لماذا على لبنان أن ينتظر ماكرون حتى الأحد المقبل؟* فارس خشّان

النشرة الدولية –

إذا جرى اعتماد المهل التي رسمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في “روزنامة” مبادرته لإنقاذ لبنان، فإن عدم تشكيل الحكومة، بعد سبعة عشر يوما على المهلة المحدّدة بأسبوعين فقط، يسمح بإعلان فشل المبادرة

 

الموضوع اللبناني شبه مغيّب عن الإعلام السياسي الفرنسي كما عن التصريحات الرسمية للمسؤولين. وحدهم الفنّانون ـ وجلّهم من أصل لبناني ـ يجذبون الإعلام الترفيهي إلى الاهتمام بـ “ببلاد الأرز”.

 

قد يعود ذلك، إلى أنّ السياسات ومخططاتها يمكن أن تفشل فتتغيّر، أو أن تصاب بنكسة فتتجمّد، في حين أن العواطف أقوى وأبقى، لأنها قادرة أن تولّد من الرماد لوحة، من الفشل دموعا، من النواح قصيدة، من التفجّع رقصة، ومن اليأس… صلاة.

 

وبهذا المعنى، فإن الجزء الثقافي من مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد حقق نجاحات لافتة. نجاحات قد لا تعوّض الإخفاقات التي يعاني منها الجزء السياسي من مبادرته، ولكنها كافية لتعميق المسألة اللبنانية في نفوس الفرنسيين وترسّخها، كواحدة من الملفات التي لا يمكن أن يمرّ عليها أي مسؤول فرنسي، مرور الكرام.

 

لنترك العواطف لإبداعاتها الفنيّة ولتأثيراتها المستقبلية، ونركّز على السياسة المتبعة التي تشكو من نقص هائل في الحد الأدنى من… الإبداع!

 

إن “تطويل” الأسبوعين من 15 يوما إلى 19 يوما، هو “تطويل استراتيجي” وليس “تطويلا زمنيا”

 

وفي هذا السياق، إذا جرى اعتماد المهل التي رسمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في “روزنامة” مبادرته لإنقاذ لبنان، فإن عدم تشكيل الحكومة، بعد سبعة عشر يوما على المهلة المحدّدة بأسبوعين فقط، يسمح بإعلان فشل المبادرة.

 

وللمهلة الأولى، وفق “الأجندة” الفرنسية، أهمية محورية، فعليها تُبنى الاستحقاقات الأخرى، وأبرزها انعقاد مؤتمر دولي حول لبنان، في باريس، في منتصف أكتوبر المقبل.

“المثالثة” من ساركوزي إلى ماكرون

 

إن أخطر ما في سقوط المهلة الأولى، تداعياته على نتائج “المؤتمر الدولي”، ذلك أنّ هذا السقوط لم يكن لأسباب تقنية احتاج تذليلها إلى بعض الوقت الإضافي، بل لأسباب جوهرية لها علاقة بمستقبل المشاركة السياسية في النظام اللبناني الطائفي، وبأهداف اللاعبين المحليين، وبارتباطاتهم الخارجية التي تكتسب عند “حزب الله” أبعادا عسكرية وأمنية وتجذب عداوات مكلفة جدا للبنان.

 

إن التدقيق بأسباب سقوط مهلة تشكيل الحكومة يقود إلى أن “حزب الله” وملحقته “حركة أمل” (الثنائي الشيعي) يريدان فرض عرف دستوري في لبنان، بغطاء فرنسي.

 

العرف الدستوري الذي يطمح إليه “الثنائي الشيعي” هو تكريس حقيبة وزارة المال للطائفة الشيعية التي يحكمان السيطرة عليها، بحيث تنال “التوقيع الثالث” على المراسيم الحكومية والوزارية، إلى جانب توقيعي رئيس الجمهورية (ماروني) ورئيس مجلس الوزراء(سنّي).

 

ويعتبر تكريس “التوقيع الثالث” خطوة نوعية في إطار تحويل لبنان من “المناصفة” بين المسيحيين، من جهة والمسلمين من جهة أخرى، إلى “المثالثة” بين المسيحيين والسنة والشيعة.

