لبنان: التدقيق الجنائي إصلاح وهمي.. ثغرات قانونية وجوهرية في العقد

النشرة الدولية –

*نوال الأشقر

روّجت السلطة الحاكمة للـ “التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان” على أنّه فعل إصلاحي عظيم. أسقطت “كرول” الشركة العالمية المتخصّصة في التدقيق الجنائي، وتعاقدت مع  Alvarez & Marsal ، وهي شركة غير متخصصة بالتحقيق الجنائي. بعدها راح أهل الحل والربط يتساجلون في ما بينهم، حيال مجموعة Egmont، “التيار الوطني الحر” يريدها في العقد، ويتّهم وزير المال غازي وزني باستبعادها، والأخير يوصّف الإصرار على زج اسم المجموعة من ضمن العقد بالفضيحة. أبعد من الجدل العقيم هذا، تجاهل الفريقان وجوب نشر العقد أمام الرأي العام، عملًا بمبدأ الشفافية، وتطبيقًا لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات. والسؤال هل سيقود تدقيقهم الجنائي هذا إلى كشف عمليات اختلاس المال العام؟ هل سيصل التدقيق إلى الوزارات والمؤسسات كافة، ليحقّق في هدر المال العام، كوزارات الطاقة والإتصالات والإشغال والصحة وغيرها؟ أم سيقتصر على المصرف المركزي؟ ماذا عن القوانين اللبنانية التي تحول دون قدرة الشركة في الحصول على المعلومات التي تحتاجها، كقانوني السرية المصرفية والنقد والتسليف؟

إطلاق مرحلة التدقيق الجنائي أتت بالشكل والمضمون مبتورة ومشبوهة ومرفوضة، كما أنّها معطّلة ومكبّلة ومكلفة، وفق توصيف الدكتورة سابين الكيك في حديث لـ “لبنان 24”. في البعد القانوني التحقيق الجنائي دونه عقبات تحتاج إلى تعديلات جذرية “وتستلزم تشريعات خاصة ممّهدة ومترابطة ومواكبة حتى انتهاء كلّ المراحل. أبرزها، إلغاء السرية المصرفية، إيقاف المسؤولين المصرفيين والإداريين مؤقتاً عن العمل ريثما تنتهي نتائج التحقيق الأولي، وتشكيل لجنة تقصّي حقائق الديون، بإشراف وتعاون مؤسسات مدنية دولية متخصصة، تقدّم تقاريرها للشعب اللبناني مباشرة، عبر نشرها على موقع خاص، ومناقشتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، للتأكد من عدم تجاوز مبادئ حقوق الإنسان والحريات. وعدا ذلك سيتنهي التدقيق إلى حيث يريدون”.

تضاف إلى الثغرات القانونية، مسألة حصر التدقيق في حسابات المصرف المركزي دون سواه. وبنظر الكيك “تخطّى التحقيق الجنائي المالي والمصرفي المطلوب، في حالة الكارثة التي نعيشها، مستوى الشركات الخاصة الأجنبية الممّولة بالملايين من تعب الناس، لإتمامها بعقود الصفقات الملتوية، وتكبيلها بنسبة العمولات الكبيرة. من هنا تبدو المسألة أكبر من تحقيق مجتزأ، إنّها أزمة وطن، وأيّ عملية تحقيق شفافة، تقتضي شرعية مباشرة من الشعب، وإلا ستسقط في وحول الفساد”.

تتساءل الكيك عن مدى قدرة التدقيق على بلوغ النتائج المرجوة في كشف الفاسدين، وهؤلاء لا يزالون يستحوذون بالسلطة “من هنا مصداقية التحقيق الجنائي مرتبطة بوجود سلطة تتمتع بثقة الشعب، تضع  توجّهات واضحة وشفافة في رفض تحميل المواطن مسؤولية الإنهيار والفشل، تؤمن بأنّ الحل يكمن بتوجّه اقتصادي مختلف، لا يتمحور حول الإعتماد على الرساميل المصرفية، المشروعة وغير المشروعة، كمورد أساسي للدولة، وإهمال القطاعات الإقتصادية الأخرى، سلطة تؤمن بأن الحل يكمن في وضع أسس جديدة للمصرف المركزي، وإنشاء نظام نقدي واضح، وإخضاع القطاع المصرفي لمراقبة فاعلة”.

في ظل الصراع السياسي الحاصل وإفشال الحلول يزداد الوضع المالي سوءًا، وتتسع دائرة المجاعة، التي تدفع باللبنانيين إلى قوارب الموت بحثًا عن فرص نجاة خارج الوطن المنكوب، أمام واقع انهيارالنظام الائتماني اللبناني تجد الدولة  نفسها عاجزة عن دفع أثمان الواردات بسبب افتقارها إلى العملة الأجنبية. وبنظر الكيك “نحن أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا أن نواصل العيش في ظل الخديعة التي صنعتها الشعارات الوهمية للأخطبوط المالي والسياسي والطائفي والزبائني والريعي، مثل لبنان سويسرا الشرق، وجه لبنان الرأسمالي، السرية المصرفية. وإما أن نختار التخلي عن الأساطير الخرافية تلك، ونقرر مواجهة كلّ المنظومة المصرفية والمالية والسياسية، ونعلن على الملأ أننا لن ندعهم يفلتون من المساءلة والمحاسبة، وأننا لا نريد إنقاذ المصرفيين، بل استعادة ودائعنا وأموالنا، وأننا لن ندافع عن مرتكب جناية أو جنحة مالية مهما علا شأنه، لأن ّصورة لبنان الحضارية هي صورة أبنائه وشبابه المقيم والمنتشر”.

انطلقت رسميًا مرحلة التدقيق الجنائي والمحاسبي في دفاتر المركزي، وقدمت الشركتان لائحة بالبيانات التي تحتاجها، ولكن ماذا عن التدقيق في كيفية إنفاق المليارات في الوزارات والمؤسسات والمشاريع الفاشلة والوهمية؟ من سيحقق في حساباتها ودفاترها وصفقاتها؟ وهل يكفي كشف حجم الخسائر ومسبباتها في مصرف لبنان لكشف المنظومة الفاسدة؟ وكيف يتم تجاهل أنّ حوالي نصف قيمة الدين العام من جرّاء الهدر في ملف الكهرباء وحده؟

نقلاً عن موقع “لبنان 24” الإخباري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button