200 معمل غاز غير مرخّص.. “انفجارات” تهدّد اللبنانيين* عزة الحاج حسن

النشرة الدولية –

فَتحَت كارثة انفجار مرفأ بيروت العيون على قطاع لا تقل مخاطر الفوضى فيه عن مخاطر الإهمال الذي أودى بقسم كبير من بيروت ومرفئها، وأوقع خسائر بمليارات الدولارات. هو قطاع الغاز الذي تنتشر “قنابله الموقوتة” في الأحياء السكنية وفي مختلف المناطق. المئات من مؤسسات تعبئة الغاز وتخزينه غير مرخّصة، فلا تراعي أبسط معايير السلامة العامة ولا تخضع لأي نوع من أنواع الرقابة التقنية. خزانات غاز بين المباني داخل العاصمة وعلى أطرافها، لم تكن لتستوقف جيرانها قبل انفجار بيروت.

ملف قطاع الغاز فـُتِح.. لكن مهمة الغوص فيه وقوننته بكافة جوانبه يقارب بصعوبته وتعقيداته “لغز” التحقيقات بجريمة انفجار المرفأ، التي لم تُحدث أي تقدم يُذكر بعد أكثر من شهر على وقوع الجريمة. فالسياسيون وذيولهم الضالعين والساكتين والمتدخلين في تحقيقات جريمة المرفأ، هم أنفسهم من بين مؤسسي ومديري ومالكي ومنتفعي قطاع الغاز.

قضية يونيغاز

الملف فتح من باب قضية بناء خزانات ضخمة على العقار رقم 27/منطقة برج حمود العقارية، المملوك من الشركة اللبنانية للغاز يونيغاز “Unigaz”. وعلى الرغم من بدء الشركة تشييد خزانات ضخمة بديلاً عن خزاناتها القديمة، منذ عدة أشهر، ارتفعت مؤخراً صرخة إحدى المؤسسات المحاذية لشركة يونيغاز عقب انفجار مرفأ بيروت، محذّرة من الخطر الداهم من الخزانات الجديدة التي تشيد في منطقة مكتظة بالسكان “وتقع في قلب منطقة صناعية وتجارية من بين أهم المراكز الاقتصادية في البلد، ما يشكّل خطراً ليس فقط على السكان والقاطنين في المحلة والداخلين والخارجين إليها، بل وأيضاً على جميع الأنشطة الاقتصادية في المنطقة، وعلى المصانع والشركات وأصحابها والعاملين فيها، وعلى موجوداتها ومعداتها وبضائعها”.. هذه المخاوف راودت أصحاب شركة أيوب اللبنانية للصناعة ش.م.ل “أليكو” وصاحبة علامة Sleep Comfort، فتقدّموا بكتاب شكوى إلى محافظ جبل لبنان وإلى مكتب رئاسة الجمهورية، ثم رفعت الشركة دعوى بحق يونيغاز أمام القضاء اللبناني.

الشكوى التي تقدّمت بها شركة أيوب اللبنانية للصناعة (سليب كومفورت) إنما انطلقت من مخاوف تكرار تجربة انفجار خزان الغاز في منطقة الدورة، خلال الحرب الأهلية، حين دمّر قسماً من منطقة الدورة، في حين لم يكن حجمه يتعدّى 10 في المئة من الخزان الذي تقوم بتشييده حالياً شركة يونيغاز. وكان لافتاً في صلب الشكوى القول “أن الخطر سيبقى قائماً حتى ولو تمت مراعاة جميع الشروط الفنية والهندسية في البناء”. والسؤال في حال ثبت أن الخزانات تراعي كافة جوانب السلامة العامة لماذا ستبقى تشكل خطراً؟ وهل من دوافع أخرى لطلب إيقاف تشييد الخزانات؟

وهنا يستغرب مصدر في قطاع الغاز، في حديث إلى “المدن”، تركيز الشكوى على الخزانات المحاذية لشركة أيوب اللبنانية للصناعة (سليب كومفورت) من جهة واحدة، أي التابعة لشركة يونيغاز، في حين لم تشكل الخزانات التابعة لشركة توتال وسواها من الجهة الأخرى أي مصدر قلق وشكوى، خصوصاً أن المنطقة المذكورة يتواجد فيها العديد من الخزانات التابعة للشركات.

