العرب وإسرائيل والعالم… سيناريو ماذا لو؟* رفيق خوري
النشرة الدولية –
تغيرت الدنيا في المنطقة والعالم ولا تزال قضية فلسطين بلا حل. حيث تغيرت الجغرافيا بقي التاريخ ثابتاً. وحيث تحرك التاريخ بقيت خطوط الخرائط في مكانها، ولكن من دون احترامها. وليس التذكير بالماضي إلا نوعاً من التفكير في الحاضر والمستقبل، كما فعل الأكاديمي الروسي فيتالي نعومكين، الذي أعاد التذكير بموقفين للاتحاد السوفياتي من قضية فلسطين، أولهما، التصويت بالموافقة في الأمم المتحدة على قرار التقسيم في عام 1947. وثانيهما، التصويت ضد قرار عودة اللاجئين الفلسطينيين أو التعويض عليهم في عام 1949. الموقف الأول كان معاكساً للموقف الفلسطيني والعربي الرافض لتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، مع ترك القدس منطقة دولية. وهو ما قاد إلى ردود فعل عنيفة في الشارع، كما في المجالس، ومن بينها إحراق مكاتب الأحزاب الشيوعية. والموقف الثاني، بصرف النظر عن تقدير موسكو، جاء منسجماً مع موقف البلدان العربية، ومن بينها لبنان، التي صوتت ضد القرار على أساس أن قبوله هو اعتراف ضمني بإسرائيل، التي حاول العرب وفشلوا في منع قيامها وسحقها بالقوة في حرب 1948.
الحل الحلم
اليوم يبدو “حل الدولتين”، وتطبيق حق العودة حلماً لدى السلطة الفلسطينية وكل الدول العربية، وسط استمرار منظمات فلسطينية تدعمها إيران، في التمسك بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر. ولا يزال باب “التخوين” والاتهام بـ”بيع القضية” مفتوحاً، من حرب 1948 واتفاقات الهدنة وكل الحروب العربية – الإسرائيلية، إلى معاهدة كامب ديفيد، واتفاق أوسلو، ومعاهدة وادي عربة وصولاً إلى معاهدتَي السلام بين الإمارات العربية وإسرائيل، والبحرين وإسرائيل. لكن السجال المستمر في باب التخوين هجوماً ودفاعاً، ترك مع الوقت والتطورات، نافذةً مفتوحة للتفكير في ما لا يمكن التفكير فيه، ماذا لو قرر العرب قبول قرار التقسيم وأسهموا في إقامة دولة فلسطينية؟ هل كان بورقيبة على حق حين تعرض لأعنف هجوم عربي لمجرد التذكير بالأمر؟ هل كانت إسرائيل ستبدو “حارة يهود” في “المدينة العربية” كما تصور الذين ضاعت أصواتهم وسط المزايدات؟ هل أخطأ العرب في اعتبارهم إسرائيل “خطراً وجودياً عليهم من الفرات إلى النيل” لا دولة اغتصبت جزءاً من أرض فلسطين برعاية دولية وعلى الشعب الفلسطيني مقاومتها بكل الوسائل مع دعم عربي غير مباشر؟ هل أدرك العرب حقيقة المواقف الدولية من إقامة إسرائيل؟ ما الذي يمنع تنويع المقاربة سواء لجهة الربط بين التسوية الشاملة والانسحاب من الأرض للاعتراف الكامل بإسرائيل، أو لجهة وضع العلاقات مع إسرائيل في إطار قضايا مستجدة وأخطار داهمة على العرب، بحيث يخدم السلام تلك القضايا؟
ماذا لو؟
المؤرخون لا يحبون البحث في سؤال “ماذا لو حدثت الأمور بشكل مختلف”؟ لكن من الصعب فهم التاريخ تماماً من دون رؤية الوجه الآخر، وهو كما قال مؤرخ بريطاني “لماذا لم تحدث الاشياء”؟، والزمن يسمح بفهم أفضل للتاريخ، ولو في شكل قراءة متأخرة له. وها هو المؤرخ الأميركي – اليهودي طوني جوت، الذي عمل في “كيبوتز” وتطوع في الجيش الإسرائيلي خلال حرب 1967، يقول قبل رحيله أخيراً “إسرائيل مغالطة تاريخية، دولة من قرن مضى”. أما المؤرخ اليهودي موتي غولاني، فيرى في كتابه “الحروب لا تحدث فقط” أن “العسكرية الصهيونية أحدثت الخراب في المجتمع اليهودي منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وأسهمت في إحداث الحروب مع العرب”. أما الجنرال بيلد، وهو قائد سابق لسلاح الجو في إسرائيل، فأوصى بأن يُكتب على قبره “هنا يرقد يهودي مجنون ظن أن اليهود قادرون على بناء دولة، وكان على خطأ”.
ألعاب وحسابات
أخطاء من هنا، وأخطاء من هناك. ألعاب وحسابات دولية أكبر من العرب وإسرائيل. عالم عربي تتوسع إسرائيل على حسابه، وتندفع تركيا فوق أرضه في محاولة لاستعادة شيء من السلطنة العثمانية، وتحاول إيران أن تجعل مصيره جزءاً من إحياء المشروع الإمبراطوري الفارسي القديم تحت عنوان جديد هو ولاية الفقيه. وصراع على الأدوار والنفوذ والاقتصاد والسياسة بين أميركا، القوة العظمى والصين القوة الصاعدة وروسيا القوة العائدة. فأين نحن كعرب وسط هذه اللوحة؟ ما الذي حققناه وما الذي فشلنا في تحقيقه ولماذا؟ لا مهرب من التفكير والحوار خارج السجالات الاتهامية للتوصل إلى خلاصات عملية تساعدنا في العودة إلى الواقعية وتحسين الشروط الإنسانية للعيش والتقدم. و”على هذه الأرض ما يستحق الحياة” كما ورد في قصيدة للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.