هل ستدفع إنجلترا ثمن إعادة فتح اقتصادها في وقت مبكر؟* جيمس مور
النشرة الدولية –
في وقت تؤكّد فيه الأرقام الرّسمية الصّادرة عن “مكتب الإحصاء الوطني” أن الاقتصاد البريطاني واصل تعافيه وسجّل نمواً بنسبة 6.6 في المئة خلال يوليو (تموز) الماضي، يلمّح “مؤشر مديري المشتريات” الإقليمي لشركة “نات ويست”NatWest إلى أن التّعافي متفاوت بمقدار كبير بين منطقة وأخرى، فبحسب المؤشر، ثمة فارق شاسع وعميق بين انتعاش النشاط التجاري الذي حققته المناطق الإنكليزية، وما يجري في كل من إسكتلندا وإيرلندا الشمالية وويلز.
وقد استشفّ ذلك عندما أُدخِل البُعد الإقليمي في تحليل إجابات الشركات المشاركة في دراسات استقصائيّة منتظمة أجرتها “أي إتش إس ماركت”IHS Markit على نطاق البلد بأسره، في سياق إعداد سلسة تقاريرها التي تراقب الأوضاع عن كثب. وبموجب المؤشر، تحصل كل منطقة من المناطق على رقم، على أساس أن كل رقم يتعدّى الـ 50 يشكل دليلاً أكيداً على وجود نمو اقتصادي. وبالعودة إلى يونيو (حزيران)، أظهرت البيانات الشهرية أنّ جميع المناطق، باستثناء ميدلاند الغربية والشرقية، موجودة في الخانة الحمراء (قراءة ما دون 50)، واقتصاد إسكتلندا هو الأسوأ أداء (قراءة عند 37.1)، يليه اقتصاد إيرلندا الشمالية (42.6)، ثم ويلز (48.4).
ومع حلول يوليو الماضي واندفاع إنجلترا إلى إعادة فتح اقتصادها، انتعشت المناطق الإنكليزية وحقّقت نمواً تراوح بين 61.9 في ميدلاند الغربية و55.5 في لندن. وحينها، كانت إسكتلندا لا تزال ضمن الخانة الحمراء (49.3). أما ويلز، فكانت تصارع ضمن الخانة الإيجابية مسجلة (50.2) مقابل 54.5 لإيرلندا الشمالية. وفي أغسطس (آب) الماضي، شهدت كل منطقة في المملكة المتحدة نمواً، لكنه جاء هذه المرة بدعمٍ من اقتصادات ويلز (51.5) وإيرلندا الشمالية (51.7) وإسكتلندا (55.8).
ولا شكّ أن ثمة عوامل محلية تؤثر في كل رقم من الأرقام الواردة أعلاه، لكن مسارعة إنجلترا إلى إعادة فتح اقتصادها، ميّزتها عن سائر أنحاء المملكة وجعلتها تتفوق (في السرعة) على الإدارات المفوّضة (إدارة الإغلاق والنشاط الاقتصادي). وفي مقابل الهوّة الكبيرة التي لا تزال تفصل بين المناطق الأسرع نموّاً ولندن (التي تلقّت صفعة قوية من الجائحة وتتعافى ببطء شديد)، تمكنت إنجلترا من حصد فائدة اقتصادية جراء رفع إجراءات الإغلاق التام في وقت مبكر.
في المقابل، لن يطول الأمر، والأرجح أن يصل إلى خواتيم لا تُحمد عقباها. ففي أواخر الأسبوع الفائت، كشفت الأرقام الرّسمية عن تجاوز “رقم التّكاثر” (الذي يُشار إليه بالحرف (R، ويعد حاسماً بشأن مدى انتشار فيروس كورونا، عتبة الـ “1” في إنجلترا مع ازدياد عدد المصابين به بواقع ضّعفين كلّ أسبوع.
إضافة إلى ذلك، أعلنت برمنغهام حظر الاختلاط في المنازل،وأُضيفت كلّ من ليفربول وغايتسهيد ونيوكاسل إلى قائمة “هيئة الصّحة العامة”NHS عن المناطق الملتزمة بالإقفال التام، على أن تنضم إليها لاحقاً ساندرلاند وتاينسايد الجنوبية. وبالمناسبة، تقع كلّ المناطق المشار إليها في الشّمال الشرقي من البلاد، الذي ما برح ينمو ويتّسع وقد حقق نشاطاً تجارياً مقداره 66 نقطة في أغسطس الماضي.
وثمة أسئلة تطرح نفسها، هل ستدفع إنجلترا ثمناً اقتصاديّاً مقابل القرارات التي اتّخذتها الحكومة بالنّيابة عنها. هل يُعقل أن يكون لبريكست يد في الصراعات التي تعيشها إيرلندا الشمالية، في ظلّ شدّ الحبال الذي يقوده بوريس جونسون ولا تُعرف نهايته بعد؟ وماذا عن النّقطة المهمّة التي لفت إليها سيباستيان بورنسايد، رئيس الخبراء الاقتصاديين لدى “نات ويست” المتمثلة في الموافقة على صحة الأرقام التي تشير إلى تعافي النّاتج الاقتصادي والطّلب على جميع المستويات، مع الإشارة إلى أن هذا التعافي لم يُترجم بعد إلى تحسّنٍ ملموس على صعيد العمالة؟
في ذلك الصدد، يظهر دليل على المعطى الأخير متمثل في إعلانات عن إنهاء خدمات الموظفين، وقد باتت تتوالى بشكل منتظم ومروّع على الرغم من استمرار المخطط الحكومي للحفاظ على الوظائف في دعم أجور الملايين من العمال المسرحين موقتاً، “نحن قلقون بشأن ما يُمكن أن يحدث بمجرّد سحب الدّعم الحكومي في الأشهر المقبلة”، وفق بورنسايد.
ثمة إجراءات محلية من النوع الذي ذكرته، وإذا نجحت في احتواء أزمة كورونا المتجددة في إنجلترا، فلن تقوى على كبح لعنة البطالة التي كُسرت فعلاً، ويُتوقّع أن تتفجّر في أي لحظة.
وفي الوقت الراهن، يرزح ريتشي سوناك (وزير المالية) تحت وطأة الضغوط الدّاعية إما إلى تمديد مخطط التسريح الموقت أو تقديم الدّعم للمناطق (القطاعات المتضرّرة على نحو خاص)، وكذلك تتجه تلك الضّغوط إلى التصاعد.
نقلاً عن “اندبندنت عربية”