وفيما يصرّ مروان صيداني وهو أحد مالكي Unigaz على عدم التعليق على القضية، باعتبارها أصبحت في عهدة القضاء، يسأل مصدر مطلع من وزارة الصناعة، في حديث إلى “المدن”، عن سبب تأخر الشكوى بحق الشركة صاحبة الخزانات، في حين أنها استحصلت على ترخيص عام 2017 بإزالة خزانات الغاز القديمة وإستبدالها بخزانات كروية، ضمن معايير فنية معتمدة، وباشرت التشييد منذ العام 2019، مؤكداً متابعة الوزارة للملف إلى حين استكمال كافة الدراسات المطلوبة لمراعاة السلامة العامة.

وكانت وزارة الصناعة قد أصدرت في وقت سابق بياناً حول توقف الأعمال في مشروع تركيب الخزانات الجديدة، التابعة للشركة الصناعية للغاز “يونيغاز” ش.م.ل. في منطقة برج حمود العقارية- قضاء المتن، أوضحت فيه أنه بناء على الاجتماعات التي حصلت بين الوزارة وممثلي الشركات الصناعية للغاز “يونيغاز” ش.م.ل.، قامت الشركة المذكورة بالتعاقد مع شركة مورز ش.م.م. للاستثمارات البيئية، لتحضير دراسة الأثر البيئي لمشروع تركيب الخزانات الجديدة في منطقة برج حمود العقارية- قضاء المتن، وأبلغت الوزارة بموجب الكتاب رقم 2508-2329/و تاريخ 7/9/2020 بتوقف العمل بالمشروع، إلى حين استكمال كل ما يلزم، وفق الأصول المفروضة.

وأوضحت الوزارة أن الشركة كانت قد حصلت على الكتاب بتاريخ 23/11/2017 يفيد بعدم الممانعة من إزالة خزانات الغاز القديمة وإستبدالها بخزانات كروية ضمن معايير فنية معتمدة، على أن يقتصر العمل على الإستبدال والتمديدات الفنية دون أية تغييرات أخرى تقتضي تعديلا على الترخيص على أن تتم الأعمال كافة تحت إشراف معهد البحوث الصناعية إضافة إلى وجوب التقيد بالمذكرة رقم 4/2 تاريخ 13/7/2015 الصادرة عن وزارة الطاقة والمياه وذلك حفاظاً على السلامة العامة ودرءاً للمخاطر التي قد تنتج عن الخزانات القديمة العهد.

200 شركة مخالفة

ولأن القلق من تكرار سيناريو انفجار مرفأ بيروت يستلزم مزيد من الجدّية والتدقيق في قوننة الشركات ومراقبة التزامها معايير السلامة العامة، لا بد من التشدّد في آلية إقامة خزانات شركة يونيغاز، على أن يترافق ذلك مع العمل على إزالة الخطر الكامن في مؤسسات تعبئة الغاز غير المرخصة، المنتشرة في المناطق، والبالغ عددها نحو 200 مؤسسة لا تراعي أدنى معايير السلامة. ووفق معلومات “المدن”، فإن ملف شركات الغاز غير المقوننة، والتي تشكل خطراً فعلياً على السلامة العامة، يجري العمل عليه من خلال المباشرة في إحصاء الشركات، والتدقيق في تراخيصها وآلية عملها. لكن تبقى العقبات في هذا الملف كثيرة، أولها تقاذف المسؤوليات بين وزارتي الصناعة والطاقة، أضف إلى أن الغالبية الساحقة من شركات الغاز محمية من تيارات وأحزاب ونافذين في الدولة.

وإذ يؤكد نقيب العاملين والموزعين في قطاع الغاز ومسلتزماته في لبنان، فريد زينون، في حديثه إلى “المدن”، شيوع الفوضى في قطاع الغاز، ووجود نحو 200 شركة غير مرخصة وغير قانونية، لا تراعي أدنى شروط السلامة، ومنها من يعمل تحت خطوط التوتر العالي في إحدى المناطق، وأخرى في الأحياء السكنية.. يكشف زينون أن عدد الشركات القانونية والمراعية كافة جوانب السلامة العامة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. و يرى أنه بات ملحّاً الكشف على كافة معامل الغاز، لإلزامها بتسوية أوضاعهم تجنّباً لأي كارثة جديدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى