فلسطين .. ألم الحلم ومرارة الواقع وبقاء الأمل* صالح الراشد
النشرة الدولية –
غفا من شدة التعب، فالجو حار والعمل تحت أشجار الزيتون مرهق .. نعم مرهق.. لكنه ممتع وجميل ففيه طعم الأرض والوطن.. وفيه كرامة وحرية وأمل، أسلم نفسه للنوم وسرعان ما علا صوت شخيره يهز أركان المكان، ليظن من يسمعه أنه يقاتل، وللحق في تلك اللحظات كان يسرقه الحلم صوب الماضي حين كان يحارب الصهاينة ويدق باب الموت مئات المرات، لكنه كان ينجو.. وعندما غادر أهل القرية بيوتهم بقي متمسكاً بحلمه بيوم التحرير، لذا لم يتحول لبطل على شاشات الفضائيات.. بل أصبح نبراساً لكل من عشق الأرض ومنحها قلبه وصبره وحياته.
إستدار في غفوته صوب القدس فاختفى صوت شخيره، وكأنه قد كَبَرَ للصلاة ووقف بين يدي الله، فلا صوت للشيخ حتى يظن من يراه أنه قد فارق الحياة، هي لحظات تغير فيها الحلم وجاء الأمل، فارتسمت على شفاهه بسمة ساحرة واثقة بأن النصر قادم، وأن تحرير فلسطين قيد أنملة أو أقرب، فهو يعلم حق اليقين بأن القدس لا يُعمرُ فيها ظالم، ولا يطول احتلالها فهكذا يقول التاريخ، وتذكر التتار وهزيمتهم في عين جالوت، والصليبيين ونهايتهم في حطين، ونابليون وانكساره على أسوار عكا، وشاهد نتنياهو يقف مذلولاً على أبواب غزة الحرة التي أعادت للأمة جزء من هيبتها المفقودة.
عاد شخير الشيخ يعلو ويرتفع، حتى شعر من حوله بأن صدره يكاد ينفجر، فشعروا بأنه يركب حصانه ليسابق صلاح الدين صوب الحرية والظاهر بيبرس وقطز لطرد المستعمر، بل شعروا أنه قادم من البوسنة والهرسك كأحمد باشا الجزار ليذل الغازي الفرنسي، وربما يكون قد استعاد بريق المهندس يحيى عياش فغطى وجهه بيده حتى لا يسرق نور العياش بريق عينيه، وعاد وأنزلهما لعله يشاهد الإنكسار في عيون الصهاينة آخر المستعمرين في عالم الحرية والديموقراطية والخداع والكذب والدجل ، هذا العالم الذي شهد ولادة إبن العلقمي فيه من جديد، لتصبح الخيانة وجهة نظر والتنازل عن الأقصى قضية رأي، ومصلحة الشعوب طريق لفتح البلاد أمام المستعمرين الجدد.
لم تطل غفوة الشيخ الذي تقلب في نومه كثيراً حتى استفاق على صوت الرصاص، فقفز كرجل في قمة حيويته وعنفوانه ونظر من النافذة وصرخ في أحفاده، “هل عاد صلاح الدين وقطر وبيبرس؟، هل أشاهد الجزار من جديد؟ أم هل استفاقت الأمة من غفوتها وجاءت لتحرير فلسطين؟”، عاد الحزن يرتسم على خطوط العمر في وجه الشيخ حين سمع حفيده يقول:” يا جدي .. إنها إحتفالات الصهاينة والعرب بيوم التطبيع”، أصاب الذهول شيخنا وجلس في مكانه غير قادر على النهوض ويقول لنفسه ” لقد انتظرتهم فاتحين وليس مستسلمين مهزومين، فنحن ورغم الإحتلال والقهر والقتل لم ننهزم من داخلنا وبقينا كأسوار القدس نحمي ترابها، فكيف ولماذا ومنذ متى إنهزم أصحاب الملايين؟.
حاول الوقوف وفشل فالمفاجأة هزته وقتلت فيه الحلم والأمل، فقد كان يردد في الصباح مقولة محمود درويش خذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا، وترافقه تكبيرات صلاح الدين وهو يُعملُ القتل في الغزاة الصليبيين، وفي الليل كان يقيم الصلاة مع التتار الذين إنهزموا وأسلموا، فمع من سيقضي وقته بعد أن قتل العرب كل احلامه!! ومع من سيكبر في صلاته !!، نظر من جديد صوبه فعاد وابتسم حين أدرك أن الأمل بذاك الطفل الذي رفض التطبيع وبيع فلسطين، نظر في عيني حفيده فوجد فيهما كرامة تفتقدها أمة وجَلَدٌ يفوق جيوش وصبر يتجاوز أيوب، فأسلم الروح لصاحبها وهو واثق بأن يوم التحرير قادم لا محالة .