من مرفأ بيروت الى ميناء حيفا .. حوّل!* إخلاص القاضي
النشرة الدولية –
من ميناء بيروت الاستراتيجي الذي كان يربط الشرق بالغرب، الى استدارة يبدو انها ستكون كلية لمرفأ حيفا، أكبر موانئ إسرائيل الدولية الثلاث، لاسيما بعد الانفجار الزلزال الذي هز كيان لبنان في الرابع من آب الماضي، فاستيقظ على بحر بلا مرفأ يبكي البشر والحجر، ويبكوه دما بعد ان كُشفت ظهورهم للرياح العاتية الآتية عليهم من كل حدب وصوب، في بلد شُرّعت ابوابه على مستقبل مجهول على غير صعيد.
وسواء كانت اسرائيل متورطة من قريب أو بعيد بانفجار مرفأ بيروت، وسواء خططت لتدميره أم لا، فانها ستكون الرابح الاكبر من ذلك، لان كفاءة واهمية ميناء حيفا ستتضاعف، اكثر فاكثر.
وعلى الرغم من أن ميناء حيفا هو أحد أكبر الموانئ في شرق البحر المتوسط من حيث حجم الشحن، الا أن اسرائيل تتطلع الى مضاعفة مناولة واهمية ذلك الميناء الذي سيلعب هذا الدور الحيوي في عمليات الترانزيت من اوروبا وامريكا لدول الخليج، كما ستنتعش السوق الحرة في جبل علي مستهدفة دولا كالصين واليابان وكوريا ومنها لامريكا وغيرها، وسيفوت بذلك مرفأ حيفا الفرص على قناة السويس ومرفأ بيروت، محولا انظار العالم اليه نظرا لموقعه الاستراتيجي الذي يختصر الوقت والمسافات في عمليات الشحن مقارنة بمرافىء أخرى، فيما يرى محللون “انه اذا بدأت موانئ دبي العالمية في إدارة جزء من العمليات في ميناء حيفا، فذلك ربما يكون لصالح مصر وقناة السويس”، ليبقى مرفأ بيروت قيد اليتم والموت.
فيما يعتقد مراقبون انه لا يمكن لميناء حيفا أن يحل محل قناة السويس بالكامل، فتاريخيا، كانت السويس بمثابة البوابة بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط ، وبالتالي بين آسيا وأوروبا، وسيستمر دورها هذا، حتى مع سطوع نجم ميناء حيفا.
كل تلك الاهمية ” تضع العقل في الكف”، فلماذا انفجر مرفأ بيروت قبل حوالي الشهر من اعلان اسرائيل استئناف سلامها مع بقية العرب، وكيف تصدر مرفأ حيفا سلم التحليلات والاحاديث السياسية و اولويات الاحداث، وكأننا في سياق زمني مرتب، وهنا اؤكد كما اكدت في مقال سابق، ان للدول العربية والخليجية حرية القرار في الولوج بسلام مع اسرائيل من عدمه، فهي دول ذات سيادة، وتتصرف وفقا لمصالحها العليا، وهي ادرى بشؤونها، ونحن في الاردن، لم نعتد التدخل في شؤون الآخرين، لكن على ان السلام، اي سلام بين اسرائيل، واي دولة عربية، لابد له من ان يكون موازيا لتطبيق اسرائيل لقرارات الشرعية الدولية فيما خص اقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران، دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، فلا من سلام حقيقي، واهلنا في فلسطين ما زالوا دون حقوقهم يرزحون تحت وطأة وظلم الاحتلال.
وبينما يزهو ميناء حيفا انتعاشا وازدهارا وشهرة، يبكي مرفأ بيروت حاله واهله، وهو الذي افتقد اهليته بعد ان كان مركزا لالتقاء القارات الثلاث”اوروبا واسيا وافريقيا”، وممرا فاعلا لعبور اساطيل السفن التجارية بين الشرق والغرب، وأهم محطة للتجارة الدولية مع الدول العربية المحيطة، الى ان انفجر، و”سكت عن الكلام المباح”، مندهشا من هول الكارثة ورائحة الدماء وصور الشهداء والجرحى والمفقودين والتهجير والتشريد والدمار، ناهيك عن بطالة بنسب مدوية، تصاعدت على اثر ثلاثية ” كورونا، الانهيار الاقتصادي والنقدي، والانفجار الابادة”.
وفيما يرقد مرفأ بيروت ليس بسلام، تحت الرماد، تحت التراب، في أعماق البحر، يضحك ميناء حيفا فرحا بمضاعفة ارباحه في المستقبل القريب، لا سيما وان موانئ دبي العالمية المملوكة لحكومة دبي قد وقعت سلسلة اتفاقات مع شركة اسرائيلية لخصخصته، وهو سيربط بميناء جبل علي في دبي، ما يفسح بالمجال ايضا لفتح خط شحن مباشر بين ميناء إيلات المطل على البحر الأحمر، وجبل علي في دبي، أكبر مركز لعبور الشحنات في الشرق الأوسط، كل ذلك مشفوعا بخطط كفيلة بربطه بشبكة قطارات لنقل البضائع عبر سكك حديد من حيفا الى آخر ميناء خليجي.
انه تفكير اسرائيلي استراتيجي، خطط ودبر و”تكتك”، التوقيت والاحداث، ليستحوذ ميناء حيفا على انظار العالم التي تتطلع للشرق الاوسط، وهو في قلبه حكما، يقف مسيطرا، بعد دمار ممنهج للبنان ولمرفئه، وبعد اقناع لدول اتفقت معها في اطار معاهدات سلام، واخرى على لائحة الانتظار، لما فيه من مصالح اقتصادية، ستكون اسرائيل هي الرابح الاكبر من سلام سمته المصالح الاقتصادية قبل أي شي.
وفي لجة صراع دولي واقليمي على المنطقة وبها، والى ان تقوم قائمة مرفأ بيروت وينهض من غيبوته القاسية من جديد، والى ان تعيد دولة الكويت مشكورة بناء المرفأ كما اعلنت ووعدت، والى ان يتفق الاطراف في لبنان على تشكيل حكومة، والى ان ينهض لبنان من كارثته، وانهيار ليرته، واقتصاده، والى ان يخرج الساسة هناك من عباءة المحاصصة والطائفية والتبعية، يكون مرفأ حيفا، قد انتزع اكثر واكثر صدارة المرافىء في الشرق الاوسط ليشكل مع مينائي اشدود وايلات خطوط جذب ومناطق وصل دولية، كان الاولى ان تكون لمرفأ بيروت الاستراتيجي، ولو ان لبنان انتفض على جراح الماضي وأسس لدولة القانون والمؤسسات، لبقي ميناء حيفا يعمل بصمت، بيد أن ضجيج سمعته الآن قد وصلت لاصقاع الدنيا، حين غاب مرفأ “ست الدنيا”، عن كل الدنيا.
وبعد يبقى السؤال المفتوح على كل الاحتمالات: هل دمرت اسرائيل حقا مرفأ بيروت لاجل عيون ميناء حيفا؟
صحفية أردنية