وعلى السلم العالمي السلام!* مرح البقاعي
النشرة الدولية –
أعادت الإدارة الأميركية منفردةً، يوم السبت الفائت، فرض عقوبات الأمم المتحدة كافةً على إيران، كما شددت على أن حظر توريد الأسلحة التقليدية إلى طهران لن ينتهي في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر القادم.
وكان الرئيس دونالد ترامب قد أعلن في شهر أيار/مايو من العام 2018، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في فيينا في شهر آذار/مارس من العام 2015، عازياً انسحابه إلى أن إيران لم تتوقف عن نشاطاتها العسكرية في تمويل الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، والمنتشرة في غير دولة عربية من أجل القيام بعمليات قتالية تصبُّ في مطامع الملالي الحاكمين، وتعمل على تصدير أفكارهم وأحلامهم التوسّعية الطائفية المحرّضة على حساب دول الجوار ذات السيادة.
رأى ترامب أن الاتفاق يصبُّ في مصلحة إيران وتأمين الموارد لها، والتي لم تستعملها في التنمية ورفع مستوى معيشة شعبها وتأمين فرص العمل والوظائف لشبابها، بل كانت الأموال التي حصلت عليها طهران إثر توقيع الاتفاق الدولي تهدر على تمويل أعمال العنف والإرهاب التي تمارسها كتائبها العابرة للحدود، بتمويل وقيادة من الحرس الثوري في طهران.
إثر إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، سارع وزير خارجيته، مايك بومبيو، إلى إصدار قرار بتأسيس “مجموعة عمل إيران” في الوزارة، لتقوم بالتعامل المباشر مع كلِّ متعلّقات الملف الإيراني، وتتابع الالتزام بتطبيق العقوبات الأميركية على طهران، ويناط بها تقدير فرض تبعات معيّنة على الدول التي تحاول تجاوز نصوص العقوبات المفروضة أو الالتفاف عليها أو إيجاد المخارج لها، أو تلك التي لا تجد نفسها ملزمةً بإجراءات واشنطن.
أما دول 5+1 الموقِّعة على الاتفاق في العام 2015، فتجد نفسها اليوم في مواجهة مباشرة مع واشنطن فيما يتعلّق بالملف النووي الإيراني. وإذا ما حدث أن فاز ترامب بفترة رئاسية ثانية، فستكون تلك الدول في موقع لا تُحسَد عليه البتة بسبب ما ستواجهه من المزيد من الحزم الأميركي تجاه اتفاقها المُبرَم مع إيران.
من النتائج المباشرة والأهم للعقوبات الهادفة إلى ردع إيران وإعادتها إلى جادة الصواب، أن صندوق النقد الدولي كان مضطراً إلى تعديل رؤيته المالية لإيران بسبب انكماش الاقتصاد الإيراني بصورة مطردة، واستمرار تدهور سعر صرف العملة الإيرانية مقابل العملات العالمية. كما أن الضغوط الاقتصادية التي تمارسها واشنطن من خلال برنامج العقوبات التصاعدي على حكومة طهران دفعت حزب الله اللبناني وحماس ليضعا خططاً تقشفية بسبب الأزمة المالية لدى المموّل الأساس، بينما شرعت أذرعه بجمع التبرعات للحرس الثوري ضمن دائرة أنصاره في لبنان.
وزارة الخارجية الروسية أدانت إعلان الولايات المتحدة واعتبرته إعلاناً أحادي الجانب لا يمكن أن يشمل الدول الموقِّعة على الاتفاق مع إيران، بل ويتعارض مع القرارات الأممية الصادرة عن الأمم المتحدة في هذا الشأن. إلا أنه، ورغم هذا الموقف الرسمي لموسكو، لا يمكن للمتابع بدقة للمعادلة السياسية في سوريا حيث القوتان الروسية والإيرانية في حالة تموضع نافذ على الأرض، لا يمكنه إلا أن يلمس ارتياحاً روسياً غير مُعلَن للتصعيد الأميركي ضدَّ المواقع العسكرية الإيرانية على الأرض السورية والتي تنفذها إسرائيل بضربات حاسمة وصل عددها إلى مئات من الطلعات التي استهدفت مواقع انتشار العتاد والعديد الإيراني وحرسه الثوري بكافة ميليشياته المقاتلة إلى جانب نظام الأسد ضد الشعب السوري الجريح.
فروسيا التي يبدو أنها دخلت في توافقات ثابتة مع إدارة ترامب حول اقتسام نفوذ الدولتين العظميين بين شرق الفرات السوري وغربه، تجد المنافسة الإيرانية أمراً مقلقاً في المعادلة الجيوسياسية التي تعتقد أن من حقها وحدها تنفيذها على الأرض ولا سيما أنها أمست تملك قواعد عسكرية ضخمة في سوريا تكاد توازي الحضور العسكري الأميركي في المنطقة.
وبينما الشدّ الحزبي بين الديمقراطيين والجمهوريين المتنافسين على المكتب البيضاوي يبلغ أعلى مستوياته قبيل أسابيع معدودة من الانتخابات الرئاسية الأميركية الأكثر شراسة وتناقضاً في التاريخ الأميركي المعاصر منذ الحرب الأهلية الأميركية، تترقّب طهران نتائج هذه الانتخابات بفارغ الصبر، والتي ستقرر -فعلاً لا قولاً- مصير نفوذها المستشري في منطقة الشرق الأوسط، وسترسم طريقة التعامل الأميركي ما بعد الانتخابات الرئاسية مع المعطيات التي ترتّبت على دورها السلبي في إرباك الاستقرار العالمي، وتضع حداً لافتراءاتها وانتهاكاتها المشهودة في حال فوز الرئيس ترامب بالرئاسة لأربع سنوات قادمة.
أما إذا كانت الغلبة للديمقراطيين من عرّابي الاتفاق مع إيران وعلى رأسهم جون كيري الذي أبرم اتفاق العام 2015 حين كان وزيراً لخارجية إدارة باراك أوباما، وإذا ما وصل مرشحهم، جو بايدن، إلى البيت الأبيض في غفلة من التاريخ، فقل: على السلم العالمي السلام!
نقلاً عن موقع “وكالة نورث برس”