجاز ومقاضاة أو اضطهاد المعارضين السياسيين والصحافيين والأطباء والعاملين في مجال الرعاية الصحية والنشطاء وغيرهم بزعم نشر “أخبار كاذبة”.
الأمم المتحدة كمنبّه ومساعد
لكن على الرغم من أن الديمقراطيات في العالم لا تزال حكراً على ما يسمى “العالم الأول”، وعلى الرغم من تقهقرها في دول العالم النامي أو دول العالم الثالث كما تُسمى تخفيفاً من أحوالها، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تزال تصدر نصوصاً حول الديمقراطية في محاولة لجعلها سنّة من سنن الحكم في دول العالم. وقد نشأت الديمقراطية بوصفها مسألة شاملة ما بعد عام 2015، في وثيقة “تحويل عالمنا: جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة”، التي اعتمدها رؤساء الدول ورؤساء الحكومات. وجاء الالتزام عبر الاتفاق على تحقيق “الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون، وتحقيق بيئة تمكينية على الصعيدين الوطني والدولي، كونها ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة”.
الكيان الوحيد في الأمم المتحدة الذي يحمل في اسمه عبارة “الديمقراطية”، هو “صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية” “صغير السن” نسبياً. إذ تم تأسيسه عام 2005، لدعم المشاريع التي تسهم في تعزيز صوت المجتمع المدني وتعزيز حقوق الإنسان، وتشجيع مشاركة جميع الفئات في العمليات الديمقراطية.
ويقدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منفرداً كل عام ما يقرب من 1.5 مليار دولار لدعم العمليات الديمقراطية على الصعيد العالمي، مما يجعل الأمم المتحدة واحدة من أكبر الجهات الموفرة للتعاون التقني لأغراض الديمقراطية وشؤون الحكم في العالم بأسره.
الانتخابات وحقوق الإنسان
تتطلب الأعمال السياسية للأمم المتحدة تعزيز النتائج الديمقراطية، وتدعيم المؤسسات الوطنية من مثل البرلمانات ولجان الانتخابات ونظم القضاء التي تشكل القاعدة الراسخة لأية ديمقراطية. فضلاً عن دعم جهود حقوق الإنسان لحرية التعبير والانضمام للجمعيات والمشاركة وسيادة القانون، فهذه كلها من العناصر الهامة المكونة للديمقراطية.
وتشكّل القيم المتعلقة بالحرية واحترام حقوق الإنسان ومبدأ تنظيم انتخابات دورية نزيهة بالاقتراع العام عناصر ضرورية للديمقراطية. والديمقراطية توفر بدورها تلك البيئة الطبيعية اللازمة لحماية حقوق الإنسان وإعمالها على نحو يتسم بالكفاءة. وثمة إشارة إلى تلك الصلة القائمة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان في المادة 21 (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث جاء فيها “أن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجرى على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع، أو بحسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت”.