من هم المسلمون السنة في لبنان؟
بقلم: الشيخ مظهر الحموي
النشرة الدولية
مركز النهوض الثقافي –
لا بد لنا في البداية من مناقشة مصطلح الطائفة السنية الذي جرى لصقنا به لنلفت أننا ومنذ الفتح الإسلامي لساحل بلاد الشام نعتز بأننا مسلمون إنطلقنا لنشر الرسالة الإسلامية والذود عن المنطقة والتأسيس لحضارة مشرقة إنسانية .
ولا يزال كبار السن يذكرون الهوية الحمراء التي لم يكن يشار فيها الى مذهب المسلم بأنه سني، بل تكتفي الخانة بإيراد أنه مسلم وهذا دليل على أننا كنا نؤكد إرتباطنا بالدين الحنيف دون أن نهتم بإيلاء المذهبية السنية شعارا لنا على بطاقة الهوية، يكفي أننا اتباع الإسلام العظيم، وهذه حقيقة يجب أن يعيها المسلمون قبل غيرهم، وهي الصفة التي يفتخر بها المسلمون من جاكرتا شمالا الى الرباط غربا دون أي محاولة للرضوخ الى من يريد تجزئتنا وشرذمتنا.
ولسنا في حاجة الى توضيح دور المسلمين السنة في لبنان علما بأننا نتحفظ على التوصيف مذهبيا ب(السنة) حيث تؤكد الآية الكريمة هو سماكم المسلمين، ولكننا بصورة مؤقتة وعملا بالعرف السائد في لبنان سنعتمد هذا المصطلح الذي نتحفظ عليه.
نحن في لبنان كنا الأكثر حرصا على الوئام والعناية بالآخر وإحتضانه والحفاظ على معتقداته وشعائره والذود عنه.
نحن السنة في لبنان لم ننغمس في لعبة التناحر والإقتتال عام ١٨٦٠م وما أفرزته القائمقاميتان ثم المتصرفيات من شحن طائفي ومذهبي عم معظم المناطق والمذاهب ، ما عدا المسلمين السنة ومناطقهم ومدنهم الساحلية منها خاصة .
المسلمون في لبنان كانوا الأكثر وعيا لما يحاك لهذه البلاد من مؤمرات عملوا على التصدي لها وإفشالها والدفاع عن ثغور الساحل من الإسكندرية الى الإسكندرون وكانوا رأس حربة في وجه الطامعين.
المسلمون السنة لم يتعاونوا مع المستعمر الإنكليزي أو الفرنسي، بل بذلوا الدماء رخيصة في سبيل إخراجه من البلاد .
المسلمون في لبنان لم يعمدوا الى تمزيق الأمة بأحزاب متناحرة وتيارات فكرية قومية وشيوعية وماركسية وغيرها من عوامل الإفتراق والإنشقاق.
صحيح أن إمتدادهم الحضاري والعقائدي والتاريخي ينسحب على أرجاء المحيط العربي، ولكنهم حافظوا على لبنان وحرصوا على تطوير هذا النموذج الفريد من وطن التعايش والحوار والجوار بين سائر الطوائف.
وكان المسلمون السنة منذ قبل الإستقلال الشريك الأساسي في بناء الدولة وبذلوا أمثله في التضحيات حتى يستقر هذا الوطن ويطمئن الآخرون الى شموخنا وآبائنا، وخير مثال على ذلك أن الشيخ محمد الجسر رحمه الله كاد أن يصل الى سدة رئاسة الجمهورية اللبنانية في الثلاثينات ولكنه وبعد الضغوطات… عزف عن المضي في الترشيح حرصا على إشاعة الإطمئنان في نفوس غير المسلمين.
وليس خافيا على أحد مغزى تسمية الممثل الأعلى للمسلمين في لبنان، مفتي الجمهورية اللبنانية وهو دليل آخر على عراقة الوجود الإسلامي السني إن جاز التعبير ، ونأسف مجددا لإيراد هذه الكلمة التي نربأ أن تقزمنا وتحيلنا الى فئة دينية مثل سائر الأقليات المتواجدة في لبنان .
فهل نعود بالذكرى الى الأحداث الأهلية الأليمة التي ولت الى غير رجعة إن شاء الله لنلفت الى حرص المسلمين على منع التقسيم والشرذمة وعلى إيمانهم بوحدة البلاد والحفاظ على الأمن والإسقرار.
هل نستعيد دور رؤساء الحكومات المتعاقبة منذ الإستقلال في رعاية المصالح العامة والذود عنها في وجه المستغلين والمتآمرين ، فدفع ثلاث رؤساء حكومة دمهم لأنهم كانوا يتصدون للمؤامرات المتلاحقة..
وهل ننسى ما يتعرض له رؤساء الحكومات من سهام النقد والتشهير دون غيرهم من الرؤوساء، على الرغم انهم كانوا يُسألون ولا يَحكمون ، في حين أن الآخرين يحكمون ولا يسألون.
ولم يكن حظهم في وثيقة الطائف بأفضل مما قبله، عندما كرس للرئاستين الأولى ٦ سنوات، وللثانية، رئاسة المجلس النيابي من بعض الضغوطات الى أربع سنوات ، فيما بقي منصب رئاسة الحكومة عرضة للتجاذبات والإهتزازات ورأي الغالبية من النواب، حتى أن رئيس الحكومة المكلف لا يستطيع تأليف أي حكومة (كما يرى الجميع) إلا برضى الرئاستين والرضوخ لمطالبهما في تمرير بعض الوزراء المحسوبين عليهما.
ورغم ذلك لا يستطيع ترأس مجلس الوزراء إذا حضر رئيس الجمهورية وقلما يتغيب هذا الأخير.
ولن نتطرق الى المساءلة الحادة التي يتعرض لها رئيس الحكومة في كل أزمة ليس هو من إفتعلها بل غيره من الرؤساء والوزراء والساسة اللبنانيين.
في الحقيقة أننا نأسف بأن نلجأ الى إيضاح بعض الحقائق التي ربما غابت، أو في الحقيقة يجري تجاهلها عمدا من قبل الذين يعلمون فعلا دور المسلمين السنة في لبنان، ويعمدون بين الحين والآخر الى الغمز واللمز إن لم نقل التجريح فضلا عن المغالطات بحق طائفة هي من أبرز مكونات الكيان اللبناني ، بل وفي مقدمة الذائدين عنه في عدة محطات ومفاصل هامة ومن ابرزها التضحية بالعشرات من رجالاتها.
ألا فليرتدع المشككون ويصححوا مواقفهم وينصاعوا للحقيقة والتاريخ، فالمسلمون (السنة) هم في مقدمة من يتمسكون بالدولة ومؤسساتها في لبنان، وهم أصحاب الغيرة على هذا البلد، وهم رسل حضارة وخير ورحمة للعالمين.