صفير لا غوميرا* د. أفراح ملا علي
النشرة الدولية –
تتميز المملكة الاسبانية بتضاريسها المختلفة وتاريخها العريق وتنوعها الادبي واللغوي ما يجعل منها واحدة من أجمل الدول بالعالم، ومحط أنظار لأصحاب الذوق الرفيع سواء كان ذلك على الصعيد السياحي او محطة لبناء حياة جديدة.
ويذهب بنا هذا المقال اليوم الى جزر الكناري الاسبانية البركانية، هذا الأرخبيل النائم في المحيط الأطلسي ذو الجزر المتناثرة.
وتعد جزر الكناري من الأقاليم المستقلة ذات الحكم الذاتي وهي تابعة للمملكة الاسبانية.
وتنقسم محافظة جزر الكناري الى قسمين رئيسيين وعاصمتين وهما لاس بالماس دي غران كناريا وسانتا كروث دي تينيريفي.
سكانها الأصليون هم الغوانشي ولغتهم هي لغة الغوانش المنقرضة في العصر السابع عشر، بسبب الغزو اللغوي الاسباني واندثار هذه اللغة والتي تعد بالأساس واحدة من اللغات الامازيغية البعيدة عن اللاتين الذي يعد أصل اللغة الاسبانية، والتي تحل محل لغة الغوانش ذات الأصل الامازيغي حاليا.
وعلى الرغم من المعلومات الشحيحة عن لغة الغوانش الا أن علماء اللغة يؤكدون أنها لغة ساهمت اسهاما كبيرا في خلق لغة الصفير بين الغوانش أو الكناريين.
نعم هناك لغة مازالت تحارب من أجل البقاء حتى يومنا هذا في منطقة لا غوميرا بجزر الكناري وهي لغة صفير غوميرا.
وتعد لا غوميرا ثالث أو ثاني أصغر جزيرة كنارية وعاصمتها سان سيباستيان دي لا غوميرا. ولكن هذا الصفير لا يقتصر فقط على جزيرة لا غوميرا بل يمتد الى جزيرة تينيريفي، الييرو وغران كناريا.
لقد كان استخدام لغة الصفير في أوجه بالعصر الثامن عشر، وزاد ازدهاره في العصر التاسع عشر، فجزر الكناري تتمتع بالجبال والهضاب وتضاريس المدافع الوعرة والتي تحتاج الى لغة تواصل بين أفرادها على بعد كيلومترات، فكانت لغة صفير لا غوميرا العالي هي ما يتميز به الكناريون.
ولكن وبسبب التكنولوجيا واستخدام الهواتف المتنقلة، والاقتصاد الذي أجبر الكثير من أبناء لا غوميرا على التغرب لفرصة عيش كريمة بعيدا عن الحياة البسيطة، بدأت تضعف هذه اللغة، تحديدا في 1960 الى 1980 ترك العديد من كناريي لا غوميرا الزراعة والحرث.
وفي سنة 1990 شن العديد من السياسيين والديبلوماسيين حملات لإنقاذ لغة صفير لا غوميرا النادرة بالعالم، وتكاتفوا مع مختصي اللغة، فقررت محافظات وحكومة جزر الكناري تعليم لغة صفير لا غوميرا في المدارس وتم اعتبارها من موروث جزر الكناري في عام 1999.
وفي 30 سبتمبر من سنة 2009 تم تسجيل لغة صفير لا غوميرا في منظمة اليونيسكو والتي أصبحت بذلك موروثا ثقافيا عالميا، وبمساعدة كبيرة من حكومة جزر الكناري تم اختيار ابن جزيرة لا غوميرا السيد اسيدرو اورتيث مونيوث كمختص للغة الصفير، والتي مازال يمارسها مع عائلته، ليقوم بتدريس مجموعة من معلمي اللغة ليقوموا بدورهم بتعليم لغة الصفير الغوميري.
ومازالت تختلط علي أصوات عصافير الكناري ولغة الصفير الغوميري بسبب التشابه الموسيقي بينهم.
كما مازالت صورة زميلي الكناري في مخيلتي عندما حدث والدته لأول مرة أمامي عبر الهاتف بلغة الصفير. لغة أبهرتني، كما أبهرتني اسبانيا دائما.
دمتم بكل حب وطيبة وبساطة أهل جزر الكناري.