 

وإذا كان رؤساء الحكومة السابقون الذين سمّوا الرئيس المكلف مصطفى أديب، وفق الطلب الفرنسي ليكونوا جزءا من دعم المبادرة، هم من يتصدّون لهذا المسعى الشيعي، فإنّ المسيحيين عموما والموارنة خصوصا، هم أكثر المتضررين من “المثالثة”.

 

وسبق للبطريرك الماروني بشارة الراعي أن أعلن، في مقابلة تلفزيونية، أنه مستعد أن “يخوض حربا سياسية ودستورية من أجل التصدي لهذه المثالثة”.

 

وكشفت أوساط فرنسية واسعة الاطلاع أن الراعي، وخلال لقائه، في الأول من سبتمبر الماضي مع ماكرون، أثار هذه المسألة وحذّر من “الخبريات” التي تشير إلى أنّ باريس لا تمانع في “المثالثة”، إذا كانت توفّر مخرجا للمأزق الذي يجتازه لبنان.

 

ويحاول “الثنائي الشيعي” استغلال المبادرة الفرنسية لمصلحته على كل المستويات، فهو يريد تكريس “المثالثة”، بعدما حيّد ماكرون سلاح “حزب الله”، ووفّر الغطاء لجناحه السياسي، في فصل إشكالي ذي أبعاد إقليمية ودولية، عن جناحه العسكري.

 

وكانت فرنسا، وفق “حزب الله”، قد عرضت في عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، على الحزب أن تتم مقايضة سلاحه بـ “المثالثة”.

 

وقال الأمين العام للحزب حسن نصرالله، في مناسبات مختلفة، إن “حزب الله” رفض ذاك العرض الفرنسي، لأنه لا يطمح بالحصول على “المثالثة”.

 

إن التدقيق بأسباب سقوط مهلة تشكيل الحكومة يقود إلى أن “حزب الله” وملحقته “حركة أمل” (الثنائي الشيعي) يريدان فرض عرف دستوري في لبنان، بغطاء فرنسي

 

مع دخول ماكرون على الخط اللبناني، وبعدما أسقط المقايضة، يحاول “الثنائي الشيعي” أن ينال “المثالثة” التي تبيّن أنه يسعى إليها، ولكن من دون أن يتكبّد أي ثمن وطني.

 

وإذا ما قُدّر لـ “حزب الله” أن يحقق مبتغاه، فإن المبادرة الفرنسية تكون قد فشلت، في مهدها ـ ولو جرت الولادة ـ لأن هدف الإنقاذ سيصبح شبه مستحيل.

 

صحيح أن فرنسا ومعها إيران لاعبان أساسيان في لبنان، ولكنّهما، في المسألة المالية، فهما مجرد لاعبين ثانويين، ذلك أن هناك تأثيرا حاسما، في هذا السياق، لمجموعة دول تقودها الولايات المتحدة الأميركية، من جهة والمملكة العربية السعودية، من جهة أخرى.

 

ولم تخف لا واشنطن ولا الرياض عدم استعدادهما للمساهمة مع باريس، في مبادرتها اللبنانية، إذا استمرت في منهج تعويم “حزب الله” سياسيا وعسكريا ودستوريا.

 

وهذان الموقفان الأميركي والسعودي لا يؤثران سلبا على “المؤتمر الدولي” الذي تُزمع باريس عقده، فحسب بل على نسبة الأموال التي يمكن أن يضخّها “صندوق النقد الدولي” في الاقتصاد اللبناني أيضا، ناهيك عمّا بقي من التزامات مالية حصلت عليها باريس للبنان، في مؤتمر “سيدر” الذي نظّمته في أبريل 2018.

 

لو كان لبنان جزيرة معزولة عن المحاور الإقليمية والدولية وتتمتع بقدرات مالية ذاتية، لكانت باريس قادرة على تليين مبادئها، لإنجاح مبادرة رئيسها، ولكنّ لبنان ليس كذلك، وتاليا، فنجاح المبادرة يتطلّب أكثر من دفع هذا إلى التنازل لذاك، فـ “حزب الله” ليس مجرّد لاعب محلي، بل هو جزء من أجندة تستقطب عداوات إقليمية ودولية، بسبب ارتباطه بالأجندة الإيرانية.

استحقاق 20 سبتمبر

 

ولكن هل يمكن لهذا الترابط المحلي والإقليمي والدولي، أن يصب لمصلحة باريس؟

 

بعيد مغادرة ماكرون بيروت كان ثمة من يؤكد أن مهلة تشكيل الحكومة لا تنتهي في 16 سبتمبر بل في 20 سبتمبر الجاري.

 

إن “تطويل” الأسبوعين من 15 يوما إلى 19 يوما، هو “تطويل استراتيجي” وليس “تطويلا زمنيا”.

 

في حلول الساعة الثانية بعد نصف ليل السبت ـ الأحد بتوقيت باريس، تكون واشنطن قد أعادت العمل بكل العقوبات الأممية على إيران التي كان قد رفعها الاتفاق النووي.

 

باريس ـ ومعها برلين ولندن ـ كانت قد اتخذت موقفا ضد واشنطن، إذ اعتبرت أن الولايات المتحدة الأميركية، بعد انسحابها من الاتفاق في 8 مايو 2018، لا يحق لها أن تطلب العمل بآلية “سناب باك” التي تعيد فرض العقوبات الأممية على إيران.

 

ولكن لواشنطن وجهة نظر أخرى، فقدمت لرئاسة مجلس الأمن طلبا لإعادة العمل بالعقوبات، هو يدخل حيّز التنفيذ في الثامنة من مساء 19 سبتمبر الجاري، بتوقيت واشنطن، وفي الثانية بعد منتصف ليل عشرين سبتمبر، بتوقيت باريس.

 

وتضغط واشنطن على الاتحاد الأوروبي لينضم إليها في هذا المسار. لكل عاصمة أوروبية ملف مهم يحتاج إلى دعم الإدارة الأميركية. لباريس الملف اللبناني، خصوصا بعدما أعلن ماكرون أنه وضع كل رصيده في مبادرته اللبنانية.

 

بدءا بيوم الأحد المقبل، مع حلول 20 سبتمبر، إمّا أن يعود القديم إلى قدمه في لبنان، فتتسارع انهياراته، وإمّا تُفتح صفحة جديدة، قد لا تُنقِذ، بل تُزوّد السيارة المتهالكة بمكابح

 

من دون شك، فإن باريس التي طلبت من “شركائها” اللبنانيين “تمديد” مهلة تشكيل الحكومة، تفكّر بالمنحى الذي سوف تسلكه في الملف الإيراني، في ضوء الضغوط الأميركية التي تصاعدت في وجهها، وكان الهجوم الدبلوماسي على وسائل الإعلام الفرنسية، أحد أبرز واجهاتها.

 

ثمة سؤال يفرض نفسه في باريس: هل يمكن أن تُعطي طهران في بيروت لقاء الوقوف معها، أقلّه حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية، فتُليّن التشدّد الذي يُبديه “حزب الله” في موضوع الحكومة؟

 

من الواضح أن باريس تنتظر جوابا من طهران، قبل أن تتفاعل مع الضغوط الأميركية، وقبل أن تبدأ قمة الاتحاد الأوروبي في 24 سبتمبر، حيث سيكون الموضوع الإيراني، على الطاولة الى جانب الملفات التركية والروسية والبيلاروسية.

 

تعرف باريس أنها لا يمكن أن تنال من واشنطن أي ثمن لـ”حزب الله”، في مقابل السير معها، بالملف الإيراني، لأن “حزب الله” هو بنظر واشنطن جزءا لا يتجزأ من الملف الإيراني، وتاليا فإن آمالها ـ ولو كانت ضئيلة ـ منصبّة على إيران.

 

لهذا، فبدءا بيوم الأحد المقبل، مع حلول 20 سبتمبر، إمّا أن يعود القديم إلى قدمه في لبنان، فتتسارع انهياراته، وإمّا تُفتح صفحة جديدة، قد لا تُنقِذ، بل تُزوّد السيارة المتهالكة بمكابح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button